تخيل لو كان بإمكانك وضع لوح شمسي رفيع للغاية وشفاف على نافذتك لتوليد الطاقة، ليس فقط بالاستفادة من ضوء الشمس، ولكن أيضاً من الأضواء الاصطناعية من داخل غرفتك؟ يُنظر إلى هذه التقنية، المسماة بيروفسكايت، باعتبارها أكثر الخلايا الشمسية من الجيل التالي الواعدة، وهي بالضبط ما تحاول شركة Enecoat Technologies اليابانية تطويرها. عندما تكون جاهزة، تأمل الشركة التي تتخذ من كيوتو مقراً لها، أن يقدم منتجها الواعد نفس القدر من الطاقة الكهربائية مثل الألواح الشمسية العادية من نفس الحجم.

يقول المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي للشركة ناويا كاتو: نأمل أن نتمكن من تسويقها في غضون ثلاث إلى أربع سنوات. ولكن لاستخدامها في الهواء الطلق، نحتاج إلى جعلها متينة وقادرة على تحمل أي نوع من الظروف الجوية، ولتحقيق ذلك سنستغرق وقتاً أطول قبل طرحها في الأسواق.

تسمى الشركات الناشئة مثل هذه شركات "التكنولوجيا العميقة"؛ حيث تعتمد شركات التكنولوجيا العميقة أو الشركات الناشئة للتكنولوجيا العميقة على التقدم العلمي الكبير والابتكار الهندسي عالي التقنية، فهي تتطلب البحث والتطوير المطول، وقد تستغرق وقتاً طويلاً للوصول إلى التطبيق التجاري، فغالباً ما تتطلب استثمارات كبيرة لتحقيق النجاح التجاري، وعادة ما تكون الملكية الفكرية الأساسية للابتكارات التكنولوجية العميقة محمية بشكل جيد ويصعب إعادة إنتاجها، ما يجعلها ميزة تنافسية قوية أو عائقاً أمام الدخول في عالم الإنتاج والتسويق.

تمت صياغة مصطلح التكنولوجيا العميقة من قبل سواتي شاتورفيدي المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة الاستثمار Propel-X، حيث تشير كلمة التكنولوجيا العميقة إلى فئة من الشركات الناتجة التي تطور منتجات جديدة تعتمد على "الاكتشاف العلمي أو الابتكار الهندسي".

ووفقاً للبحث الذي أجري عام 2019 من قبل مجموعة بوسطن الاستشارية ومرحباً بالغد "Hello Tomorrow" وهي منظمة فرنسية غير ربحية تدعم التكنولوجيا العميقة، تضمنت مجالات التكنولوجيا العميقة أبرز المواد المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية، وسلسلة الكتل، والروبوتات، والضوئيات، والإلكترونيات، والحوسبة الكمومية. وقد ساهمت في زيادة استثمارات القطاع الخاص العالمي في هذه المجالات بأكثر من 20% سنوياً مقارنة بعام 2015 ووصل إلى حوالي 18 مليار دولار في عام 2018، ومن المجالات الممكن تطبيق التكنولوجيا العميقة عليها، هي الزراعة وعلوم الحياة والكيمياء والفضاء والطاقة الخضراء.

وفي سياق الأعمال، تتميز التكنولوجيا العميقة بثلاث سمات رئيسية: إمكانية التأثير وأنها تتطلب وقتاً طويلاً للوصول إلى استحقاق جاهز للسوق ومتطلبات كبيرة لرأس المال. لكن إطلاق منتج ناجح في هذا القطاع يستغرق وقتاً. نتيجة لذلك، قد تكون صناديق رأس المال الاستثماري الخاصة التي تقرض الأموال لأصحاب مثل هذه المشاريع أكثر حذراً في الاستثمار فيها.

هذا هو المكان الذي تلعب فيه جامعة كيوتو دوراً حاسماً؛ حيث تشتهر بإنتاج المزيد من الفائزين بجائزة نوبل أكثر من أي جامعة أخرى في آسيا (حتى الآن 11 في المجموع)، وهي تمول أيضاً الشركات الناشئة الجديدة من قبل الطلاب والباحثين من خلال صندوق رأس المال الاستثماري.

Enecoat Technologies هي واحدة من المستفيدين، وحصلت على إجمالي 500 مليون ين أو ما يعادل 3.6 مليون دولار أو 3 ملايين جنيه استرليني. 300 مليون دولار تلقته الجامعة من الحكومة اليابانية في عام 2015 لتشجيع ريادة الأعمال.

يقول كوجي موروتا الذي يرأس مكتب الجامعة للتعاون الأكاديمي من أجل الابتكار: جامعة كيوتو قوية في مجالات العلوم الصعبة للغاية مثل الطب التجديدي وعلوم الخلايا الجذعية وطاقة التكنولوجيا النظيفة. ولكن من أجل تسويق منتجات شركات التكنولوجيا العميقة هذه، يتطلب الأمر وقتاً طويلاً ومبلغاً كبيراً من المال.

يضيف موروتا أنه في حين أن فترة الاستثمار الأنموذجية لصندوق رأس المال الاستثماري قد تتراوح من ثماني إلى 10 سنوات، إلا أن هذه ليست فترة طويلة بما يكفي للتكنولوجيا العميقة، لذا فإن مخطط الجامعة يقدم ما يصل إلى 20 عاماً من الدعم.

منذ أن بدأت جامعة كيوتو قسم الابتكار وصندوق الاستثمار الخاص بها قبل سبع سنوات، تضاعف عدد الشركات الناشئة التي أنشأها طلابها إلى 242 شركة.

جامعة كيوتو هي الثانية بعد جامعة طوكيو، التي تلقت أيضاً تمويلاً مماثلاً من الحكومة، لكن معدل نمو جامعة كيوتو أعلى من تلك بكثير. ولكن حتى قبل أن تبدأ الجامعة في تقديم الدعم لرواد الأعمال، كانت مدينة كيوتو معروفة بإنتاج الشركات الناشئة. وتشمل هذه نينتندو. قد تكون لعبة كمبيوتر عملاقة اليوم، ولكن عندما انطلقت في عام 1889 كانت تصنع أوراق اللعب.

شركة أخرى ناجحة تأسست في كيوتو هي شركة كيوسيرا العملاقة للتكنولوجيا، التي أسسها الراحل كازو إيناموري، أحد أشهر قادة الأعمال في اليابان في عام 1959.

من قصص نجاح الأعمال الحديثة في المدينة شركة تصنيع الرقائق الدقيقة وزميلتها شركة Flosfia الناشئة في مجال التكنولوجيا العميقة. وبدعم من الجامعة أيضاً، فهي تصنع أشباه الموصلات المتخصصة في استخدام الطاقة بكفاءة أكبر، وبالتالي إطالة عمر المنتج، مثل السيارات الكهربائية.

يقول توشيمي هيتورا، خريج جامعة كيوتو ورئيس شركة Flosfia : تميزت مدينة كيوتو بكونها صغيرة ومتنوعة. تقع الجامعة في قلبها، ومع وجود العديد من الباحثين في مجتمع صغير، يمكن لأي شخص الوصول إلى المعلومات التي يحتاجها لبدء مشروع تجاري.

لكن جميع مؤسسي الشركات الكائنة في كيوتو يقولون أيضاً، على عكس الشركات الموجودة في طوكيو، إنه ليس لديهم عدد كافٍ من العملاء هنا (في كيوتو) لذلك كان عليهم التفكير عالمياً منذ البداية.

ويضيف السيد هيتورا: لقد مرت أكثر من 10 سنوات منذ أن بدأنا في Flosfia لأن التكنولوجيا العميقة تستغرق وقتاً، وأشعر أن أهل كيوتو يفهمون ذلك.

منذ حوالي 30 عاماً كانت اليابان رائدة في صناعة أشباه الموصلات، لكنها اليوم تمتلك أقل من 10% من حصة السوق. بالنسبة إلى شركة Flosfia لتأسيس وجود كبير في صناعة أشباه الموصلات العالمية شديدة التنافسية، والتي تهيمن عليها شركات مثل سامسونج في كوريا الجنوبية و TSMC التايوانية، سيكون تحدياً، خاصة وأن الصين والولايات المتحدة تحاولان أيضاً وضع بصمتهما في السوق.

يقود البيت الأبيض هذه الخطوة في الولايات المتحدة، حيث أقر مجلس النواب قانوناً حكومياً في تموز يلتزم بحزمة دعم بقيمة 280 مليار دولار لإنتاج الرقائق المحلية مدعمة بالبحث العلمي بهدف تطوير الإنتاج. ترغب الولايات المتحدة في تقليل اعتمادها على الدول الأخرى في هذا النوع من الإمدادات.

لكن هيتورا يعتقد أن المنتجين اليابانيين مثله لديهم قواهم الخاصة. يقول: اليابان جيدة في إجراء البحوث الأساسية، والعمل باستخدام مواد جديدة، لذلك أشعر أن لدينا إمكانات كبيرة. ويضيف أن Flosfia لديها الآن تحالفات مع معظم الشركات المصنعة للرقائق الرئيسية في تايوان. يتابع هيتورا: هناك حاجة إلى أشباه الموصلات على الصعيد العالمي، لذلك قد تحاول بعض الحكومات التدخل لضمان الإمداد لأسواقها المحلية، لكن إنتاج أشباه الموصلات يستغرق وقتاً طويلاً. لإنتاجها على نطاق واسع، نحتاج إلى الكثير من أصحاب المصلحة والكثير من الشركات في العديد من البلدان. ولهذا السبب أعتقد أن تحالفاتنا مع الشركات الأخرى مهمة.

نظراً لأن اليابان تلعب دوراً في اللحاق بالركب في قطاع أشباه الموصلات، فإن قدرة جامعة كيوتو على لعب اللعبة الطويلة بصبر مع شركات مثل Flosfia تزيد من الأمل في أن تنجح البلاد في هذه المهمة.

----

بقلم: ماريكو أوي

ترجمة عن موقع: BBC