نظراً للتنوع الحيوي النباتي الكبير الذي تمتلكه سورية، وإنتاجها للكثير من الأنواع والأصول النباتية العطرية والطبية، تظهر بوادر الاتجاه نحو الاستثمار الأخضر للاستفادة من هذا الكنز الذي يزداد الطلب عليه ويشكل قيمة طبية واقتصادية هامة. إلا أن هذه القيمة لا يمكن الاستفادة منها، إلا من خلال دراستها والتعرف على البصمة الوراثية الخاصة لكل منها.

لدينا الكثير من الأبحاث التي تخرج من الجامعات الحكومية حول النباتات العطرية، إلا أنه لا يوجد بنك لهذه الأبحاث يساعد الباحثين في الاستفادة من الدراسات السابقة والتعرف عليها، وهذا يعني أن غالبية هذه الأبحاث بقيت مختبئة في المكاتب أو كان مصيرها الإهمال. بهذا الإطار تناول عدد من الباحثين والمهتمين بشأن النباتات العطرية والطبية هذا الجانب البحثي. الذي يبدو مشتتاً وغير منظم، خاصة وأن غالبية الأبحاث غير معلنة للناس، ولا يستفيد منها أي باحث أو طالب دراسات عليا لمتابعة بحثه، وبالتالي فهناك دائماً بداية من الصفر.

تحدث الدكتور مجد الجمالي رئيس الهيئة العليا للبحث العلمي عن 66 مشروعاً بحثياً وصلوا إلى الهيئة بخصوص النباتات الطبية والعطرية، أغلبها من قبل طلاب الدراسات العليا. وبعد التقييم تم الخروج بأفضل 20 بحثاً علمياً. وأكد على أهمية تطوير الأبحاث الموجودة من خلال التشبيك والتعاون مع المراكز البحثية في الوزارات والهيئات التقانية، فمن المهم إنهاء البحوث التي بين أيدي الباحثين إلى النهاية، لكي نصل بها إلى مرحلة التطبيق والممارسة للوصول إلى المنتج النهائي بإخراج المواد التي يمكن الاستفادة منها، وفقاً للمواصفات العالمية وليس المحلية فقط. وأشار إلى أهمية ما يريده المستثمر من أبحاث، وما هي لائحة المشكلات التي تواجه هذا القطاع ونقلها إلى المعنيين.

الدكتورة ماجدة مفلح

بينت الدكتورة ماجدة مفلح رئيس هيئة البحوث الزراعية في وزارة الزراعة أن الفكرة المهمة التي يجب التركيز عليها من قبل الباحثين في مجال النباتات الطبية والعطرية، هي وجود خارطة بحثية في سورية تضم كل الأنواع والأصناف ومناطق تواجها. إذ إن آخر خارطة في سورية حول النباتات الطبية والعطرية كانت بتاريخ 1983 وعليه لا بد من متابعة هذا الأمر مع الجهات المعنية. وتم التواصل مع جامعة تشرين ومركز بحوث اللاذقية وأخذ الواقع المناخي وتحديد أهم أنواع الأغطية النباتية من النباتات الطبية والورقية على مستوى المحافظة بهدف إصدار أطلس لهذه النباتات، وقد يكون ذلك في القريب العاجل.

وأكدت مفلح على تعميم هذه العملية في المحافظات أو المناطق الأخرى، كذلك كانت هناك بحوث حول النباتات المهددة بالانقراض، وعليه عمدت هيئة البحوث خلال السنوات الست الأخيرة إلى إنشاء ستة مجمعات وراثية في طرطوس واللاذقية والسلمية وحماة والسويداء، وتم جمع أهم الأنواع النباتية الطبية والعطرية وتحديد ما هو مهدد بالانقراض. كما تم إجراء العديد من الأبحاث حول النباتات المهمة ذات الميزة النسبية بدءاً من الزراعة وانتهاء بالإنتاج. وأشارت إلى أن الحلقة الضعيفة في البحث العلمي هي معاملات ما بعد الحصاد، كونها الخطوة الأساسية في هذا الاتجاه. وهذا يعني أن الأبحاث في الفترة القادمة ستركز على هذه المعاملات التي يعتمد عليها المنتج النهائي للنبات.

مدير الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة المهندس أحمد حيدر بيّن أن النباتات الطبية تقسم إلى أكثر من محور، أحدها المزروع الذي تتم متابعته والتخطيط له ضمن الخطة الإنتاجية الزراعية للمحاصيل الخمسة الرئيسية للنباتات الطبية والعطرية وهي اليانسون والكمون والكزبرة وحبة البركة والشمرة، إضافة إلى الاهتمام بالنباتات الطبية والعطرية الموجودة ضمن الفلورا الطبيعية السورية في المناطق الحراجية والبادية والمروج والمراعي. وهنا تكمن أهمية أن تلتقي آراء الباحثين والعاملين في مجال النباتات الطبية للاستفادة مما هو موجود منها وعدم هدرها ضمن الفلورا السوية أو بتحقيق القيمة المضافة بعدم بيعها أو تصديرها بشكل خام وإعطائها قيمة فعلية تجعل منها مورداً إضافياً جديداً لخزينة الدولة.

ومن باب الاستئناس بالواقع الفعلي لهذه النبتات، أشار حيدر إلى أن الخطة الإنتاجية الخاصة بإنتاج المحاصيل الطبية والعطرية شغلت في السنة الماضية 61 ألف هكتار، وقد توسعت هذا العام لتصل إلى 68 ألف هكتار بنسبة تنفيذ 109 بالمائة، وذلك نتيجة توجه الفلاحين إلى زراعة النباتات الطبية نظراً لانخفاض تكلفة زراعتها وريعها الكبير. ولفت إلى أن سورية تذخر بالعديد من النباتات الطبية والعطرية والتي يمكن استثمارها بشكل اقتصادي وتنموي وتحقق قيمة مضافة عالية في مجال الأدوية والصناعة الغذائية وتوفر فرص عمل كبيرة لسكان الريف، فهي تشكل نواة تنمية في المناطق الريفية، كونها تحوي حيازات زراعية صغيرة غير مستثمرة. ويوجد الكثير من نتائج البحوث العلمية الزراعية وكذلك الأبحاث الموجودة لدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ومجموعة بحوث لدى القطاع الخاص التي تخدم هذا الجانب في حال وضعت استراتيجية واضحة لربط حلقات تنظيم الإنتاج والتسويق والبحث العلمي المتركز على استخلاص المواد الفعالة، مما يحقق ثروة كبيرة تعود بالفائدة على الجميع.

يبدو أن البحث في تفاصيل واقع النباتات الطبية والعطرية في سورية يشير إلى فراغ علمي ومعرفي بين ما هو موجود من أنواع وأصناف، وبين الواقع الإنتاجي وغياب الجوانب التطبيقية. وعليه يرى عدد من الباحثين الزراعيين أهمية التشبيك بين مكونات القطاع الزراعي من الجانب البحثي والجانب الفعلي للإنتاج، لإيجاد آلية للشراكة وإعداد البحوث العلمية التي تتناسب مع حاجات السوق لهذه المنتجات، والوصول من خلال الجلسات الحوارية إلى خلق أفكار لحل جميع المشاكل وتطوير هذا المكون الغني من مكونات القطاع الزراعي، وخاصة أن جبالنا وسهولنا السورية تحتضن أكثر من 3300 منتج نباتي طبي وعطري بتصنيفات مختلفة، منها ما يستفاد من جذورها، ومنها ما يستفاد من أوراقها أو زهرتها أو ساقها، ومنها ما يدخل في الصناعات والاستثمارات الغذائية والدوائية.