أعجوبة لمرة واحدة: تبحث إحدى الدراسات في سبب صعوبة الحفاظ على الإبداع. الإبداع هو الإتيان بجديد أو إعادة تقديم القديم بصورة جديدة أو غريبة. التعامل مع الأشياء المألوفة بطريقة غير مألوفة. القدرة على تكوين وإنشاء شيء جديد، أو دمج الآراء القديمة أو الجديدة في صورة جديدة، أو استعمال الخيال لتطوير وتكييف الآراء حتى تشبع الحاجيات بطريقة جديدة أو عمل شيء جديد ملموس أو غير ملموس بطريقة أو بأخرى.

ما الذي يربط كل من آيفون وبوست نوت وشحن برايم لمدة يومين. تشترك الابتكارات الأكثر شيوعاً، والتي تتراوح من الأدوات الفريدة إلى الأفكار التجارية الرائدة، في شيء واحد: إنه الإبداع. ومع ذلك، قد يكون الحفاظ على الإبداع أمراً صعباً.

كشفت دراسة حديثة من جامعة واشنطن في كلية أولين للأعمال في سانت لويس، والتي نُشرت في مجلة علم النفس التطبيقي، عن عامل واحد قد يفسر لماذا يجد بعض المبدعين لأول مرة صعوبة في تكرار أعمالهم الإبداعية الأولية، بينما يستمر الآخرون في إنتاج أعمال إبداعية مرة ثانية وثالثة.

وجد كل من ماركوس باير، أستاذ كلية أولين للسلوك التنظيمي، وديرك ديشمان، الباحث في مدرسة روتردام للإدارة في هولندا، وجدا أن مكافأة المبدعين لأول مرة بأفكار جديدة بجوائز أو أشكال أخرى من التقدير، يمكن أن تقلل بشكل كبير من احتمالية إنتاجهم لعمل إبداعي ثانٍ في المستقبل.

قال باير: "وجدنا في دراستنا أن الأشخاص الذين يطورون أفكاراً جديدة ويحصلون على مكافآت كبيرة وتقدير مميز، يبدؤون في رؤية أنفسهم في المقام الأول على أنهم "أشخاص مبدعون".

هذه الهوية المكتشفة حديثاً، وهي خاصة ونادرة، تحتاج الآن إلى الحماية بشكل أساسي، بمجرد أن يصبح الشخص في دائرة الضوء الإبداعي، فإن الخروج منه - من خلال إنتاج فكرة جديدة مخيبة للآمال أو باهتة مقارنة بالعمل السابق - يمثل تهديداً ويجب تجنبه. إحدى طرق القيام بذلك، هي التوقف عن الإنتاج تماماً، إذ لا يمكنك المساومة على هويتك وسمعتك عندما لا تقدم أي شيء جديد.

بعبارة أخرى، الخوف من الفشل في المرة الثانية يمكن أن يدفع المنتجين الذين حظوا بتقدير المجتمع إلى تجنب المخاطرة التي قد تهدد هويتهم الإبداعية.

قال باير: تعتبر الكاتبة "هاربر لي" مثالاً ممتازاً لهذه الظاهرة حيث أن كتابها الأول "To Kill a Mockingbird" هو إحدى الروايات الأمريكية الأكثر مبيعاً والأكثر شهرة على الإطلاق، ومع ذلك فهي لم تنشر مرة أخرى إلا بعد 55 عاماً. ويعتبر كتابها الثاني "Go Set a Watchman" الذي كتب في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، مسودة أولى لأعجوبة أسطورية واحدة.

حول البحث

أجرى باير ودايشمان في البداية دراسة أرشيفية لـ 224 كاتباً بريطانياً كتبوا لأول مرة في كتب الطبخ من أجل دراسة تأثير الحصول على جائزة أو تقدير على المنتجين لأول مرة، نظراً لأن كتب الطبخ هي أعمال إبداعية نابعة عن شغف وحب. يدعي مؤلفو الدراسة أن صناعة كتب الطبخ هي السياق المثالي لدراسة الإبداع المستدام. وقد وجد الباحثان أن ما يزيد قليلاً عن نصف كتّاب الطبخ لأول مرة، وفقاً لعينتهم، ذهبوا لنشر كتاب ثانٍ. ومن المثير للدهشة أنهم لاحظوا أنه كلما كان كتاب الطبخ الأول فريداً من نوعه، قلّ احتمال أن يكتب المؤلف كتاب طبخ ثانياً.

بعد ذلك أجرى باير ودايشمان تجربة مع طلاب كلية إدارة الأعمال؛ حيث طُلب من المشاركين تطوير مفهوم لكتاب طبخ محتمل. تم إخبار نصف المشاركين أن فكرتهم كانت "أصلية للغاية وجديدة"، بينما قيل للنصف الآخر إن فكرتهم "صلبة للغاية وتقليدية". كما تم إخبار مجموعة فرعية من المشاركين أن أفكارهم كانت "من بين الأفكار التي من المرجح أن تصنع رواجاً كبيراً في مجتمع الطعام".

أخيراً كان لدى المشاركين خيار تطوير مفهوم كتاب طبخ ثانٍ أو البناء على فكرتهم الأصلية بخطة تسويقية. أظهرت التجربة أنه عندما ينتج الناس فكرة جديدة للغاية وحائزة على جوائز مباشرة وخارج السياق، فمن غير المرجح أن ينتجوا فكرة جديدة ثانية.

اعتمدت التجربة الثانية على النسخة الأصلية، وسمحت للمؤلفين بتحديد الآليات النفسية في اللعب بدقة أكبر. في الدراستين التجريبيتين، كانت النسبة المئوية للمنتجين لأول مرة الذين قرروا تطوير فكرة ثانية، مقابل استغلال الفكرة الأولى، هي 21 و 34 على التوالي.

وخلص المؤلفون إلى أن "المشاركين واجهوا تهديداً أكبر لهويتهم الإبداعية عندما واجه منتجو الأعمال الجديدة الحائزة على جوائز، إمكانية الاستمرار في رحلتهم الإبداعية، من خلال الاضطرار إلى إنتاج عمل أصلي مرة أخرى".

كيفية إدراك المديرين للإبداع

من المرجح أن يزدهر الإبداع في البيئات التي يكون فيها المنتجون مدفوعين أساساً بالتحدي ومعنى العمل نفسه - أي المشكلة التي يحاولون حلها - ولديهم بعض المهارات الخاصة بالإبداع، مثل ربط الأفكار من مختلف المعارف أو دمجها في مختلف المجالات كما يقول باير.

ركزت الأبحاث السابقة على فوائد الجوائز، لكن باير ودايشمان وجدا أن الفوز بجائزة يمكن، للمفارقة، أن يخفف من إبداع المنتجين، لأنه يقدم طبقة إضافية من الضغط على البيئة الإبداعية.

قال: "الجوائز سيئة فقط للأشخاص الذين ينتجون أشياء جديدة، لأنها تجعل الهوية الإبداعية لهؤلاء الأشخاص بارزة، ما يجعلهم يشعرون بالتهديد من احتمالية المساس بهذه الهوية من خلال عمل متواضع ما في المستقبل".

عرض باير الاستراتيجيات التالية لتجنب الآثار السلبية المحتملة للجوائز واستخدامها بدلاً من ذلك لتشجيع الإبداع:

-التأكد من أن المكافآت والتقدير لا يتم تقديمها فقط لنتائج العملية الإبداعية - منتج جديد - ولكن أيضاً لعملية تطوير النتيجة، على سبيل المثال: هل طعنا في الافتراضات الرئيسية؟ هل اختبرنا أنموذجنا الأولي بشكل صحيح؟

-على القائمين على متابعة الإبداع أن يكافئوا كل من النجاح والتعلم من الفشل. ما يصبح نجاحاً من الصعب التنبؤ به، وغالباً ما يستلزم قدراً لا بأس به من الحظ. وبالتالي، غالباً ما يكون النجاح والفشل قريبين من بعضهما البعض. يمكن أن يكون التعلم من الفشل مفيداً للغاية ويجب تشجيعه.

-لا تمجد شخصاً حقق نجاحاً إبداعياً واحداً من خلال تقديم مكافأة ضخمة. إذا كنت تريد تمجيد الناس، احتفل بأولئك الذين يمكنهم إنتاج أعمال إبداعية بشكل متكرر.

----

بقلم: ديرك ديشمان وماركوس باير

ترجمة عن موقع: Sci Tech Daily