عندما تظهر حطاطة حمراء صغيرة موضعية مثيرة للحكة وتتطور إلى عقيدة لا تلبث أن تتقرح بعد عدة أسابيع، يجب عدم الاستهانة بالأمر، فهذه الأعراض غالباً ما تتطور إلى حبة تعلوها قشرة تتقرح وتلتهب. وهي على الأغلب اللاشمانيا التي ما زالت تتصدر الكثير من الدول ومن ضمنها سورية.

تعرف اللاشمانيا بأسماء متعددة منها حبة حلب وحبة بغداد وحبة الشرق ودمل الشرق وحبة السنة والقرحة المدارية. ومع كل تسمياتها فإن مسببها هو طفيلي وحيد الخلية إجباري التطفل يدعى اللاشمانيا، العامل الناقل له هو حشرة تسمى ذبابة الرمل قطرها لا يتجاوز الـ 3 مم. تتواجد في كل فصول السنة عدا الشتاء، وتنشط ليلاً، وتستقر نهاراً في الشقوق الداخلية لجدران المنازل وفي جحور الحيوانات وفي جذوع الأشجار. وتتنتقل قفزاً من دون أن تصدر صوتاً، وتعمل هذه الذبابة على نقل طفيلي اللاشمانيا عن طريق مصه من دم المصاب سواء كان إنساناً او حيواناً لتنقله إلى دم الشخص التالي، فينتقل له المرض ويزداد الانتشار.

النظافة العامة والشخصية

تشير الدكتورة غالية أبو الشامات مدير مركز الدراسات الوبائية والبيولوجية لطفيليات اللاشمانيا بجامعة دمشق، إلى وجود ثلاثة أنماط لداء اللاشمانيات وهي: داء اللاشمانيا الحشوية (تصيب الأحشاء وتسبب تضخم الكبد والطحال) وداء اللاشمانيا الجلدية (تصيب الجلد والأماكن المكشوفة)، وداء اللاشمانيا الجلدية المخاطية (تسبب آفات جلدية سطحية لا تلبث أن تتطور لتغزو الفم والأنف والبلعوم).

بعوضة مسببة للاشمانيا

وتؤكد الدكتورة غالية في حديثها إلى "البوابة المعرفية" أنه لا يوجد حتى الآن لقاح يُعطى ليمنع حدوث اللاشمانيا، ولكن يمكن تخفيف نسبة الإصابات بشكل كبير إذا تم اتباع الإرشادات المتعلقة بالنظافة العامة والشخصية وتوخي الحذر في المناطق الموبوءة خصوصاً وقت نشاط ذبابة الرمل وهو من الغروب إلى الشروق، لذلك ينبغي ارتداء ملابس ذات أكمام طويلة واستخدام الناموسية عند النوم، وتركيب شبك ناعم على النوافذ، ومنع انتشار القوارض والبعوض وخاصة في حال وجود حظائر الحيوانات، وتمديد شبكات صرف صحي آمنة، ومعالجة البرك والمستنقعات الصغيرة بيئيا، بمعنى كل ما يتعلق بالنظافة.

لا لقاح ولا دواء فعال

تعود مديرة المركز الدكتورة غالية لتؤكد أن هناك عشرات الأبحاث المتعلقة باللاشمانيا، ولكن حتى الآن لا يوجد لقاح على المستوى المحلي أو العالمي. والأهداف الرئيسية التي أحدث المركز من أجلها، هي التصدي لداء اللاشمانيات بشكل كبير، سواء عن طريق العلاج أو إيجاد اللقاح. وهناك دراسات كثيرة أجريت في المركز وتجري حالياً لتحقيق هذه الأهداف. إذ تعتبر سورية من ضمن الدول الثمانية التي تصنف بأنها الأكثر إصابة بهذا الوباء والتي تنتشر فيها هذه الإصابات دون الوصول إلى لقاح وقائي أو دواء فعال حتى هذه اللحظة. وهناك الكثير من الإصابات المنتشرة وهي في حالة ازدياد. الأمر الذي يجعل الهدف الرئيسي للمركز هو الاستمرار في إجراء الأبحاث والدراسات للوصول إلى علاجات جديدة. وخاصة أن الرصد مستمر حتى خلال فترة الحرب على سورية؛ حيث ارتفعت نسب الإصابة وفقاً للإحصائيات التي وصلت إلى المركز بمساعدة منظمة الصحة العالمية وخاصة في منطقة الشمال ومنطقة حماة، فقد تبين وجود قرى بأكملها تنتشر فيها الإصابات. وبالتالي العمل البحثي أمر مهم جداً.

بين الاكتشاف والمكافحة

وترى الدكتورة غالية أن العملية بأكملها هي رصد وعزل ومعالجة، مع ضرورة استكمال وتكثيف الدراسات، فنجاح العلاج يتوقف على مقاومة ومناعة الجسم ومدى اكتشافها بشكل مبكر، كما أن النظافة والوعي هما سبب عدم الانتشار. فقد يهمل الشخص الأعراض التي لديه ويعتقد أنها لدغة عادية مما يساهم في انتشارها بشكل أكبر ويصبح علاجها أكثر صعوبة.

وقد لا يستطيع المريض أن يؤكد أن ما لديه هي لاشمانيا، ولكن بالوعي يجب أن يدرك أن مجرد وجود حبة أو لدغة معينة يجب المراقبة ومراجعة الطبيب، فإذا عُولجت باكراً لا تترك أثراً كبيراً، لكن عدم العلاج يساهم بصعوبة العلاج مع آثار جانبية غير محبذة. وعليه فإن وجد في العائلة شخص مصاب بلدغة هذه الحشرة يجب عليه وضع غطاء رقيق على مكان اللدغة لأنها تجذب الحشرات الأخرى ثم تنتقل العدوى منها إلى شخص آخر.

تطور العمل البحثي

لم تتوقف الدراسات في المركز وهناك خطة لتطوير العمل البحثي في هذا الاتجاه وفقاً للدكتورة غالية، مشيرة إلى وجود عمل بحثي جديد يتم العمل عليه حالياً لدراسة مدى الاستفادة من أحد النباتات الموجودة في سورية في علاج اللاشمانيا في محاولة لاستخلاص المادة الفعالة الموجودة فيها ومعرفة مدى أهميتها في الشفاء والوصول إلى علاج جديد يتم العمل فيه من قبل القائمين على المركز .

وتوضح بأن المركز يحوي على الأجهزة اللازمة لأنواع مختلفة من التجارب والأبحاث، وبالتالي هو يوفر للطلاب بيئة بحثية مناسبة بصرف النظر عن طبيعة الأبحاث، وبالتالي تجري فيها أبحاث على مستوى طفرات ودراسات أنواع السرطان المختلفة. ويوجد في المخبر 19 طالباً وطالبة دكتوراه و64 طالب ماجستير يقدمون أبحاثاً مختلفة وليس فقط في مجال اللاشمانيا.

وتتابع الدكتورة بأن آخر إحصائية حول اللاشمانيا كانت عام 2020 عندما صنفت منظمة الصحة العالمية سورية من الدول الثماني التي لديها أعلى نسب انتشار، وأن جميع الأعمار معرضون للإصابة، ومن الممكن أن تحدث في أي مكان في الجسم، لكون الناقل للمرض هو ذبابة حاملة للطفيلي، فيكون الانتشار مترافقاً مع وجود هذه الذبابة.

رصد ومتابعة

إن نشر الوعي الصحي بين المواطنين وخاصة من سكان الأرياف وغيرها من التجمعات السكانية للتبليغ عن أية إصابة خاصة الأطفال ومعالجتها قبل تقدم الإصابة، هي الطريق الأول في رصد ومتابعة هذا المرض بما يعطي الجهات العامة الصحية تصوراً عملياً حول المرض المذكور، ويمكنها من تحديد الأماكن التي ينتشر فيها المرض، بالإضافة إلى التنسيق مع الجهات المعنية في سبيل تفعيل الدراسات والأبحاث الخاصة بعوامل المعالجة والمكافحة والوصول إلى لقاح. تختتم الدكتورة غالية حديثها فائلة بأن الوقاية الأولية تبدأ من النظافة الشخصية، والحرص عليها يعد عاملاً رئيسياً في الوقاية كما أسلفنا، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج.