يعتبر مشروع التخرج أهم فرصة لطلاب الجامعات للولوج إلى عالم الابتكار وهو التجربة الفعلية الأولى لهم في محاكاة الحياة العملية والبحث العلمي. ومن المؤكد أن الصناعة وجميع القطاعات الأخرى المتعلقة بنواحي الحياة كافة، لا يمكن أن تتطور إلا عن طريق البحث العلمي. من هنا نجد أن التعليم الهندسي من أهم الركائز لبناء الاقتصاد القائم على المعرفة، ومشاريع التخرج لطلاب الهندسات هي الخطوة العلمية والبحثية الأولى لتلبية هذا التوجه وتحقيق التكامل مع متطلبات سوق العمل.

هناك جوانب عديدة للتعرف على مدى إسهام هذه المشاريع كأوراق بحثية يقوم بها الطلبة الجامعيون في نهاية عامهم الدراسي الأخير في الأقسام والكليات الهندسية، وخاصة كلية الهندسة الكهربائية والميكانيكية، ومدى توافقها مع حاجات المجتمع والتحديات التي يواجهها عملهم البحثي والخطوات الجديدة في عرض هذه الأبحاث في المعارض والتعريف عليها وما يواجهه الطلبة من معوقات.

الدكتور مصطفى الحزوري نائب العميد للشؤون الإدارية والطلابية بكلية الهندسة الكهربائية والميكانيكية، تحدث عما يقارب 600 مشروع تخرج تنتجه الكلية في كل عام دراسي. وهو عدد كبير يحمل بين طياته عشرات الأبحاث الهامة التي يمكن أن تكون نواة لتأسيس أبحاث جديدة ومنتجات جديدة. وهو الأمر الذي دفع إدارة الكلية ومنذ خمس سنوات للقيام بمعرض لهذه المشاريع كفكرة بسيطة يتم تطبيقها ضمن الكلية. وانطلقت بمشاركات للمشاريع التنفيذية والتطبيقية التي يمكن الخروج منها بمنتج. ثم تطورت هذه التجربة عبر السنوات الأخيرة لتصل اليوم في موسمهم الخامس إلى مشاركة حوالي 200 مشروع بحثي تنفيذي لطلاب الهندسات من الجامعات السورية ككل، في حين كان المعرض في بدايته قائماً فقط على مستوى كلية الهمك بدمشق.

تجربة بحثية

آليات الاختيار

وبصفته رئيساً للجنة التنظيمية للمعرض، بيّن الحزوري أن هذا المعرض يقام مع بداية الشهر العاشر من كل عام، وهو خطوة دفعت الطلبة إلى التوجه نحو المشاريع التنفيذية بهدف مشاركتهم في المعرض، إلى أن وصلت الكلية على مدى هذه السنوات الخمس إلى الكثير من المشاريع التطبيقية التي لها أهميتها في الإنتاج وخدمة سوق العمل. ونوه الحزوري إلى أن طرح المشاريع يكون وفقاً لآلية متبعة عن طريق رؤساء الأقسام الذين يطرحون المشاريع تبعاً لمجموعات طلابية صغيرة، بحيث يقدم كل طالبين أو ثلاثة أو أربعة عنوان المشروع الخاص بهم للدكتور المشرف مع بداية العام الدراسي للسنة الأخيرة, ويستمرون بالعمل فيه حتى نهاية العام الدراسي؛ حيث يطلب من كل قسم من الأقسام ترشيح عدد من المشاريع البحثية التي يرونها ذات طابع إنتاجي وتطبيقي، تعرض على اللجنة العلمية المشكلة في الكلية برئاسة النائب العلمي للعميد، ولجنة تخصصية فيها عضو من كل قسم تقوم بانتقاء المشاريع الجيدة التي يمكن عرضها في المعرض. وبعد انتهاء المعرض، تقوم لجنة ثانية بانتقاء الأفضل بينها.

حاضنة تكنولوجية

بهدف دعم المشاريع الطلابية المتميزة، تم إنشاء الحاضنة التكنولوجية برعاية الأمانة العامة للتنمية التي تستقبل المشاريع الإبداعية الناتجة عن المعرض، ويتم تبنيها لعام أو عامين إلى أن تصبح مشروعاً متكاملاً يمكن الاستفادة منه في سوق العمل. ووفقاً للدكتور الحزوري فهناك دائماً دعوات وطلب لهذه المشاريع من قبل أصحاب الفعاليات الاقتصادية من غرف الصناعة ومن قبل الهيئة العامة للبحث العلمي، ومراكز البحوث العلمية في الجامعات. وأشار إلى وجود داعمين حاليين لمشاريع التخرج، إضافة إلى ما تقدمه الحاضنة التكنولوجية، ومنهم: بنك الإبداع. فهناك هيئات قدمت ضمانات للمتابعة مع المعرض وانتقاء مشاريع تناسبهم لتبنيها ومدها بالنواحي المادية.

المشروع الإبداعي

هذا وقد أكد نائب العميد للشؤون الإدارية والطلابية في كلية الهمك بدمشق في معرض رده حول ما إذا كان هناك شراء لمشاريع التخرج الجاهزة من المكتبات من قبل البعض؟ بأن هذه الظاهرة غير موجودة في كلية الهمك، ويمكن أن يكون المشروع مكرراً عن السنوات السابقة، ولكنه يحمل أفكاراً وإضافات جديدة تناسب تطورات الجوانب العلمية والبحثية، وخاصة أن المشاريع المقدمة هي مشاريع علمية واضحة للجميع، وعندما تعرض أمام اللجنة يتبين لها ما هو المشروع، وإن كان يحمل أفكاراً علمية جديدة أم لا.

ولفت الحزوري إلى أن المشروع الإبداعي هو المشروع الذي يحمل فكرة جديدة يستفيد منها المجتمع، يكون بعيداً عن الأفكار التقليدية المشغول عليها سابقاً، والذي يمكن أن يحصل على براءة اختراع ويدخل في الحياة التنفيذية. وعليه هناك الكثير من المشاريع الطلابية التي حصلت على جوائز عالمية، وخاصة التي قام بها بعض طلاب أقسام الهندسة الطبية. وأشار إلى أهمية الاعتماد على الكوادر الشبابية في الفترة الحالية لإعادة الإعمار وضرورة دعم المشاريع المتميزة مادياً للمحافظة على الشباب المبدع لدينا وبقائه في البلد والاستفادة من أفكاره وتميزه بدلاً من هجرته وخسارته.

منافسة بحثية

العمل على المشاريع يحتاج إلى جوانب مادية بالإضافة إلى الجوانب العلمية والبحثية. يوضح نائب العميد لشؤون الطلاب دور الدعم المادي في تبني المشاريع وتطويرها، وفي رفع عدد المشاريع المشاركة في المعارض وفي الحياة العملية وتقديم الأفكار الأكثر أهمية.

وأضاف الدكتور الحزوري إلى المنافسة القوية التي يشهدها معرض المشاريع في العام الحالي على مستوى الجامعات السورية ككل، فقد وصل إلى اللجنة التنظيمية للمعرض من جامعة حلب 22 مشروعاً، ومن جامعة تشرين توجد مشاركة بـ 12 مشروعاً في مجال الهندسة الطبية. وتشارك جامعة حماه بـ 8 مشاريع، بينما تشارك جامعة البعث بـ 14 مشروعاً. إضافة إلى المشاريع الموجودة في الكلية التطبيقية وكلية المعلوماتية وكلية الهندسية الميكانيكية والكهربائية؛ حيث وصل عدد المشاريع التي سوف تشارك في المعرض المقبل إلى ما يقارب الـ 200 مشروع. بينما كان عدد المشاريع المشاركة في العام الماضي بحدود الـ 150 مشروعاً، ما يدل على منافسة كبيرة بين الطلبة في تقديم أفضل ما لديهم من أبحاث وأفكار علمية تتميز من خلال ما ينفذونه على مشاريعهم.