الوقود الأحفوري - الفحم والنفط والغاز - هو إلى حد بعيد أكبر مساهم في تغير المناخ العالمي، إذ يمثل أكثر من 75 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية وحوالي 90 % من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

نظراً لتواجدها في الغلاف الجوي للأرض، فإن انبعاثات غازات الدفيئة تحبس حرارة الشمس. وهذا يؤدي إلى الاحتباس الحراري وتغير المناخ. ترتفع درجة حرارة العالم حالياً بشكل أسرع من أي وقت مضى في التاريخ المسجل. وبمرور الوقت، تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تَغيُّرات في أنماط الطقس واضطرابات في توازن الطبيعة المعتاد. وهو ما يشكل مخاطر عديدة على البشر وجميع أشكال الحياة الأخرى على الأرض.

إن كل ما سبق دفع العلماء في كل مراكز الأبحاث حول العالم للبحث عن حلول بديلة تمكن البشرية من الاستغناء عن الوقود الأحفوري بهدف إنقاذ الكوكب من كارثة تقترب شيئاً فشيئاً. وفي هذا السياق استطاع علماء جامعة كامبريدج الوصول إلى تطوير "أوراق اصطناعية" عائمة تولد وقوداً نظيفاً من أشعة الشمس والماء. ويمكنها في النهاية العمل على نطاق واسع في البحر.

تم تصميم الأجهزة المرنة فائقة النحافة، التي تستلهم آلية عملها من عملية التمثيل الضوئي - العملية التي تحول النباتات من خلالها ضوء الشمس إلى طعام - من قبل باحثين من جامعة كامبريدج. نظراً لأن الأجهزة منخفضة التكلفة والمستقلة هي خفيفة بما يكفي لتطفو، فيمكن عندها استخدامها لتوليد بديل مستدام للبنزين دون شغل مساحة كبيرة على الأرض.

أظهرت الاختبارات الخارجية للأوراق خفيفة الوزن على نهر كام، أنها يمكن أن تحول ضوء الشمس إلى وقود بكفاءة مثل أوراق النبات. نهر كام هو النهر الرئيسي الذي يتدفق عبر كامبريدج في شرق إنجلترا، وقد تم الاختبار بالقرب من مواقع كامبردج الشهيرة بما في ذلك جسر التنهدات ومكتبة ورين ووكنغز كوليدج تشابل.

هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها توليد وقود نظيف على الماء. يأمل العلماء أنه إذا تم توسيع نطاقها، يمكن عندها استخدام هذه الأوراق الاصطناعية في الممرات المائية الملوثة أو في الموانئ أو حتى في البحر، ويمكن أن تساعد في تقليل اعتماد صناعة الشحن العالمية على الوقود الأحفوري. نُشرت نتائج هذا البحث الجديد في مجلة Nature.

نعلم أن تقنيات الطاقة المتجددة، مثل الرياح والطاقة الشمسية أصبحت أرخص بكثير وأكثر توفراً في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، بالنسبة إلى الصناعات والشحن، فإن إزالة الكربون تبقى طلباً أبعد بكثير ومازال تحقيقها يشكل معضلة حقيقية يعمل العلماء على حلها. إذ يتم نقل حوالي 80% من التجارة العالمية بواسطة سفن الشحن التي تعمل بالوقود الأحفوري، ومع ذلك لم يحظ هذا القطاع باهتمام كبير في المناقشات المتعلقة بأزمة المناخ.

لعدة سنوات، عملت مجموعة البروفيسور إروين ريزنر البحثية في كامبريدج على معالجة هذه المشكلة من خلال تطوير حلول مستدامة للبنزين تستند إلى مبادئ التمثيل الضوئي. في عام 2019، طور الفريق ورقة اصطناعية تصنع غاز التخليق من ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون والماء. الغاز المستخدم والمسمى: Syngas هو وسيط رئيسي في إنتاج العديد من المواد الكيميائية والمستحضرات الصيدلانية.

أنتج الأنموذج الأولي السابق الوقود من خلال الجمع بين اثنين من ماصات الضوء مع محفزات مناسبة. ومع ذلك فقد احتاجت هذه العملية استخدام ركائز زجاجية سميكة وطلاءات واقية من الرطوبة، مما جعل الجهاز ضخماً.

قال الدكتور فيرجيل أندريه من قسم الكيمياء في جامعة كامبريدج المؤلف المشارك في البحث: يمكن للأوراق الاصطناعية أن تقلل بشكل كبير من تكلفة إنتاج الوقود المستدام، ولكن نظراً لأنها ثقيلة وهشة على حد سواء، فمن الصعب إنتاجها على نطاق واسع ونقلها.

قال ريزنر الذي قاد البحث: أردنا أن نرى إلى أي مدى يمكننا تقليص حجم المواد التي تستخدمها هذه الأجهزة، مع عدم التأثير على أدائها. إذا تمكنا من تقليم المواد بدرجة كافية بحيث تكون خفيفة بما يكفي لتطفو، فإنها تفتح طرقاً جديدة تماماً لاستخدام هذه الأوراق الاصطناعية.

بالنسبة إلى النسخة الجديدة من الورقة الاصطناعية، استوحى العلماء إلهامهم من صناعة الإلكترونيات. أدت تقنيات التصغير هناك إلى إنشاء هواتف ذكية وشاشات مرنة، مما أحدث ثورة في هذا المجال.

كان التحدي الذي واجه فريق كامبريدج البحثي هو كيفية إيداع ممتصات الضوء على ركائز خفيفة الوزن وحمايتها من تسرب الماء. للتغلب على هذه التحديات، استخدم الباحثون أكاسيد المعادن ذات الأغشية الرقيقة، والمواد المعروفة باسم البيروفسكايت، والتي يمكن تغطيتها على رقائق بلاستيكية ومعدنية مرنة. كانت الأجهزة مغطاة بطبقات كربونية بسمك ميكرومتر ومقاومة للماء تمنع تدهورها بسبب الرطوبة. وكانت النتيجة جهازاً لا يعمل فقط، بل يبدو أيضاً وكأنه ورقة شجر حقيقية.

قال أندريه: توضح هذه الدراسة والتجارب أن الأوراق الاصطناعية متوافقة مع تقنيات التصنيع الحديثة، مما يمثل خطوة مبكرة نحو أتمتة وزيادة إنتاج الوقود الشمسي. تجمع هذه الأوراق بين مزايا معظم تقنيات الوقود الشمسي، لأنها تحقق وزناً منخفضاً لمعلقات المسحوق والأداء العالي للأنظمة السلكية.

أظهرت الاختبارات التي أجريت على الأوراق الاصطناعية الجديدة أنها تستطيع تقسيم الماء إلى هيدروجين وأكسجين، أو تقليل ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى غاز اصطناعي. لكن يجب إجراء تحسينات إضافية قبل أن تصبح هذه التقنية جاهزة للتطبيقات التجارية، يقول العلماء إن هذا التطور سوف يفتح آفاقاً جديدة كاملة في عملهم.

أصبحت مزارع الطاقة الشمسية رائجة في إنتاج الكهرباء؛ قال أندريه: نتصور مزارع مماثلة لإنتاج الوقود. يمكن أن تتواجد هذه المزارع في المستوطنات الساحلية، والجزر النائية، ويمكن أن تغطي البرك الصناعية، وكفائدة إضافية يمكن أن تجنب تبخر المياه من قنوات الري.

قال ريزنر: إن العديد من تقنيات الطاقة المتجددة، بما في ذلك تقنيات الوقود الشمسي، تشغل مساحات كبيرة على الأرض، لذا فإن نقل الإنتاج إلى المياه المفتوحة يعني أن الطاقة النظيفة واستخدام الأراضي لا يتنافسان مع بعضهما البعض بعد الآن. من الناحية النظرية، يمكنك طي هذه الأجهزة ووضعها في أي مكان تقريباً، في أي بلد تقريباً، مما سيساعد أيضاً في أمن الطاقة.

تم دعم البحث جزئياً من قبل مجلس البحوث الأوروبي، وصندوق كامبريدج ترست، وبرنامج وينتون لفيزياء الاستدامة، والأكاديمية الملكية للهندسة، ومجلس أبحاث الهندسة والعلوم الفيزيائية (EPSRC)، وهو جزء من المملكة المتحدة للبحث والابتكار (أوكري).

----

ترجمة عن موقع: Sci Tech Daily