بعد أن سجلت سورية بين عامي 2008 و2009 آخر موجات تفشي مرض الكوليرا في محافظتي دير الزور والرقة. يعود هذا الوباء اليوم ليسجل قفزات بأعداد المصابين خلال الأشهر الأخيرة ليصل إلى مستويات مقلقة. بعد أن كان الهامش العددي لا يتعدى أصابع اليد، فإن الإصابات اليوم تصل إلى العشرات. ما هي الكوليرا أو ما يطلق عليها علميا الهيضة، وما سبب هذه العودة المشؤومة، وكيف يكون التشخيص وما هو العلاج؟

جوانب ملحة وخاصة أن مناطق الانتشار اختارت ضفاف نهر الفرات الذي تغنى به الشعراء وكان رمزاً للحياة والعطاء، لتتحول اليوم هذه الصورة المشرقة للفرات لدى ساكني المنطقة إلى مصدر للخوف والقلق. وفي الواقع فإن أزمة المياه الحادة التي تشهدها هذه المناطق اليوم، دفعت الكثير من المواطنين للاعتماد على مياه شرب غير الآمنة، وبالأخص من نهر الفرات الذي أثبتت التحاليل النهائية للعينات المأخوذة من النهر وجود (ضمات الكوليرا فيه)، ورغم ذلك يؤكد الدكتور وحيد رجب بك أستاذ الأمراض الهضمية بكلية الطب بجامعة دمشق، أن الكوليرا في سورية لم تصل إلى مرحلة الجائحة، والأعداد المثبتة بالاختبار السريع التي وصلت إليها الإصابات هي تحت السيطرة، والتي يبلغ عددها الإجمالي 201 حالة، بينما بلغ إجمالي الوفيات 14 حالة لغاية التاسع عشر من شهر أيلول. موضحاً أن المرض ليس معدياً وعلاجه مرتبط بتعويض السوائل والشوارد وتناول المضادات الحيوية، حيث إن معظم الحالات تشفى باستخدام أملاح الإماهة التي تفيد في تعويض نقص الإماهة المشاهدة عند المرضى.

العلاج بالسوائل

وفيما يخص النواحي التشخيصية والعلمية والمعرفية المتعلقة بالكوليرا، فقد بين الدكتور عصام الأمين مدير عام الهيئة العامة لمشفى المواساة بدمشق أن الكوليرا عبارة عن مرض جرثومي ينتقل بشكل أساسي عن طريق الطعام والمياه الملوثة. وفي أغلب الحالات تكون الأعراض خفيفة الشدة، وهناك 10% من الحالات تكون الأعراض فيها شديدة جداً. وتكون السيلانات المائية غزيرة جداً؛ هذه السيلانات تُشبه بماء الرز نتيجة للونها الفاتح، وعندما تكون شديدة قد تؤدي إلى اضطرب في شوارد الدم وقد تؤدي إلى جفاف شديد وقصور كلوي وانخفاض في الضغط. وعليه قد يدخل المريض في صدمة تسمى نقص الحجم، نتيجة لفقدان السوائل وهناك حالات قليلة تحدث فيها الوفيات إذا لم تعالج المشكلة بالسرعة الممكنة عن طريق إعطاء السوائل للمريض.

الكوليرا الدكتور عصام الأمين

هذا وقد ذكرت بعض المصادر الطبية أنه من أهم الأمور التي يجب معرفتها: أنه في حال عدم التعويض بالسوائل يموت حوالي نصف الأشخاص المصابين بالكوليرا. لكن تنخفض الوفيات إلى أقل من 1% بالعلاج. وهناك سوائل وريدية تعطى للأشخاص المصابين بالجفاف الشديد، بينما المضادات الحيوية تعتبر مهمة لكونها تقصر من استمرار المرض لدى الأشخاص المصابين. في حين أثبتت الأبحاث ضرورة إعطاء الزنك للمريض لكونه يحد من الإسهال ويقصر من فترة إصابة الكوليرا وخاصة لدى الأطفال.

الترصد الوبائي

الوقاية الأساسية من الإصابة بحسب الدكتور الأمين، تكون عن طريق الاهتمام بالطعام وغسيل الفواكه والخضار بشكل جيد واستخدام المعقمات وخصوصاً البوتاسيوم الممدد. والحصول على مياه الشرب من المصادر الموثوقة، أو غلي المياه قبل الشرب في حال كان المصدر غير آمن، وهذا كفيل بالقضاء على الجرثومة. موضحاً أن الموضوع المهم بالنسبة إلى الكوليرا هو الترصد للحالات المشتبهة، وهناك ضرورة التثقيف والإعلام للمواطنين بضرورة مراجعة المشافي في حال الاشتباه من أجل التشخيص الأساسي للمرض والذي يتم عبر زرع البراز وبعض الفحوصات التي تحدد وجود الكوليرا كجرثومة ويحدد نوعيها، إذ إن هناك نوعين من الجراثيم هي o1 و o39 ولكن معظم الإصابات هي o1 مبيناً أن أهم نقطة في العلاج هي تناول السوائل وبعض المضادات الحيوية وأن يتم ذلك في المشافي.

لقاح علاجي

الجديد في موضوع الكوليرا هو أن منظمة الصحة العالمية طورت ثلاث لقاحات تعطى عن طريق الفم وتغطي كل أنواع الكوليرا، ولكن المنظمة لا تفضل إعطاء اللقاح إلا في الأماكن التي يستوطن فيها الوباء. أي لا يعطى بشكل روتيني للوقاية بل للأشخاص المتواجدين في الأماكن التي يستوطن فيها المرض مثل الهند واليمن.

وأكد مدير مشفى المواساة بأن المشفى لم يسجل أي حالة مشتبه للكوليرا، وأنه عند ظهور أي حالة سيتم إبلاغ مديرية الأمراض السارية في وزارة الصحة وإرسال العينات لهم ليتم التشخيص المؤكد للحالة، لافتاً إلى أنه لا داعي للخوف وخاصة أن الوقاية في هذه الحالات هي الأهم.

وبحسب النشرات الصحية التي تصدرها وزارة الصحة، فإن الأولوية القصوى في الوقت الراهن هي وقف انتشار هذا المرض الفتاك من خلال الاستمرار في دعم فرق الاستجابة السريعة، وتوسيع نطاق الترصد والاختبار وتتبع المخالطين، مع تعزيز الوعي في المجتمعات المتضررة والمعرضة للخطر حول سبل الوقاية.