يحدث أن يتساءل البعض عن دور العدالة الجنائية في مواجهة تعاطي وإدمان المواد المخدرة، وما هي العلاقة التي تربط الطرفان في هذا المجال. ونظراً لما تمثله مشكلة المخدرات كإحدى القضايا الكبرى التي تقوض فرص التنمية وتهدد السلم الاجتماعي لارتباطها الوثيق بالجرائم المختلفة وحوادث الطرق والمرافق العامة، فإن بروتوكولات التعاون بين مصلحة الطب الشرعي والجهات العاملة على مكافحة ومعالجة التعاطي والإدمان، تأتي ضمن مهام البحث وراء كواليس الجرائم وحملات الكشف المبكر عن المتعاطين.

للأطباء الشرعيين دورهم ضمن اللجان المشكلة للإشراف على مصحات ومراكز علاج الإدمان والتعاطي، إيماناً منهم بضرورة متابعة المدمن وحتمية تماثله للشفاء، وبالتالي حماية المجتمع ككل في ظل الانتشار المتزايد للمواد المخدرة وظهور أنواع جديدة ومتعددة. يشير الدكتور حسين نوفل رئيس قسم الطب الشرعي بكلية الطب بجامعة دمشق إلى العديد من الأسئلة القانونية التي تُطرح عادة على الطبيب الشرعي في حالات الإدمان وهي: هل فعلاً يوجد إدمان؟ انطلاقاً من كونه يؤثر على العمليات العقلية، ويؤثر على قضية الإدراك والوعي. وبالتالي فإن المسؤولية القانونية لدى هذا الشخص فيها خلل، وقد تكون هناك أفعال مرتكبة مخالفة للقانون في حالة التعاطي. أما السؤال الثاني فهو ما نوع المادة التي أحدثت الإدمان في حال كان موجوداً؟ إذ إن جميع المؤسسات التي تقوم على قضايا الجريمة يهمها تحديد نوعية المواد التي أحدثت الإدمان لدى المجرم بشكل يُمكّن من متابعة الموضوع. ويكون السؤال الثالث عادة: ما هي المدة التي أدمن فيها، وإلى أي حد تؤثر على مسؤوليته القانونية؟ وكذلك ما هي الجرعة المدمن عليها، وهل هي في تزايد، أم هي حالة عابرة لمرة واحدة؟ وصولاً إلى طريقة دخول المادة المحدثة للإدمان؟ مع كل سؤال يتم فحص المريض والنظر إلى العلامات السريرية التي تفيد في الإجابة على تلك الاستفسارات. فهناك علامات فيزيولوجية وتحاليل مخبرية وطرق تتعلق بالحقن وأخرى بالاستنشاق أو المضغ أو الشرب وغيرها.

حالات يمر بها المدمن

هناك تصنيف للإدمان، وهناك حالات يمر بها المدمن من زيادة التعرق واعتماد نفسي واعتماد جسمي وبوادر الانسحاب. فما هي المادة المأخوذة وما هو استقلابها وكيفية طرحها خارج الجسم والمدة التي يحتاجها المدمن للتخلص منها؟ وهنا يوضح رئيس قسم الطب الشرعي بكلية الطب بجامعة دمشق، خلال الندوة العلمية التي أقامتها الكلية حول المخدرات: أنه يتوجب القيام بتحاليل متكررة للشخص المدمن للتأكد من التخلص من المادة والضرر العقلي الذي أحدثته، وهل أثر على مسؤوليته وقراراته العقلية؟

الدكتور حسين نوفل

وهذا يشكل جزءاً هاماً من دور الطبيب الشرعي في موضوع الإدمان. ويشير الدكتور نوفل إلى طرق كشف تعاطي المخدرات، حيث يتم الكشف عن وجود المخدرات في الجسم عبر تحليل السوائل والمتحصلات البيولوجية، وأيضاً عينة البول، وعينة الشعر، موضحاً أن كل عينة لها استخدام مختلف عن الأخرى. فإن عينة الدم، تتم في حالة الوفيات الجنائية والموت بسبب الجرعة الزائدة، أما عينة البول، فهي تستخدم في مجال العمل، حيث تكون العينة محتفظة بالمخدر في الجسم لبضعة ساعات وأيام وأسابيع ماضية. على سبيل المثال، فإن مخدر الحشيش يظل في الجسم أسبوعين حتى ستة أسابيع. أما ما يخص عينة الشعر، فهي تستخدم مع الموتى بعد الدفن، أو في حالة ارتكاب الجرائم وهروب المجرم وضبطه بعد شهور من ارتكاب الجريمة، مؤكداً أن طوال 90 يوماً وحتى 120 يوماً، تكون فترة جيدة جداً لأخذ عينة من الشعر، كما أن عينة الشعر تظل محتفظة بالمخدر ويظهر في نتيجة التحليل حتى بعد مرور 6 أشهر.

أبعاد أخرى

يبين الدكتور نوفل أن موضوع المخدرات من الوجه الطبي ومشكلة الإدمان لهما أبعاد اجتماعية ونفسية وطبية واقتصادية، لذلك فإن هذا الموضوع يحتاج إلى أكثر من بحث حتى نتمكن من تقدير واقع الجريمة أو المشكلة. فهل الجرائم التي وقعت لها علاقة بالإدمان وحده؟ وهذا ما يُسأل عنه في الطب الشرعي سواء كانت هذه الجرائم ضد نفسه أم ضد الآخرين التي قد تصل إلى القتل. ويشير نوفل إلى أهمية الجانب الاقتصادي، لأن الشخص المدمن لا يمكن أن يكون فرداً منتجاً، وطبعاً الإدمان حالة من العدوى لأن الشخص المدمن يحاول نشر سلوكه لدى المحيطين به. كما أن هناك عوامل مسببة للإدمان؛ عوامل شخصية واجتماعية. وباختصار فإن المدمن هو شخص غير سوي بطبيعته ومحب لذاته ولديه عداء للآخرين. ومن هنا يجب الانتباه إلى موضوع ثقافة الإدمان، ففي بعض المجتمعات يراها البعض طبيعية وهي عادات متوارثة. فهناك إدمان على الكحول لدى شريحة كبيرة من المجتمع. بينما هي محرمة في بعض الأوساط. وبالتالي هناك العادات والتقاليد التي تلعب دوراً مهماً في هذا الأمر.

قرارات غير مسؤولة

قد تحدث الوفاة نتيجة الإدمان أو نتيجة الشوائب أو تناول جرعة كبيرة، وهذا يسبب إشكالات كثيرة، لأن المتعاطي أصلاً ليس لديه إمكانية كيف يأخذ القرارات. كما أن موضوع النكس موجود بكثرة في حالات الإدمان، وقد تحدث الوفاة في حالات التسمم. وهنا يلفت الدكتور نوفل إلى أكثر المدمنين خطورة اجتماعياً واقتصادياً هم مدمنو الشوارع لكونهم بالأساس ليس لديهم حكمة اتخاذ القرار. أما الشريحة الأكثر عرضة للانتشار فهم الصغار والمراهقون بسبب محاولات تقليد الآخرين وسهولة السيطرة على قراراتهم. ومن الإحصائيات العالمية لهذه المشكلة يتبين أن المجموعة التي أعمارهم بين 12 – 17 سنة هم الأكثر إصابة والانتشار لديهم كبير جداً، وتأتي بعدهم مجموعة من هم بين 18 و25 سنة. ولكن ما بعد عمر الـ 30 سنة يكون انتشار الإدمان أقل لدى هذه الشريحة. لذلك نجد أن الأمور أكثر خطورة في مرحلة المراهقة، والقرار الذي يأخذه المدمن في مرحلة المراهقة يكون غير مسؤول عنه. لذلك يكون التوجه عادة إلى هذه الفئات في التوعية والمتابعة رغم صعوبة الأمر.