يزداد التوجه العالمي للأفراد نحو الاستقرار والعيش في المدن، ومن المتوقع أن يمثل سكان المدن 68 في المائة من سكان العالم في عام 2050 مقابل 54 في المائة حالياً. وتعادل الأنشطة الاقتصادية في المدن حوالي 70 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 19 بالمائة حالياً.

هذا ما تحدث عنه الدكتور جمعة حجازي عضو الهيئة التدريسية في المعهد العالي للبحوث السكانية ومدير عام المرصد العمالي للأبحاث والدراسات من خلاله الدراسة التي قام بالتعاون مع الباحثة راوية إبراهيم سليمان حول استراتيجيات التحول نحو المدن الذكية. وبين حجازي أن التحول إلى المدن الذكية أصبح حاجة ضرورية وملحة ولا سيما ونحن في طور إعادة الإعمار، إذ يتوجب إعادة بناء المدن والضواحي وفقاً لمعايير المدن الحديثة كما هو الحال في مدينة العلا والعلمين في مصر ومدينة نيوم في السعودية ومناطق أخرى. وأشار إلى الاستفادة من التطور الرقمي باتجاه مدن ذكية تعتمد على الديجيتال والمعلومات.

نوعان للمدن الذكية

يؤكد حجازي أن مفهوم المدن الذكية ليس مفهوم اتصالات فقط وإنما مفهوم تنموي بالدرجة الأولى يعتمد على الاستفادة من الموارد البشرية والطاقة والموارد الطبيعية ومن تبادل المعلومات. ويقول: إذا لم نصبح مدناً ذكية في ظل تحول العالم أجمع، فسوف نواجه عدة مشاكل تقنية تتعلق بالتحويل المصرفي بالبنوك وبناء الخدمات ومشكلات في النقل كحركة المطارات والقطارات وغيرها من الأمور التي تجعل التحول إلى مدن ذكية ضرورة ملحة.

يتناول البحث تعريفاً لهذه المدن وخصائصها وما هي العناصر الأساسية والمكونات للمدن الذكية، ويستعرض تطبيقاتها ومزاياها. ويشير إلى نوعين من المدن الذكية الأول: هي مدن قديمة تحاول التأقلم والتحول إلى مدن ذكية وتستقدم معايير المدن الحديثة الناشئة وتحاول تطبيقها على مجموعة مناطق، ومن ثم تتحول إلى مدينة ذكية، أما النوع الثاني فهي مدن تبنى منذ البداية على أسس وقواعد ذكية وتصمم على هذا الأساس مثل بعض المدن التي تم ذكرها سابقاً والمقامة في دول عربية بتصميم ومفهوم الذكاء في البناء.

صلب البحث

يتضمن البحث حوكمة حول استراتيجية المدن الذكية من حيث أنها تتشارك الصفات والغاية التي حددتها رؤية حكومة المدينة ضمن فترة قصيرة وطموحة وعامة. كما أنها تمثل مهمة الحكومة المحلية للمدينة، وتُوجه واضعي السياسة العمرانية نحو التكفير الاستراتيجي لتطوير المدينة وتحويلها إلى مدينة ذكية. ويبين مدير المرصد العمالي للأبحاث والدراسات أنه من الضروري التعرف على المتطلبات الأساسية للتحول إلى مدن ذكية وما هي الخطوات والدراسة العامة، مستعرضاً أمثلة عن تجارب مدن عالمية وعربية، بهدف استنتاج قواعد يمكن الاستعانة بها لعملية التحول والتعرف بطرق تقييم المدن ومؤشراتها. ولفت إلى أن الأنموذج الأوروبي يعتمد على مؤشرات منها الحوكمة والحكومة الذكية والاقتصاد الذكي واستخدام الخرائط التفاعلية، بينما في سورية هناك بعد عن ذلك وخاصة في موضوع استخدام نظام المعلومات الجغرافية ونظام الداتا الأساسية لتصميم المدن وجعلها أكثر تفاعلاً وديناميكية بحيث يتم دعم القرار وبناء الخطط والأنظمة بناء على تدفق كبير للمعلومات وليس معالجة المشاكل. فيكون العمل قائماً لدينا على مبدأ ما يسمى إطفاء الحرائق.

18 مؤشراً في سورية

اعتمد البحث على معيارين هما الاقتصاد الذكي والحكومة الذكية التي هي مفهوم يتطور بحيث ليس بالإمكان أن تكون هذه المدن غير ذكية للحفاظ على استمرارها. فعلى سبيل المثال شركة الموبايلات نوكيا لم تطور نظامها مع النظام الجديد الأندرويد فخرجت من السوق. وبالتالي أنظمة البنوك والتحويل والتسجيل ونظام الإدارة الاقتصادية والتجارية كلها تعتمد على الحكومة الذكية، وإذا لم يتم التطور بهذا الاتجاه سيكون هناك خروج من المنظومة، وبالتالي لا يمكن أن نكون جزءاً من الاقتصاد العالمي الذكي.

ويشير حجازي أنه لدينا في سورية 18 مؤشراً للاقتصاد الذكي، لكننا لا نزال نعيش الاقتصاد التقليدي وإدارته بشكل تقليدي، حتى الطلب على الوظائف يتم بشكل نمطي ولم نستفد من التكنولوجيا والمعلومات في توليد الدخل، وبالتالي في بناء المنظومة الاقتصادية. ويقول: لا تزال لدينا مشاكل كبيرة بالبنى التحتية والتي تحتاج إلى إعادة التأهيل، وهناك تحديات لتحقيق ذلك فهو يحتاج إلى تشريعات وقوانين. ولكن من الجيد أنه لدينا بعض البوادر والمحاولات لتطبيق جزء مما تحدثنا عنه في الضواحي من حيث التخطيط العمراني وقانون التطوير العقاري مثل باسيليا وماروتا سيتي والتي تعتمد على بناء أنظمة جودة، كما أن الحكومة اليوم تعمل بنظام الدفع الإلكتروني والحكومة الإلكترونية وهي خطوات مهمة لكنها تحتاج وقتاً طويلاً.

صديقة للبيئة

من المهم ذكره بحسب الباحث أن دور الاقتصاد الذكي في المدن الحديثة هو بناء مدن صديقة للبيئة ومدن تستفيد من الموارد وتحافظ عليها وتعمل على تجديد دائم للموارد وتحقق الاستدامة. فمدن العالم المتطور تعمل بطريقة تمويل نفسها بنفسها وتحسن نوعية الحياة لجميع الفئات والسكان. وبالتالي ليس المهم بناء نظام مدن قائم على المدن الذكية إذا لم تحقق نمط حياة جيدة، بمعنى أنه يؤثر على خيارات الناس في المستقبل. هذا الأمر تعمل عليه دول العالم وتتجاوز مؤشر السعادة إلى ما يتعلق بنوعية الحياة، بحيث يكون هناك تقييم للخدمات بمدى مساهمتها في توليد حياة أفضل.

مجموعة من التوصيات انتهى بها هذا البحث بعد أن حسب القائمين عليه الفجوة في كل مقياس بين الأنموذج الأوروبي للمدن الذكية وما يلزمنا للوصول إلى هذا الأنموذج. وقد تبين أننا في بعض المؤشرات علينا أن نبدأ من الصفر، وفي بعض المؤشرات يلزم وقت طويل حتى نستطيع إقناع أصحاب القرار للبدء بالعمل.