تعد النباتات الطبية وفقاً لتقدير منظمة الصحة العالمية مصدراً للعديد من العلاجات المستخدمة في الطب الشعبي لدى 80% من سكان الدول النامية، كما تعد 25% من الأدوية الحديثة في الولايات المتحدة الأمريكية مشتقة من مصادر نباتية، خاصة بعد أن أثبتت غالبية الدراسات الفعالية الكبيرة للنباتات في إنتاج العديد من المستقلبات الثانوية ذات الخصائص الطبية المتنوعة، وأن التأثيرات الجانبية والآثار السلبية لتناول الأدوية الكيميائية المصنعة أدت إلى انتشار ظاهرة المقاومة الجرثومية المتعددة للصادات الحيوية. الأمر الذي دعا منظمة الصحة العالمية WHO للإعلان عن أهمية العودة إلى العلاج بالنباتات.

رغم حداثة التوجه والاكتشافات العلمية، إلا أن العلماء على مر التاريخ كانوا قد عملوا بالبحث عن هذه النباتات وما هو صالح منها للاستخدام من الناحية الطبية والعلاجية، ومنها الأبحاث المتعلقة بنبتة المردقوش العطرية التي تنتمي إلى مجموعة النعناع وتستخدم في الصناعات الغذائية كنوع من التوابل. وقد كان لهذه النبتة نصيب في دراسات عديدة، وفي كل دراسة منها يصل الباحثون إلى اكتشافات طبية وعلاجية جديدة. الأحدث بين هذه الدراسات هو ما قامت به طالبة الدكتوراه بتخصص الأحياء الدقيقة سارة برلنتي ناصيف، والتي قامت ببحث خاص حول "فعالية خلاصات المردقوش السوري المضادة للمكورات العنقودية الذهبية القادرة على تشكيل الغشاء الحيوي والمعزولة من مرضى إنتان اللوزتين الزمن" وذلك بإشراف الدكتورين حسن حمادي والدكتور عبد العليم بلو.

المردقوش

وفقاً للباحثة ناصيف يعد المردقوش السوري Origanum Syriacum التابع للفصيلة الشفوية Lamiaceae من النباتات الطبية المنتشرة بشكل طبيعي في شرق المتوسط وجنوب أوروبا وغرب آسيا, يزرع لاستخداماته المتعددة الغذائية والطبية. وقد ارتكزت في بحثها على حقائق أثبتتها دراسات أخرى، منها ما أثبتته الدراسة الإيرانية لعام 2017 من فعالية المردقوش السوري المضادة للأكسدة والمضادة للسرطان، والدراسة المصرية لعام 2015 التي أشارت لفعاليته المضادة للجراثيم إيجابية وسالبة الغرام إضافة لفعاليته المضادة للفطريات.

استخلاص نباتي

وقد بينت في الجانب الوصفي لبحثها أن المردقوش هو عبارة عن نوع من النباتات العشبيّة المعمرة والعطريّة، يتبع فصيلة الشفويّة، وينتمي إلى مجموعة النعناع. ويعرف أيضاً بأسماء أخرى منها: المردقوش، وأيضاً المردقوش الكبير. يستخدم مع العديد من الأطعمة، إضافة لاستخداماته الطبية الواسعة. يصل ارتفاع عشبة المردقوش من حوالي ثلاثين سنتيمتراً إلى حوالي ستّين سنتيمتراً، وله ساق صلبة وذات شكل مُضلّع، وتغطّي الساق شعيرات صغيرة جداً ودقيقة، لها لون مائل إلى اللون الأحمر، وورقتها لها شكل شبيه بشكل اللسان، وأمّا أزهارها تكون على شكل مجموعاتٍ مغزليّة، ويأتي بعضها باللون الأحمر الفاتح، والبعض الآخر يكون لونها أبيض مائلاً إلى اللون القرنفليّ، ولها رائحة عطريّة أخاذة وجميلة. وأهم ما يميز هذه النبتة أنك ممكن أن تجدها نامية في الأراضي الحجريّة والحقول الحجريّة، وكذلك في المروج وعلى المنحدرات التي تكون مشمسة، لكونها تنمو بشكل طبيعي في الأجواء الجافّة.

استخدامات طبيّة

للمردقوش استخدامات طبيّة واسعة؛ فهو يحتوي على العديد من المواد المفيدة طبيّاً، ولكن الجدير بالذكر أنّهُ لا بُدّ من الالتزام بالجرعة المناسبة منه، وعدم تخطيها؛ كونه يعتبر سامّاً عند الإفراط باستخدامه، وبحسب الأبحاث المتعلقة بهذا النبات فإن استخداماته الطبية تشتمل عدّة أمور منها: منشّط عام للجسم، وهو أيضاً مفيد للمعدة ولآلامها، وكما أنّهُ يقلّل من الانتفاخ في البطن، ويقلّل من الغازات، وهو يساعد على الهضم وعلى إفراز العصارة الصفراويّة، وكما أنّه مليّن جيّد للمعدة، ويساعد في حالات الطمث؛ فهو مدر له ومنبّه للرحم، ويساعد في تنظيم الدورة الشهريّة وتنظيم الهرمونات، وهو بالتالي يساعد في حالات العقم أيضاً، ويعتبر مضاداً للالتهابات؛ فهو يساعد في علاج الالتهابات الفيروسيّة والمكروبيّة، ويستخدم في علاج ارتفاع ضغط الدّم، وارتفاع مستوى السكّر في الدّم، ويعتبر مسكّناً للآلام ومضاداً للاكتئاب. ولا بُدّ من التنويه إلى أنّهُ لا يجوز الاستغناء عن العلاج الدوائيّ الأساسي وخاصّةً في الحالات المزمنة.

تشير الدكتورة سارة في بحثها إلى أنه من 65% إلى 80% من الإنتانات السريرية المزمنة والناكسة في جميع أنحاء العالم مرتبطة بالأغشية الحيوية؛ حيث تمتلك الجراثيم المشكلة للأغشية الحيوية مقاومة للصادات الحيوية تفوق من عشرة إلى ألف ضعف مقاومة الجراثيم الحرة، وتحتل إنتانات اللوزتين المزمنة المرتبة الأولى لإنتانات الجهاز التنفسي العلوي لدى الأطفال والكبار نتيجة للاستعمار الجرثومي. وعليه فإن تكرار الإنتان من خمس إلى سبع مرات متتالية خلال عامين أو ثلاثة أعوام يستدعي استئصال اللوزتين تفادياً للمضاعفات الناتجة عن الإنتانات. ويعتبر تشكل الفضاء الحيوي Biofilm ضمن أنسجة اللوزتين، ضمن الأهمية لعلاج إنتان اللوزتين المزمن والناكس. كما أشارت الدراسة إلى أن جراثيم المكورات العنقودي الذهبية هي الأكثر ظهوراً في عينات إنتان اللوزتين المزمن.

بديل في علاج الإنتان

تكمن أهمية البحث في محاولة الحصول على بدائل نباتية لعلاج إنتان اللوزتين المزمن وخاصة أن الناس تتميز بآثار سلبية أقل مقارنة بالصادات الحيوية، التي أدى استخدامها بشكل عشوائي وغير مرشد إلى ظهور سلالات جرثومية من المكورات العنقودية الذهبية قادرة على تشكيل الغشاء الحيوي ومقاومة الصادات الحيوية. تقول الدكتورة سارة ناصيف إن الهدف الأساسي من البحث هو دراسة فعالية نبات المردقوش السوري لجراثيم المرات العنقودية الذهبية القادرة على تشكيل الغشاء الحيوي والمعزولة من مرضى موصى باستطبابات جراحية لاستئصال اللوزتين لديهم، ومقارنة فعالية الزيت العطري للمردقوش السوري بخلاصتيه الميثانولية والهكسانية. وكذلك بهدف تحديد التركيز المثبط الأصغري MIC للجراثيم والتركيز المثبط BIC للجراثيم القادرة على تشكيل الغشاء الحيوي.

أكثر فعالية

بالنسبة إلى تفاصيل البحث والنتائج التي حصلت عليها الباحثة فقد أشارت إلى أنه تم الحصول على 41 عزلة جرثومية لجراثيم المكورات العنقودية الذهبية المأخوذة من 105 عينات مأخوذة من مرضى استئصال اللوزتين وذلك بنسبة 39%. وأبدت جميع العزلات مقاومة بنسبة 100% لصاد Ampicillin, Penicillin,oxacillin, cefexime, cephalothin, cefpodoxime , وبنسبة 97% لصاد Amoxicillin, وبنسبة 73% لصاد Augmentin, أما بالنسبة إلى صاد Methicillin وVancomycin كانت العزلات حساسة بنسبة 46.43% للأول و92.68% للثاني.

واللافت أن هذه النتائج كانت مذهلة فقد ظهرت 40 عزلة من أصل 41 عزلة قادرة على تشكيل الغشاء الحيوي، وكانت أعلاها قدرة على تشكيل الغشاء الحيوي 11 عزلة آو 13 عزلة وذلك وفق طريقتين من طرق الكشف عن القدرة على تشكل الغشاء الحيوي. وكانت فعالية الزيت العطري للمردقوش السوري أعلى من فعالية خلاصتيه الميتانولية والهكسانية، إضافة إلى أن التركيز المثبط للجراثيم الحرة mic والمثبط للقدرة على تشكيل الغشاء الحيوي Bic للزيت العطري أقل من خلاصتيه. ولدى مقارنة فعالية الزيت العطري وخلاصتيه مع فعالية أقراص الصادات الحيوية المعيارية أعلى، تبين أن المردقوش السوري بفعاليته المثبطة لتشكل الغشاء الحيوي يعد نباتاً طبيباً واعداً للمزيد من الدراسات السريرية ذات الأهمية الطبية مما جعله محطة اهتمام هذه الدراسة الحالية ودراسات لاحقة للحصول على بديل واعد للصادات الحيوية العالمية بآثار جانبية أقل بكثير من الصادات الحيوية المعرفة، وهو بذلك يشكل ثروة طبية كبيرة.