يُقال إن أول جراحة حدثت في التاريخ تعود إلى حوالي 6000 عام قبل الميلاد، وقد استمر تطور الجراحة عبر العصور إلى أن حدثت نقطة التحول الفعلية بعد اختراع التخدير واستخدامه في العمليات الجراحية. إذ تعد الجراحة العامة أساساً وأماً لكل الجراحات بعد أن تفرعت منها باقي التخصصات الجراحية. ومع الوقت تحولت هذه الجراحة إلى اختصاص بحد ذاتها؛ حيث تشتمل بشكل أساسي جراحة البطن وجراحة الثدي وجراحة الدرق. إضافة إلى الدور الإسعافي الهام لها وخاصة في الحروب والأزمات.

بيّن اختصاصي الجراحة العامة في مشفى الأسد الجامعي الدكتور فادي الأحمر، أن هذا الاختصاص مستمر في التطور بسبب تقدم التكنولوجيا وظهور الأجهزة الحديثة والتقنيات عالية التطور، ما يحتم على الجراح مواكبة هذا التطور لتقديم أفضل الخدمات الطبية الممكنة للمرضى. تميل الجراحة إلى التنوع، إذ تشمل أنشطة الجرّاح العمل في كل من غرفة العمليات، وقسم الإسعاف ووحدة العناية المركزة. وهو يواجه يومياً حالات تمتد على نطاق واسع يتراوح ما بين الحالات الحرجة التي تتطلب تدخلاً جراحياً إسعافياً بشكل فوري، والعمليات الباردة التي لا تشكل خطراً على حياة المريض ويمكن تحديد موعد لاحق لها.

الحديث حول هذه الجراحة قليل نسبياً، ولكن الواقع الفعلي لها كبير جداً، فاختصاص الجراحة العامة General Surgery أحد أشهر فروع الطب التي يلتحق بها عدد كبير من الأطباء سنوياً، ووفقاً للدكتور الأحمر فإن طبيب الجراحة العامة يختص بتشخيص الأمراض التي تحتاج إلى عمليات جراحية وعلاجها، إلا أن عمل الجراح لا يقتصر على إجراء العمليات الجراحية فحسب، بل ومتابعة حالة المريض ورعايته قبل وأثناء وبعد الجراحة أيضاً.

تطور الجراحة

الأكثر تطوراً

يشير الدكتور فادي إلى أن الجراحة التنظيرية عبارة عن تكنيك جراحي، يتم به إجراء اغلب عمليات الجراحة العامة التقليدية ولكن عبر ثقوب صغيرة بالبطن وليس عبر الجروح التقليدية الكبيرة. وتكمن أهمية هذه الجراحة في كونها تسبب أقل رض ممكن للمريض، وبالتالي تسبب ألماً أخف وبقاء أقل في المشفى وتعطيلاً أقل عن العودة للحياة الاجتماعية والعمل، وبالتالي هي مجدية اقتصادياً على المدى البعيد للمنظومة الصحية. ولفت إلى أن أغلب العمليات التي كانت تقام بالجراحة العامة هي اليوم تجرى بالجراحة التنظرية نتيجة للتطور العلمي والبحثي الكبيرين لأساليب العلاج والأدوات، فلم يعد من المقبول القيام بإجراء استئصال المرارة بالجراحة التقليدية إلا في بعض الحالات الخاصة. ومن أشيع العمليات التنظيرية أيضاً هي استئصال الزائدة الدودية والطحال وآفات الغدة الكظرية وإصلاح الفتق الحجابي وغيرها الكثير، وصولاً إلى استئصال أورام الجهاز الهضمي كاملة تقريباً.

وطبعاً حالياً تعتبر الجراحة الاستقلالية من أهم فروع الجراحة التنظيرية، ويقصد بها عمليات البدانة والتي تعتبر حالياً مرض العصر ومنها قص المعدة وتحويل المسار، والتي بالإضافة الى إنقاص الوزن تفيد كذلك في التخلص من الأمراض المرافقة للبدانة كارتفاع التوتر الشرياني والسكري وأمراض المفاصل التنكسية والمشاكل التنفسية.

جراحة الروبوت

وبشكل تفصيلي أكبر فإن جراحة المنظار هي إجراء عملية جراحية في تجويف في الجسم من خلال ثقوب صغيرة تتراوح ما بين 5 مم و15 مم، يقام من خلالها بإدخال منظار (تلسكوب) وأدوات جراحية خاصة يتم بواسطتها إجراء العملية الجراحية. بعد أن يضخ غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) لتزويد مساحة عمل داخل التجويف المعني، يزود المنظار الرؤية عالية الدقة لداخل التجويف. بعد إنهاء العملية يخرج غاز ثاني أكسيد الكربون من خلال الثقوب المذكورة سابقاً والبواقي القليلة منه يقوم جسم الإنسان بامتصاصها ونقلها عن طريق الدم ليتم طرحها خارج الجسم بواسطة الرئتين.

ولعل من أهم المزايا المتفق عليها من قبل الجراحين حول جراحة المنظار هي: التقليل من الألم الناتج عن الجراحة بالمقارنة مع الجراحة التقليدية التي يكون فيها الجرح أكبر بكثير، تقليل مدة المكوث في المستشفى، السماح للمريض بالعودة إلى عمله ونشاطاته اليومية بشكل أسرع، إعطاء الجراح صورة دقيقة ومكبرة لأعضاء الجسم مما يسهل إجراء التداخل الجراحي ويحسن من النتائج، وخاصة تجنب الندب الكبيرة الناتجة عن الإجراءات التقليدية، حيث تكون مع التداخل بالمناظير صغيرة جداً، وفي معظم الأحيان لا تلاحظ. الحد من نسبة المضاعفات الناتجة كالتهاب الجروح والإلتصاقات داخل البطن (التي قد تؤدي لانسداد الأمعاء لاحقاً).

يبين الدكتور الأحمر أن سورية كانت من البلدان المتابعة للتطور العملي بشكل سريع نسبياً بما يخص الجراحة التنظيرية، حيث أجريت أول عملية لاستئصال المرارة بالمنظار في أمريكا عام 1988وأجريت في سورية بعد أقل من أربع سنوات. لكنها الآن تواجه البعض المعيقات بسبب ارتفاع تكلفة المواد والأدوات والأجهزة اللازمة في ظل تدني الوضع الاقتصادي. الأمر الذي أدى لمراوحة الجراحة التنظيرية مكانها لعدة سنوات ومنعها من مواكبة التطورات المتسارعة في هذا المجال. ما عدا طبعاً بعض الجهود الفردية لعدد محدود من الجراحين. فعلى سبيل المثال إن جراحة الروبوت هي من التقنيات المتقدمة في الجراحة التنظيرية والتي مضى عليها زمن ليس بقليل، ولكن الأوضاع الحالية منعتنا من مواكبتها ونأمل أن تصل إلى بلدنا يوماً ما.