برع العلماء العرب في ميدان علم الفيزياء، وتركوا مآثر أنارت سبيل التقدم العلمي في هذا المجال. أما أهم ما قدموه فهو المنهج العلمي التجريبي الذي اقتبسه الأوروبيون منهم خلال قرون طويلة، وبنوا عليه الكثير من صروح العلوم الحديثة.

بدأ العرب نشاطهم الفكري بدراسة ما توصلت إليه الحضارات السابقة على أثر الفتح العربي, وقد ازدهرت حركة الترجمة عن اليونانية والسريانية والفارسية, ونقلت إلى العربية أمّهات الكتب, خاصة الإغريقية. وأهم من تناول هذا العلم من الإغريق هم: أفلاطون, أرسطو, أرخميدس، والأخير له الفضل في اكتشاف مبدأ الرافعة أو العتلة ودراسة الأجسام الطافية في الماء.

وعن علاقة العلماء العرب بعلم الفيزياء، تقول الدكتورة بثينة جلخي نائبة مدير معهد التراث العلمي في جامعة حلب: "تناول العلماء العرب دراسة ما يعرف اليوم بالطبيعيات أو علم الفيزياء ضمن ما أسموه بالعلم الطبيعي وعلوم التعاليم، ولقد اتّبعوا تصنيفاً معيناً له مثل تصنيف إخوان الصفا في القرن التاسع الميلادي وتصنيف الفارابي في القرن العاشر الميلادي في كتابه "إحصاء العلوم"، وتصنيف الغزالي الذي عرف العلم الطبيعي في كتابه "معيار العلم" فقال: "لكل علم موضوع, وموضوع العلم الملقّب بالطبيعي جسم العالم من جهة ما يتحرك ويسكُنْ".

مخطوط عربي

وتعريف هبة الله بن ملكا البغدادي في كتابه المعتبر في الحكمة: "العلوم الطبيعية هي العلوم الناظرة في الأمور الطبيعية فهي الناظرة في كل متحرك وساكن, وما عنه, وما به, وما منه, وما إليه, وما فيه الحركة والسكون".

وتعريف ابن خلدون في مقدمته الشهيرة: "هو علم يبحث عن الجسم من جهة ما يلحقه من الحركة والسكون. إذاً العلم الطبيعي عند العلماء العرب يضم علمي الحركة والسكون، ويقوم علم الحركة على ثلاثة قوانين نسبت إلى العالم الانكليزي اسحق نيوتن, رغم أنّ العلماء العرب قد شرحوا القانونين الأول والثالث للحركة وكانوا قاب قوسين أو أدنى من القانون الثاني. ونرى أنّ ابن سينا قد توصل إلى القانون الأول للحركة قبل ليوناردو دافنشي بأكثر من أربعة قرون, وقبل غاليليو بأكثر من خمسة قرون, وقبل اسحق نيوتن بأكثر من ستة قرون".

وتضيف الدكتورة جلخي أن من أهم العلماء العرب في الفيزياء هم: بنو موسى بن شاكر: هم محمد وأحمد والحسن, عاشوا في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي.

يعد كتاب "الحيل" من أهم الكتب التي وضعوها، حيث يقول ابن خلكان في كتابه "وفيات الأعيان": "لأبناء موسى بن شاكر كتاب عجيب نادر يشتمل على كل غريب, وهو من مجلد واحد".

في هذا الكتاب يصفون طريقة حفظ مستوى الماء في الأنابيب. ويميل أحمد الابن الأوسط إلى الأعمال التطبيقية, والآلات المتحركة. فقد بنى مع أخيه محمد ساعة نحاسية كبيرة الحجم استفاد منها معاصروه, كما تفنّن في الهندسة الميكانيكية, فاخترع تركيباً ميكانيكياً يسمح للأوعية أن تمتلئ تلقائياً كلما فرغت, والقناديل ترتفع فيها الفتائل تلقائياً كلما أتت النار على جزء منها, كما يصب فيها الزيت تلقائياً, ولا تنطفئ عند هبوب الريح عليها. واخترع عدداً كبيراً من النافورات التي تظهر صوراً متعددة بالمياه الصاعدة. ونظرياته ما تزال تستخدم عند تصميم النافورات الحديثة, وقد شرح صعود مياه الفرات والعيون إلى الأعلى, وكيفية ترشيح مياه الآبار من الجوانب, وكيفية صعود المياه إلى الأماكن العالية بالقلاع, ورؤوس المنارات, ودرس علم السوائل, كما اهتمّوا بالأجهزة التي تعمل بضغط الهواء أو ضغط السوائل.

الكندي

هو أبو يوسف يعقوب بن اسحق الكندي, اشتغل في علوم الحكمة والطبيعيات والرياضيات والفلك والطب، ولم تكن الطبيعيات بالنسبة إليه منفصلة عن الفلسفة, وإنّما كانت الفلسفة مشتملة على العلم الطبيعي وعلى ما بعد الطبيعي, فقد كان من المترجمين الأربعة المشهورين (حنين بن اسحق, الكندي, ثابت بن قُرّة, الطبري).

تأثّر الكندي بفلسفة أفلاطون وفلسفة أرسطو, وقد اتّجه إلى التجربة, فأجرى عمليات تبخّر وتكثيف, وكتب عن التقطير والتصعيد في كتب الكيمياء.

أبو بكر الرازي

أهم مؤلفاته في الطبيعيات, كتاب الهيولى الكبير. كتب الرازي عن الهيولى (المادة) وكيفيات الأجسام والزمان والمكان وهيئة العالم وحركته وعن الثقل النوعي. وقال الرازي بوقوع الأرض في مركز العالم, كما قال بطلميوس وهو قول خاطئ، إلاّ أنّه نادى بكروية الأرض, كما أنّه ذهب إلى أنّ الأرض تفوق القمر حجماً, بينما يقل جرم الأرض بكثير عن جرم الشمس وهو قول صحيح تماماً.

ابن الهيثم

يعدّ من أعظم علماء العرب في جميع علوم المعرفة, خاصة علم الفيزياء, ومن أعظم الباحثين في علم الضوء, نال شهرة عظيمة بفضل كتابه المناظر الذي يحتوي على اكتشافات كثيرة في الفيزياء وعلى دراسات عميقة في حقلي انعكاس الأشعة وانكسارها, تُرجم هذا الكتاب إلى اللاتينية, وظل المرجع الوحيد في هذا العلم حتى القرن السابع عشر الميلادي.

ابن سينا

أهم مؤلفاته في الطبيعيات الشفاء، الذي يقع في سبعة عشر مجلداً. وأهم الانجازات التي قدمها في مجال الفيزياء

1- بيَّن أنّ سرعة الضوء تفوق بكثير سرعة الصوت.

2- بيَّن أنّ الإنسان يحتاج تموج الهواء أثناء السماع.

3- له بحوث في الزمان والمكان والفراغ والنهاية واللانهاية والحرارة.

4- قدّم دراسات عن الرياح وقوس قزح وبيَّن أنّ السحب تتولد من الأبخرة الرطبة.

5- بيّن أنّ البرق يُرى, والرعد يُسمع, فإذا حدثا معاً رُئيَ البرق وتأخّر سماع الرعد.

البيروني

هو الإمام العلاّمة أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني, أحد عمالقة علماء العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية. اشتغل بعلوم الرياضيات والطبيعيات والفلك والصيدلة والتاريخ والجغرافية، وقد خلَّف تراثاً عربياً ضخماً, عاصر الشيخ الرئيس ابن سينا، وكانت بينهما مناظرات ومراسلات كثيرة.

يقول الإمام البيهيقي في كتابة تتمة صيوان الحكمة: "أبو الريحان البيروني من أجلّ المهندسين, وقد سار في بلاد الهند أربعين سنة, وصنَّف كتب كثيرة رأيت أكثرها بخطه". له كتاب "الجماهر في معرفة الجواهر، وهو دراسات في الجيولوجيا والمعادن والأحجار الكريمة, وكتاب "القانون المسعودي في الهيئة والنجوم".

في هذه المؤلفات بحث البيروني في موضوعات ثمانية في مجال الفيزياء والعلوم الطبيعية وهي:

1- الخواص الطبيعية لبعض المواد كالماس والزئبق والإسفنج وغيرها.

2- قوة الجاذبية الأرضية.

3- موضوع الثقل النوعي للمعادن والأحجار الكريمة.

4- تباين الثقل النوعي للماء بحسب درجة حرارته.

5- تأثير الحرارة على المعادن للتمدد والانكماش.

6- ضغط وتوازن واتّزان السوائل وتغيُّر بعض الظواهر الطبيعية المتعلقة بسريان السوائل.

7- ظاهرة المد والجزر حيث ربطها بالتغيير الدوري لأوجه القمر.

8- سريان الضوء بسرعة غاية في العظم, إذا ما قُورنت بسرعة انتقال الصوت.

الخازني

هو عبد الرحمن الخازن, ويقال الخازني, فلكي, فيزيائي, مهندس برع في علم الحركة. كما أبدع في بحوثه في الميكانيك, عاش الخازني في مرو رقيقاً عند علي الخازن المروزي, وأخذ العلم في مجالس شيوخها, وقد شجعه مولاه على الدرس والبحث, ومتابعة علومه، واخترع آلة لمعرفة الوزن النوعي للسوائل, وناقش ضمن دراسته موضوع المقاومة التي يعانيها الجسم من الأسفل إلى الأعلى عندما يُغمر في سائل, وقد استخدم الجهاز نفسه الذي استخدمه البيروني في تعيين الثقل النوعي لبعض المواد الصلبة، وقد بيَّن أنّ قاعدة أرخميدس تنطبق على الأجسام الموجودة في الهواء.

إذاً تحدث عن مادة الهواء ووزنه، وأشار أنّ للهواء وزناً وقوة رافعة كالسوائل, وأنّ وزن الجسم المغور في الهواء ينقص عن وزنه الحقيقي وأنّ مقدار ما ينقصه من الوزن يتوقف على كثافة الهواء، وبيَّن أنّ قاعدة أرخميدس لا تنطبق فقط على السوائل بل أيضاً على الغازات, ومثل هذه الدراسات هي التي مهدّت لاختراع البارامتر (ميزان الضغط), ومفرغات الهواء, والمضخات, وبهذا يكون الخازني قد سبقَ تورشللي وباسكال وبويل وغيرهم.

وهكذا نرى الدور الهام والمؤثر الذي درسه وقدمه العلماء العرب في مؤلفات الفيزياء، وكيف كانوا سباقين لاكتشاف الكثير من الخواص والتجارب الناجحة في شتى المجالات الطبية والهندسية والجغرافية، حيث قدمت للبشرية الفوائد والعلوم والمعرفة والتي مازالت تدرس حتى الآن في مختلف الجامعات ومراكز البحث العلمي في العالم.

الأستاذة الدكتورة بثينة جلخي مواليد عام 1965، عضو هيئة تدريسية في معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب

دكتوراه في عام 1998، إجازة في العلوم الفيزيائية والكيميائية بتقدير جيد جداً عام 1986، دبلوم 1987، ماجستير في تاريخ العلوم الأساسية بتقدير امتياز، عضو في لجنة البعثات والإجازات، تناوبت على منصب ما بين النائب العلمي والإداري في معهد التراث منذ عام 2007 وحتى الآن. عضو هيئة تحرير لمجلة تاريخ العلوم العربية ومجلة بحوث جامعة حلب. نشرت 34 بحثاً منفرداً و22 بحثاً بالمشاركة في مجال تاريخ العلوم. شاركت في 23 مؤتمراً وندوة عربية ودولية. أشرفت على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه. مؤلفة كتاب "تاريخ نظرية الإبصار في الحضارة العربية".