شكل علم النباتات صورة حية من صور الحياة التي ارتبطت مع الإنسان، فكان له مكانته في الطب الشعبي والاستخدامات اليومية للناس. ومع تطور الوسائل الحديثة وتغير المفاهيم حول البنية الكيميائية لكل نبات وما يحتويه من خلاصات ومواد فعالة، أصبحت فرصة هيمنته على صناعة الدواء أكثر أهمية مع ضرورة المحافظة على استدامة هذه النباتات فهناك مستقبل مشرق للنباتات الطبية.

تحدث الدكتور يوسف نور الدين العموري، رئيس مخبر التقانات الحيوية للنباتات الطبية في الهيئة العامة للتقانات الحيوية ومدرس في الجامعة السورية الخاصة، عن مستقبل النباتات الطبية قائلاً: إن النباتات الطبية تشكل مورداً هاماً للدخل القومي كجزء لا غنى عنه في الصناعات الدوائية كمصدر للمادة الفعالة فارماكولوجيا بعد عزلها وفصلها وتنقيتها. حيث تقدر نسبة النباتات الطبية والعطرية التي تدخل في صناعة الأدوية على المستوى العالمي حوالي30%. ولكن الاعتماد على زراعة النباتات الطبية كمصدر للمواد البيولوجية الفعالة فقط، أدى إلى تدهور هذه النباتات وإدراجها في قائمة النباتات الحمراء، ما حذا بنا للبحث عن طرق تحفظ هذه النباتات من التدهور والانقراض وتضمن لنا الحصول على المواد بالكميات المطلوبة، وخاصة تلك النباتات التي ليس لموادها البيولوجية الفعالة بديلاً كيميائياً.

الحل الأمثل

وفي حديثه للبوابة المعرفية أكد العموري على دور التقانات الحيوية في رفد الصناعة الدوائية بالمواد البيولوجية الفعالة الضرورية ذات المنشأ النباتي، حيث تعد تقانات زراعة الأنسجة نظماً بديلة للطرق التقليدية المعروفة سابقاً للحصول على المواد البيولوجية الفعالة من النبات. وقد أوجدت زراعة النباتات الطبية باستخدام التقانات الحيوية الحل للكثير من المشاكل على المستوى الزراعي والصناعي والدوائي. وعليه كانت أهم الغايات المحققة باستخدام هذه التقانات هي التخلص من تحكم عامل الوقت لإنتاج الشتول والنوعية الجيدة واستخدام الأصناف ذات المواصفات الجيدة. وكذلك زيادة إنتاجية بعض المحاصيل الصناعية الطبية كاليانسون وبعض نباتات التوابل وخاصة تلك المعدة للتصدير. وعلى المستوى الدوائي تم تأمين المادة النباتية على مدار العام في حال استخدام النبات بشكل مسحوق معبأ في كبسول كنبات الخلة. إضافة إلى تأمين المادة الدوائية الفعالة التي مصدرها النباتات فقط والاستفادة من النباتات غير المتوطنة في البيئة السورية.

الدكتور يوسف نور الدين العموري

أبحاث جارية

وفي مخبر التقانات الحيوية للنباتات الطبية في الهيئة العامة للتقانة الحيوية، هناك العديد من الأبحاث الجارية على عدة نباتات طبية دستورية ذات قيمة دوائية عالية بهدف الحصول على سلالات خلوية من كالوس هذه النباتات تحتوي على تراكيز جديدة من المواد البيولوجية الفعالة التي يمكن عزلها وتنقيتها لإمداد الصناعة الدوائية بها. ومن أهم الأبحاث المنفذة والتي تحدث عنها الدكتور العموري رئيس المخبر هي: إنتاج قلويدات التروبان من نبات البنج الذهبي ومن أهمها الهيوسيامين والهيوسين (السكوبولامين) إضافة إلى التروبين والمستخدمة طبياً كشالة للجملة العصبية نظيرة الودية، ومسكنة للجملة العصبية المركزية. حيث تدخل في تركيب طيف واسع من الأدوية مثل (شراب أطفال مضاد للمغص) ولصاقات لعلاج داء باركنسون ولمعالجة الربو والسعال الديكي، وكذلك قطرة أتروبين العينية المستخدمة أثناء الفحص الطبي للعيون وغيرها الكثير. لافتاً إلى أنه تمت دراسة التنوع الحيوي للنبات بداية في مناطق انتشاره في البيئة السورية، وتم تأسيس المزارع النسيجية للنبات، ومن ثم استحداث المزارع الخلوية للحصول على السلالات الخلوية المنتجة لقلويدات التروبان.

وأشار رئيس القسم إلى أبحاث متعلقة بإنتاج الجليكوزيدات القلبية من نبات الديجيتال الأرجواني مثل الديجوكسين والديجيتوكسين المستخدمة في علاج القصور القلبي الاحتقاني، وقد وافقت عليه إدارة الدواء والغذاء الأمريكية FDA عام 1990 كعلاج لفشل القلب وفي علاج الرجفان الأذيني. علماً أن نبات الديجيتالس غير مستوطن في البيئة السورية، بل تعد أوروبا الوسطى موطنه الأصلي، وقد تم إكثاره مخبرياً والحصول على سلالات خلوية منتجة لهذه الجليكوزيدات.

علاجات مستجدة

والبحث الثالث الذي ذكره لنا العموري يتعلق بإنتاج قلويدات الإندول من نبات الفنكا، ومن أهمها الفنبلاستين والفنكريستين المستعملان في علاج كثير من أنواع السرطانات لا سيما سرطان الدم عند الأطفال (اللوكيميا) والتي تدخل في تركيب طيف واسع من الأدوية السرطانية مثل oncovin وmarqibo و cytoblastin حيث تمت دراسة نبات الفنكا من الناحية الكيميائية والخلوية والجزيئية. حيث تم الحصول على بذور هذا النبات ومن مصدر خارجي بهدف المقارنة والموثوقية العلمية، وتم إكثاره نسيجياً، وأسست المزارع الخلوية (الكالوس) لهذا النبات وتم الحصول على نتائج مرضية وهامة.

هذا وبحسب رئيس المخبر فإن العمل البحثي مازال جارياً في مخبر التقانات الحيوية للنباتات الطبية على عزل هذه المواد البيولوجية الفعالة وتنقيتها، كما تتم دراسة نباتات جديدة تتمتع بأهمية طبية دستورية كنبات السليين ونبات الخلة البلدي ونبتة الحلبة السورية.