ضمن نظرة سريعة إلى الماضي الطبي، نجد أنه في عصر ما قبل التاريخ، كان السحر والقرابين التي مازالت مستمرة عن طريق الحجاب، وفي مصر القديمة كان الطب بيد بعض الزعماء الذين وضعوا خرائط لجسم الإنسان، واعتمدوا على النبض كعلامة هامة على الحياة والموت والصحة ومازال حتى هذه اللحظة، وفي اليونان وضع أبقراط ضوابط إنسانية للتعامل ما بين الطبيب والمرضى.

يتحدث الدكتور إياد الشطي رئيس الرابطة السورية لعلم الأمراض وعضو مجلس أمناء التميز والإبداع ورئيس الرابطة السورية للمشرحين المرضيين عن التراث الطبي في العالم وفي سورية، مُفضلاً أن يبدأ ذلك بوضع تعريف لكل من كلية الطب والطبيب والجامعة، لافتاً إلى أن أول تعريف مقبول لكلمة طبيب هو ما ينطبق على الحاكم الفرعوني أمنحوتب الرابع والطب الفرعوني عموماً؛ حيث كثر الأطباء الذين كانوا يعملون من دون ترخيص ومن دون تعليم خاص في مدارس معينة. ولذلك أتت بعض الضوابط ولا سيما شريعة حمورابي الذي وضع فيها روابط للطب، وبعدها قسم أبقراط. أما أول طبيب والذي يعتبر أكثر حداثة مما سبقه وخاصة في موضوع الروابط الطبية، هو العالم والطبيب غاليليو. ويمكن الإشارة إلى عشرات الأطباء الذين ترقى مكانتهم إلى اسم الطبيب أو الحكيم ومنهم ابن سينا، ومع أنه ليس عربياً، ولكنه تعلم اللغة العربية لكي يتوسع في علمه ويتماشى مع عصره، ولا يمكن الاستهانة بكتابه (القانون في الطب) الموسوعة الطبية المؤلفة من خمسة أجزء. وقد كان هذا الإنسان كان هوائياً جداً حيث كان يعمل بجهد كبير لمدة خمسة أيام، ثم كان يعمل بجهد أكبر لحياته الخاصة.

وبيّن الشطي أن أول مستشفى في الإسلام بناه الوليد بن عبد الملك في بداية القرن الثامن الميلادي (البيمارستان). أما أول جامعة، يمكن أن تأخذ تعريفاً بأنها جامعة، كانت جامعة زيتونة في تونس ومازلت موجودة حتى الآن. وأول مدرسة مستقلة بالجوانب الطبية، كانت المدرسة الدخوارية في دمشق حوالي عام 1230 ميلادي الذي أسسها مهذب الدين عبد الرحمن الدخوار؛ حيث يذكر اسمه في أكثر من مكان في كتب التاريخ الطبي، نظراً لشهرته في طب العيون. تأتي بعدها عدة مدارس تعنى بالطب. أما في مصر فكان هناك القصر العيني الذي تحول إلى كلية طب عندما أراد الفرنسيون ذلك، وقد كان جميع الأساتذة من الفرنسيين، إلى أن أتى بعض الأساتذة السوريين واللبنانيين والمصريين ليعيدوا الكلام باللغة العربية. ومن هنا بحسب الدكتور الشطي جاءت كلمة المعيد التي تستعمل حتى الآن في جامعاتنا وما زلنا نتبناها. بعد هذه المرحلة تحول الطب إلى اللغة الإنكليزية، وفي الوقت نفسه بدأت الجامعة اليسوعية تدرّس الطب باللغة الفرنسية. في حين بدأت الجامعة السورية بالتدريس عام 1903 باللغة التركية، وكان مقرها في بيت زيوان بالصالحية، وهي حالياً تسمى المشفى الإيطالي، ولم يبدأ التدريس باللغة العربية حتى تاريخ 1915 في جامعة دمشق.

خلية سرطانية

أول جائزة نوبل

سلسلة وراثية

يقول الشطي: نحن نتلمس تراثنا فلا يجب الاختباء بردائه الفضفاض، ولكن يمكن استعماله منصة للانطلاق إلى المستقبل؛ فنحن فخورون بالماضي ولكننا لا نعيش فيه. ثم انتقل الدكتور الشطي لتناول الطب الحديث الذي بدأ بعد اكتشاف عدد من الطلاب منذ حوالي 34 سنة رموز dna في عام 1953 وحينها استمرت مجموعة نوبل 9 سنوات بالتدقيق حتى وافقت على إعطائهم الجائزة عام 1962 واعتبر هذا الإنجاز نوعاً من التألق العلمي، إلى أن أتى مايكل بشر وقال إن هناك 3.2 مليار dna في كل خلية، وعليه أخذ جائزة نوبل عام 1989 لأنه ربط وجود علة بالجينات بأنها تُحدث السرطان، فكان هذا أول تطور علمي يتحدث عن الجينات. وبالتالي فإن كل ما يتبع الجينات هو طب الحاضر والمستقبل. ومنه تم وضع التعريف الأول للسرطان عام 2006. حيث كان الحديث الطبي والعلمي قبل هذه التطورات يدور حول شكل الخلايا وطولها وعرضها وانقساماتها، ولكن بعد هذا التاريخ بدأ حديث الأطباء عن الطفرات والتكاثر الذي يُحدث السرطانات. ويمكن القول إنه بعد عام 2016 بدأت جوائز نوبل تُعطى بهذا المجال في الطب، وتركز الطب على التخلص من الجينات الطافرة غير المناسبة. وعلى سبيل المثال في جامعة هامبورغ الألمانية هناك محاولات لإعادة الجين إلى أساسه.

علم الجزيئي الجيني

وفي مرحلة التفتيش عن سبب الظاهرة المرضية وهي مرحلة الانتقال إلى علم الجينات والأنواع الجرثومية وما يسمى بالطب الدقيق، يبين رئيس الرابطة السورية لعلم الأمراض الدكتور الشطي أنه وبسبب تطور هذا الطب أصبح التشخيص يأتي اليوم ومعه مجموعة من الصفات توضح ما هو الخلل الجيني الذي حدث في الخلية، وقد رافق ذلك وجود جيل من الأدوية لمعالجة الأساس في المشكلة. لافتاً إلى أن علم الأمراض الجينية الجزيئية أخذ وقتاً طويلاً في العالم ليصل إلى الجميع. مقارنة بغيره فهو علم جديد نسبياً، فمثلاً عدد الكرموزومات عند الإنسان عرف في عام 1956 بينما العلوم الأخرى مثل الفيزياء والرياضيات فعمرها آلاف السنين، ونحن إلى حد الآن لم نتجاوز المائة عام في علم الوراثة الحديث، لكننا وصلنا إلى مرحلة نفهم بها المرض بشكل أوضح ونفهم العلاج أكثر. ويمكن القول إنه في الوقت الحالي يتم بناء قاعدة علمية أساسية للانطلاق في جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية ومشافينا في التعليم العالي وفي الصحة. وقد بدأ التشخيص والعلاج على أسس حديثة، لأن المستقبل سيكون على هذا النحو. وهناك إقبال كبير من قبل الطلاب والدارسين للاهتمام بتشخيص الأمراض الوراثية بتقنيات حديثة.

وقال الدكتور الشطي: كنا نعاير البنسلين ونعاير السكريات والخلايا الورمية من دون أن نراها، إلى أن تعلمنا أن هناك أجزاء دقيقة جداً من الخلايا الورمية تتسرب إلى الدم، وهي ما تعرف بالخزعة في الفحص القديم. في حين هي مفرزات من الخلايا شتت إلى الدم وهي ما تعرف بالجينوم. وهذا التطور جعل مرض اللمفوما اليوم قابلاً للشفاء، وأصبح الأطباء يدركون أن مسيرة الجينات تتبدل عندما ينكس المريض بعد ستة أشهر، وبالتالي يجب عدم إعطائه العلاج نفسه، ويجب تغيير خطة العلاج بسبب تبديل الجينوم.

كما أن هناك طريقة لاكتشاف النكس بشكل دقيق جداً، وهو يطبق بشكل كبير في أورام الدماغ. ولهذا السبب صار يطبق على باقي السرطانات وفي سرطان باطن الرحم.

ولفت الشطي بأن أول طبيب سوري يهتم بالتشريح المرضي الجيني هي الطبيبة صفاء قطليش في التشريح المرضي في سرطان الثدي لمعالجة فقط الخلية السرطانية، من خلا ل التركيز على بيئة الخلية إذا قطع عنها الأغذية والمحرضات، الأمر الذي بساهم في قتلها بالكامل. وهذه الدراسة تمت في جامعة دمشق وسميت الإشراف السوري السوري المغتربي نظراً للتشاركية بين الأطباء السوريين في الداخل والمغترب.