سميراميس إحدى أشهر الملكات اللواتي أبهرن العلم بذكائهن وفطنتهن وجمالهن، امتلكت القدرة على إدارة الدولة وخوض الحروب، كما أنها ألهمت الأدباء والفنانين والمؤرخين طوال عدة قرون ماضية، كما فرضت حضورها في الفن والأدب والتاريخ.

هي الملكة "سمورامات" ملكة أشورية، وأم الملك "أداد نيراري الثالث" وزوجة الملك شمشي أدد الخامس، حكمت بلاد النهرين في الفترة من 805 - 810)) كوصية على العرش حتى بلغ ولدها سن الرشد، كما تميزت هذه الفترة من حكمها بالشدة والصرامة، وبقيت في الحكم لمدة 42 عاماً من خلال زوجها وابنها حيث كان يؤخذ برأيها لما تحمله من خبرة وذكاء حاد.

اتسمت الفترة التي حكمت فيها الملكة سميراميس بلاد النهرين بالفترة الأكثر حزماً، وذلك لما كانت تتمتع به هذه الملكة من شخصية قوية وذكاء حاد جعلها قادرة على إدارة شؤون البلاد بمنتهى الجدية والصرامة، وتقديم العديد من الإنجازات في الحياة الدينية والاجتماعية والثقافية التي جعلت شعبها يفخر بها كملكة. كما عملت على تجديد الروح الدينية لدى الشعب الآشوري من خلال إظهار دور هام لبعض الآلهة الثانوية لديهم مثل إله الحكمة، وقامت بتجديد وتوسيع مدينة آشور من خلال بناء المعابد والقصور الضخمة وإحاطة المدينة بأسوار عالية لحمايتها. كما حرصت على بناء نفق من الحجارة تحت نهر دجلة ليصل بين طرفي المدينة. وخاضت العديد من الحروب التي كللت بالانتصارات المتتالية، وسيطرت على بلاد الشام ومصر. كما يذكر بعض المؤرخين أن "سمورامات" استطاعت بفتوحاتها أن تصل إلى الهند.

أساطير

تحكي الأسطورة حول قصة حياة الملكة سمورامات كما صورتها المعابد الآشورية، بأنه ذات يوم نزلت السيول على منابع نهر الفرات حتى فاض النهر وخرجت سمكتان من المياه كانتا تسبحان في وسط النهر ومعهما بيضة كبيرة، فجاءت حمامة واختطفت البيضة من وسط المياه ووضعتها في العش الخاص بها، وعندما فقست البيضة خرجت طفلة رائعة الجمال. قامت الحمامة بالبحث عن غذاء مناسب لها فوجدت مجموعة من المزارعين لديهم جبن وحليب، فأخذت ما يكفي لإطعام الطفلة. وعندما لاحظ المزارعون قلة الحليب واللبن، راقبوا الحمامة وعرفوا مكانها وأخذوا الطفلة وتم بيعها في سوق نينوى وأطلقوا عليها اسم "سميراميس" وتعني "الحمامة" في اللغة الآشورية، فاشتراها "سيما" وهو ناظر مرابط خيول الملك وكان عقيماً فتبناها. وعندما رآها مستشار الملك "أونس" أعجب بها وتزوجها وأنجب منها "هيفاتة " و"هيداسغة"، وكان أونس يستشير زوجته في كل أمور الحرب لما كانت تقدمه من نصائح وأفكار جيدة. وعندما رآها الملك "نينوس" أعجب بجمالها الفتان فعرض على زوجها أن يزوجه ابنته على أن يترك سميراميس، إلا انه رفض، فهدده الملك باقتلاع عينيه. واضطر زوجها للتنازل عن سميراميس للملك بسبب خوفه، ومات فور زواجها من الملك "نينوس"، وأنجبت منه "نيناس". وبعد وفاة الملك أصبحت ملكة نينوى وحاكمة بلاد ما بين النهرين.

إنجازاتها الحضارية

خلدت سميراميس فترة حكمها في التاريخ العراقي بالمسلة التي أقامتها في ساحة المسلات في معبد آشور، كتب عليها (مسلة سمورامات ملكة سيد القصر)، كما أقامت سميراميس مشاريع عمرانية ضخمة، أهمها بناء مدينة آشور بمعابدها وقصورها الضخمة وإحاطتها بالأسوار العالية، وقامت ببناء نفق مقبب من الحجر تحت مجرى نهر دجلة ليوصل طرفي المدينة، وإنشاء الجسور، والقنوات على نهري دجلة والفرات، وإنشاء المتنزهات والنوافير المزخرفة في المدن التي دخلتها، وأقامت ضريحاً ضخماً وفخماً تمجيداً لذكرى زوجها.

شهد العراق توسعات كبيرة خارج حدوده أثناء تولي سميراميس الحكم، واستطاعت أن تسيطر على مصر وجزء من الحبشة وبلاد الشام، وقامت بحملات عسكرية على الهند، كما قامت بإدخال العديد من الروافد الثقافية البابلية للحضارة الآشورية في نينوى، وأضافت بعض الروحانيات البابلية إلى الديانة الآشورية التي كانت تميل إلى تقديس فحولة الإله آشور، كما أبرزت بعض الآلهة الآشورية الثانوية مثل "نبو" إله الحكمة.

تأثيرها على الفنانين

تأثر العديد من الأدباء والفنانين بأسطورة سميراميس وحياتها السياسية في العديد من الأعمال الأدبية والفنية، فقد استلهم "دانتي" سيرتها في كتابه "الكوميديا الإلهية"، والفيلسوف فولتير الذي ذكرها في مسرحيته، كما ظهرت في أوبرا "دومينكو تشوميروسا"، وقام الموسيقار الإيطالي "روسيني" بتأليف أوبرا تحمل اسم "سميراميس"، وظهرت عدة أفلام منها "سميراميس" عام 1973، واستلهم اسمها في سلسلة من الفنادق حول العالم.

وصفها الكاتب "ويفي ميلفيل" في روايته "ساركا دون" بأسطورة "الملكة العظيمة" بأنها كانت فائقة الجمال بلا شك، ذلك الجمال الذي تعجز الكلمات عن وصفه.

----

المراجع

-سميراميس ملكة آشور وبابل، جيوفاني بيتينانو، ترجمة عيد مرعي، روافد للثقافة والفنون، 2008.

-سميراميس، محمد كامل حسن المحامي، منشورات المكتب العالمي.