تعتمد القدرة التنافسية لأي اقتصاد حديث على الجانب الإبداعي، وتأثير هذه القدرة مرهون بالسيطرة على الوظائف المصنفة إبداعية، ومعرفة القيمة الإضافية التي تخلق وتبدع وتحقق علامة تجارية.

يتحدث الدكتور خليل عجمي رئيس الجامعة الافتراضية عن القواعد الأساسية التي يجب تحقيقها للقيام بمشروع وطني متكامل في مجال تبني الإبداع وخاصة الإبداع الرقمي. ففي القاعدة الأولى يقول العجمي إن الاقتصاد القائم على المعرفة هو الاقتصاد الذي أساسه التعلم التكنولوجي، والابتكار هو الذي يساعد على صنع اقتصاد إبداعي. وفي القاعدة الثانية فإن الاقتصاد القائم على المعرفة والاقتصاد الإبداعي هما أساس التنمية الاجتماعية والاقتصادية. إن المبادرات الفردية أمر جيد، ولكن إذا لم يمكن هناك مشروع وطني متكامل وحوكمة ورؤية واضحة وإدارة متبنية، فمن الصعب صناعة بنية تكنولوجية مناسبة، لأن اقتصاد العالم ينطلق من القاعدتين السابقتين.

دراسة حالة

ومن خلال دراسة الحالة التي تحدث عنها رئيس الجامعة الافتراضية، يبين الواقع في سورية على مستوى الحوكمة ودراسة الموضوع بشكل متكامل. تنطلق الدراسة من حيث أن الجامعة الافتراضية في عام 2019 نظمت مسابقة تحت اسم "المحتوى الرقمي العربي"، وكان يفترض من خلالها أن يتقدم طلاب مبدعون بمشاريع لمنصات داعمة للمحتوى الرقمي العربي في الموسيقى والصحافة والإعلام والنشر والتأليف. وكان عدد المشاركين في ذلك الوقت 224 متسابقاً، وتم تحديد الأعمار بألا تتجاوز الثلاثين سنة لكي يكونوا في عمر الشباب. وكان عدد المشاريع المقدمة حوالي 120 مشروعاً. وبعد فوز المشاريع ومحاولة احتضانها، لم تستطع الجامعة احتضانها أو دعمها ضمن آليات القطاع العام، ولم تستطع إقناع شركات القطاع الخاص بتبني هذه المشاريع؛ حيث توقفت العروض لديهم بأن يصبح صاحب المشروع موظفاً في تلك الشركة، ما دفع الشباب أصحاب المشاريع لرفض هذه العروض. وهو الأمر الذي دفع الرابحين الخمسة الأوائل الى الهجرة خارج الوطن.

تحديات

تمت إعادة المسابقة هذا العام 2022 بالتعاون مع الاتحاد الوطني لطلبة سورية بهدف نشرها وإيصالها إلى أكبر شريحة من الطلاب، وتم توسيعها ليس فقط على تطبيقات المعلوماتية، بل تم إدخال تطبيقات أخرى، كما تركت شريحة الأعمار مفتوحة. ومع ذلك فقد انخفض أعداد المتسابقين ولم يتقدم سوى 147 متسابقاً و94 مشروعاً. وكان هناك مشكلة من خلال التحدث إلى الأشخاص وإقناعهم بالتقدم إلى المسابقة، وخاصة بعد أن تبين أنهم بانتظار الهجرة. وهذا مؤشر كبير على حجم التحديات التي تواجه الصناعة الإبداعية.

تحديات الصناعة الإبداعية

يبين الدكتور خليل أن التحديات تأخذ طابعاً عاماً وطابعاً مؤسساتياً، فعلى المستوى الأول نجد أن التحديات تتعلق بروتين التمويل الصغير وآلية تقديم القروض الخاصة وعدم قدرة أصحاب الأفكار الإبداعية على الوصول إلى التمويل بسهولة, إذ إن المصارف لا تعمل وفق فكرة تمويل صغير وإنما تعمل بعقلية مصرفية ربحية. لتأتي بعدها مشكلة الترخيص المترافقة بموضوع دفع الضرائب، وهذا الأمر يكون عادة في الأعمال الإبداعية في كل دول العالم، حيث تعفى ما بين 3 حتى خمس سنوات من الضرائب. أما التحديات التي لها طابع مؤسساتي تشريعي تكنولوجي، فتتعلق بعدم وجود بيئة تحتية تقانية، وعدم وجود بيئة تمكينية، وبالتالي عدم القدرة على استضافة مشاريع تحتاج إلى تدفق عال من الدفع الإلكتروني وتشريعات مناسبة تسمح له باستثمار أفكاره الإبداعية.

على سبيل المثال إذا أراد مايسترو إنشاء قناة خاصة به يضع عليها كل أعماله ويجني منها أرباحاً، لن يجد بيئة تحتية تسمح له كما هو الحال على اليوتيوب، وعندما يذهب إلى اليوتيوب ليعمل البرنامج الخاص به سيقع في ورطتين، الأول إذا أراد معلومات شخصية من الناس الذين سيعملون سبريسبشن لديه سوف يتهم من قبل إدارة الاتصالات أنه يسرب بيانات شخصية لأشخاص سوريين. وقد يقع في ورطة كيف سيحصّل الأموال من اليوتيوب لقاء برنامجه. وهذا غير موجود حالياً.

ويرى الباحث أن قانون الجرائم المعلوماتية وتعديلاته الذي صدر مؤخراً، وعلى الرغم من أنه كان حلاً لمشكلات كثيرة، إلا أنه أوقعنا في مشكلات أخرى ناتجة عن ضبابية التعاون مع المحتوى. فعلى سبيل المثال إذا أراد شخص نشر محتوى عن موضوع ما، فقد يلاقي الكثير من الانتقادات لمجرد أنه لا يعجب بعض الأشخاص. ولو فرضنا أن هذا المحتوى كان موسيقى لأحد الفنانين، وكان هذا الشخص غير مرغوب به، فإن ذلك يخلق مشكلة وفقاً لقانون المعلوماتية. وهذا ما تحدث عنه الشباب الذين أحجموا عن الاشتراك بالمسابقة التي تم الإعلان عنها في الجامعة الافتراضية.

على طريق الحل

يتحدث العجمي عن مساعي حالية لحل المشكلة الأولى وهي أن وزارة الاتصالات والتقانة تعمل ما يسمى السحابة العمومية التي من خلالها يمكن استضافة تطبيق والعمل على اليوتيوب وقد يكون الافتتاح مع بداية العام القادم، حيث تصبح هناك قدرة على فتح منصات خاصة بنا ومنصات محتوى. إضافة إلى قانون حماية البيانات الشخصية اليوم قيد التحضير، وفي حال إصداره يمكن التخفيف من العوائق الروتينية للعمل في البيئة الرقمية.

الحماية الفكرية

في هذا الجانب لا يزال هناك إشكاليات وخاصة فيما يتعلق بالمؤلفات التي طابعها رقمي، كيف يتم حفظها من النسخ ومن السرقة أو الاقتباس بشكل فردي. ويوضح الباحث هنا أن المشكلة ليست في الدفع الإلكتروني فهو أمر محلول داخل سورية، وإنما المشكلة كيف يعرض الكتاب وكيف تتم حمايته من السرقة. وهو الأمر الذي دفع الجامعة الافتراضية لكي تحل الإشكال بفتح الكتب وجعلها عامة ومتاحة للجميع بشكل مجاني تحت عنوان المشاع المبدع. وبالتال تم الاستغناء عن حق الملكية مقابل فقط أن يضع الطالب أو المتصفح أو المقتبس إشارة أن هذه المعلومات مأخوذة من كتاب الجامعة الافتراضية.

وعليه يرى العجمي حاجتنا إلى سياسة وطنية للملكية الفكرية للكتاب الرقمي. وتشمل حلاً لموضوع الإجراءات الخاصة، من حيث إيجاد تشريعات خاصة بهذا الكتاب، وتنظيم موضوع التمويل الخاص بالتفكير الإبداعي والمشاريع الإبداعية. وهذا الأمر مطلوب ويعني العديد من الجهات للوصول إلى مشروع وطني جامع يحمل أفكاراً جديدة مغايرة للأفكار القديمة والسائدة.