يعتبر الفيلسوف زينون السوري الفينيقي من أعلام الفكر السوري القديم، وهو من مؤسسي الفكر الأخلاقي والمؤسس للمنطق الحديث الذي يعرف بالمنطق الرمزي أو منطق الرياضيات، كما أن صورته طبعت على عملة قبرصية.

عاش الفيلسوف زينون السوري في القرن الرابع والقرن الثالث قبل الميلاد (335-264ق.م)، بعد فلاسفة اليونان المعروفين: سقراط وأفلاطون وأرسطو طاليس. عُـرف زينون دوماً باسم الفينيقي، والده تاجر كنعاني اسمه منسي، وتلفظ أمناسياس باليونانية. قدم من سورية الساحلية، أكيتيوم، في جزيرة قبرص، وهي مستعمرة بناها التجار الفينيقيون القادمين من أوغاريت وصور وصيدا، ومنها نقلوا ثقافتهم وحضارتهم إلى اليونانيين، وعلى رأسها الأبجدية، بعد أن قضى اليونانيون زمناً زاد على خمسة قرون دون لغة مكتوبة، باعتراف أبرز مؤرخيهم هيرودوت، أبو التاريخ القديم كما يلقب.

ويعود الفضل في تعلق زينون بالفلسفة إلى والده، فقد كان يحضر له من أسفاره كتباً فلسفيةً من أماكن شتّى، وأدى هذا إلى تعلقه بها، ومن ثم هبط إلى اليونان لتعلمها، في سن الثانية والعشرين، في الوقت الذي كان فيه أشهر الفلاسفة اليونانيين يدرّسون المنطق والعقل في مدارس أثينا الناشئة. وبقي زينون يتعلم الفلسفة وأصولها، ويعمل في التجارة حتى بلغ الثانية والأربعين فترك التجارة، وبدأ تعليم الفلسفة، في رواق أو شرفة تسمى (Stoa) باليونانية، وتقع في السوق المركزي في مدينة أثينا، وذلك بحدود عام 300 ق.م، وتستعمل الكتب الفلسفية العربية اسم "الرواقية"، وكان تدريسه بداية لظهور الفلسفة الرواقية.

كان زينون قد رفض لقب المواطن الأثيني وأصر على لقبه الفينيقي فاحترم الأثينيون إرادته بعد موته وكرموه بقبر وتاج من ذهب. لا يُعرف متى مات زينون. تقول الروايات عام 263 ق.م، إلا أن "ديوجين" أخبر قصة وفاته كالتالي: "ما إن غادر المدرسة ذات يوم حتى سقط وكسر إصبعاً، وفي نفس الوقت كان يهتف بكلمات "نيوبي" "أنا آتٍ، لماذا تنادين علي؟" ثم سرعان ما فارق الحياة".

دفن زينون في أثينا بجنازة مهيبة، حضرها مجلس الشيوخ والإمبراطور وكثيرون من الناس، ونصب له عمودان تذكاريان نقشت عليهما عبارة تقول: "أثينا تقدس الأفكار، حتى لو لم يكن صانعوها من أهلها"، كما كتب على قبر "زينون" قوله: "إن كانت فينيقيا هي موطنك، فإن هذا لا يحط من قدرك، ألم يأت "قدموس" من هناك، فأعطى الإغريق الكتب وفن الكتابة؟".

يحكى أنّ الفيلسوف زينون الرواقي، هبط إلى أثينا، وبقي فيها ردحاً طويلاً، ولأنه زينون وليس أي أحد آخر، فقد عرض عليه شيوخ أثينا جنسيتها، فرفض قائلاً: "أنا فينيقي، وسأبقى".

رؤيته الحياتية

إن بلوغ المستوى العالي من القدرة على التحكم بعواطفنا وانفعالاتنا غير ممكن بدون الارتقاء بوجودنا إلى المستوى العقلي، فالعقل في الإنسان هو الحاكم الوحيد القادر على لجم الانفعالات، وهو السائق الوحيد القادر على قيادة مسار جسدنا الذي يعجّ ويضج بوحوش الانفعالات.

فمن شرفة العقل نرى البشر أخوة تماماً كما قال زينون: كل البشر أخوة، أي أن على الإنسان، إذا كنت عاقلاً، أن يحب جاره ويحترم الآخر. ويقصد زينون بالجار ليس الجار الجغرافي - المحلي حصراً ولا الجار السياسي ولا الجار اللغوي أو الطبقي أو الطائفي إنه الجار الأخلاقي – العقلي. كما أن فكرة الحب العالمي هي في صميم فلسفة زينون الأخلاقية الجديدة التي شكّلت ثورة في تاريخ الفلسفة عموماً وفلسفة الأخلاق على وجه الخصوص والتي وضعت الأخلاق على الأساس الذي بدونه لا تكون الأخلاق أخلاقاً ألا وهو مبدأ الكونية أو العالمية.

قوانين زينون

إن الشهرة التي يتمتع بها التاريخ الروماني في ميدان الحضارة الإنسانية مردّها إلى القانون الروماني المساوي بين البشر والذي جوهره كان في فلسفة زينون. أما من ناحية القانون عامة والمؤسسات القانونية، فنحن في هذه الأيام نتكلم عن القانون الدولي ومؤسسة الأمم المتحدة وقبلها مؤسسة عصبة الأمم، مثل هذه المؤسسات العالمية ما هي إلا تطبيقاً قانونياً للفلسفة الرواقيّة العالمية.

مبادئ

كلنا أخوة، ورغم تفاوتنا واختلافاتنا يجب أن نعامل بعضنا بعضاً كما لو أننا مواطنون في مدينة أخلاقية واحدة، إذ لا يليق بالانسان ألا يحترم ويحبّ ويعامل بالحسنى أخاه الإنسان. كل البشر أخوة، كل البشر مواطنون، كما أن الحكيم هو القادر على كبح انفعالاته الهوجاء ومنعها قبل سلوكه، كما أن الحكيم هو الذي يكون منسجماً مع قانون الطبيعة الإنساني الذي هو العقل. إن نقاء الروح من الأحكام الخاطئة لا يكون إلاّ بالاحتكام إلى العقل القادر وحده على التوجيه الصحيح والإرشاد المستقيم، فعلى من يحمل المسؤولية الاجتماعية والسياسية، الاهتمام بالآخرين كاهتمامه بذاته، ومعاملتهم كمعاملته لذاته، كذلك على الإنسان أن يعامل الناس بالحسنى ويعمل للمصلحة العامة لهذا عندها يكون محققاً وجوده.

----

المراجع

-الفلسفة الرواقية، عثمان أمين، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1945.

-التأملات، ماركوس أوريليوس، ترجمة عادل مصطفى دار الهنداوي للنشر 2010.

-الرواقية فلسفة عالمية، د.عبود عبود، مجلة الكفاح العربي، العدد 3886، 19 شباط 2007.