يُجرى الفحص الجيني عادة لتحديد ما إذا كانت امرأة معينة قد تكون معرضة من الناحية الوراثية للإصابة بسرطان الثدي، على الرغم من أن الكثير من الأطباء يعتبره اختباراً غير مثالي، انطلاقاً من كون معظم النساء المصابات بسرطان الثدي لا يمتلكن الجينات المعرضة للإصابة بسرطان الثدي، وكذلك لأن وجود هذه الجينات لدى المريضة لا يعني أنها ستصاب بسرطان الثدي.

بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن الفحص الجيني يُجرى بأخذ عينة من دم أو لعاب المرأة المراد فحصها، بعدها تُفحص الخلايا للبحث عن طفرتين وراثيتين ترتبطان بسرطان الثدي وهما بروتين BRCA1 ومرض ألزهايمر و BRCA2 واللتان يُعتقد أنهما مسؤولتان عن 5 إلى 10% من حالات سرطان الثدي، ولذا ينبغي بحث مسألة إجراء هذا الفحص عند وجود تاريخ مرضي للإصابة بسرطان الثدي في العائلة.

العلاجات الهرمونية

الدكتور ماهر سيفو أستاذ في طب الأورام بجامعة دمشق ونائب العميد للشؤون العلمية في كلية الطب البشري، يربط بين الفحص الجيني وبين طبيعة العلاج الذي يقدم لمريضة سرطان الثدي. ويبين في حديثه أن اكتشاف السرطان في مراحله المبكرة يؤثر على نوعية العلاج ونسب الشفاء؛ فالكشف المبكر جداً للسرطان يمكن أن يغني عن العلاج الكيميائي والاكتفاء بالعلاج الهرموني، مراهناً في ذلك على وعي الناس وحرصهم على الكشف المبكر لتجنب الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي، فليس كل سيدة مصابة بالسرطان يقدم لها العلاج الكيميائي، فهناك ثلثا الحالات من المرضى تكون المستقبلات الهرمونية لديهم إيجابية في حال تمكنوا من اكتشاف السرطان مبكراً إذ يمكن في هذه الحالة اللجوء للعلاج الهرموني فقط.

الفحص الجيني

وفي الوقت نفسه يوضح أن ذلك يحتاج إلى دقة كبيرة في التشخيص مرتبطة بالتحليل الجيني، وهي على الأغلب غير متوفرة في سورية. فعلى الرغم من الخدمات الكبيرة التي يقدمها مشفى البيروني الجامعي بدمشق من تحاليل غير متاحة في أي مكان في العالم، وكذلك خدمات وزارة الصحة والمراكز والمشافي الأخرى، إلا أنه يُفترض أن تزود مخابر التشريح المرضي في هذه الأماكن بتحاليل خاصة مثل المستقبلات الهرمونية.

ويلفت الدكتور سيفو إلى أن التحاليل الجينية التي نتحدث عنها هي حتى الآن غير متوفرة لدينا. ولكن هناك جهود كبيرة من خلال التواصل مع اللجنة الوطنية للتحكم بالسرطان لتوفير هذه التحاليل التي تفيد في مساعدة المريض من جهة والتوفير على الدولة من جهة ثانية، إذ إن فهم المزيد عن التكوين الكيميائي والجيني للسرطان يساعد الأطباء على اختيار العلاج الأكثر فعالية.

المرحلة الرابعة

وتحدث النائب العلمي في كلية الطب البشري بدمشق عن العلاجات المتعلقة بالمرحلة الرابعة من المرض والتي يحدث فيها النقائل، وكيف يكون العلاج؟ قائلاً إنه في حال كان هناك سيدة ليس لديها نقائل كبيرة جداً، فيمكن الاكتفاء بالعلاج الهرموني ووضعها تحت المراقبة لمدة ثلاثة أشهر، فهناك مريضات لديهن سنوات على العلاج الهرموني فقط ولم يحتجن إلى العلاج الكيميائي. كما أن هناك الكثير من الأمور التي ينبغي وضعها بالحسبان في حال اكتشاف كتلة مشتبهة، إذ من المفترض قبل التفكير بأي عمل جراحي أو علاجات كيميائية لا بد من الانتباه إلى جوانب أخرى وخطوات يجب اتباعها والتأكد منها.

الكتلة المشتبهة

في حال وجود كتلة مشتبهة تم اكتشافها عن طريق الإيكو، وجرى استئصالها مباشرة من قبل الطبيب كإجراء أولي، فإن ذلك يرقى إلى مستوى الجريمة الجنائية، ويجب محاسبة الشعاعي والطبيب الجراح اللذين قاما بهذا الإجراء وفقاً للدكتور سيفو والذي وجه رسالة مفادها: أمام كتلة مشتبهة، يجب معرفة نوعها والتأكد إن كانت بحاجة إلى علاجات تسبق الجراحة، ولا داعي لتعريض المريضة إلى عمليتي تخدير عام واحدة عند أخذ الخزعة المخروطية وواحدة عند عملية الاستئصال. مشيراً إلى أنه في جميع دول العالم لم يعد هناك طبيب يقوم باستئصال الكتلة المشتبهة مباشرة، لما في ذلك من استنزاف للمريضة وللدولة وما يرفق ذلك من مشاكل التخدير.

ويتساءل الدكتور ماهر سيفو لماذا نقوم بتخدير المريضة في حين يمكن الاكتفاء بأخذ الخزعة بشكل موضعي باللحظة نفسها عند طبيب الأشعة؟ من هنا فإن أهم سؤال يطرح عادة على طلبة الطب هو: أنه في حال وصلتكم صورة إيكو من عند طبيب أشعة لوجود كتلة مشتبهة لدى المريضة، فإلى أين ترسلون هذه المريضة؟ هل إلى طبيب الأورام أم إلى طبيب الجراحة العامة، أم تعيدونها إلى طبيب الأشعة لأخذ الخزعة بالإبرة؟ والصحيح في هذه الحالة إعادة المريضة إلى طبيب الأشعة، لأن ذلك اختصاصه وهو بذلك يوفر على المريضة عملية لا داعي لها.

وتابع الدكتور سيفو أنه في كثير من الحالات يقوم الطبيب الجراح باستئصال الكتلة، وبعد مدة قصيرة يقول للمريضة بأنها تحتاج إلى تجريف الإبط واستئصال الثدي لأنها مصابة بالسرطان. وفي هذه الحالة تخضع المريضة إلى عمليتين. علماً أن هؤلاء الأطباء يرون يومياً الكثير من الحالات، وأن هذه العمليات تعتبر من العمليات الباردة وليست من العمليات الحارة. وهذا يتطلب وضع حل لهذه الإشكالية من خلال وجود ختم مشابه لختم التخدير بحيث لا تدخل أي سيدة إلى العملية من دون أن تكون معروضة على جهات طبية علمية تقر حاجتها إلى العملية أم لا. كما أن ذلك يساهم في تخفيف استنزاف غرف العمليات من القيام بعمليات لا داعي لها. كما يساهم في تخفيف العبء على المرضى.

نسب شفاء عالية

يوضح الدكتور ماهر سيفو أهمية الكشف المبكر عن السرطان وخاصة سرطان الثدي، لما حققه ذلك من نسب شفاء عالية وصلت إلى 95% حيث يتم التركيز على الشفاء وتوفر العلاجات وتقديم الأمل بالشفاء وليس على العمل الجراحي أو على الموت في موضوع السرطان. إلى أن الحديث عن قصص النجاة والشفاء يساهم في تغيير ثقافة المجتمع ويشجع السيدات على القيام بالإجراءات الخاصة بالكشف المبكر. في حين يكون التكتم لدى الكثير من السيدات اللواتي أصبن بالسرطان وتم شفائهن سبباً في تراجع هذه الثقافة المجتمعية.

وفي الواقع هناك الكثير من الشخصيات المهمة التي شاركت قصص نجاحها بالشفاء من السرطان علناً، وكان لذلك صدى كبير دفع الكثير من السيدات للقيام بالفحص الذاتي والقيام بالتصوير الماموغرام في حال كان لديها شك في وجود كتل أو لديها قصة عائلية، وبالتالي من المهم التفاؤل والتركيز على الحياة لا على الموت.