في خطة العمل المناخية المحدثة التي قدمتها مؤخراً إلى الأمم المتحدة، ذكرت الهند تبني أسلوب حياة صديق للبيئة كوسيلة رئيسية لمكافحة تغير المناخ. لكن هل تستطيع الدولة موازنة ذلك مع طموحاتها الاقتصادية الصاعدة؟

يتعين على الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ تقديم خطة - تسمى المساهمة المحددة وطنياً (NDC) - كل خمس سنوات. يجب أن توضح هذه الخطة بالتفصيل كيف تخطط هذه الدول للحد من انبعاثات الكربون - للمساعدة في إبطاء ظاهرة الاحتباس الحراري - والتكيف مع آثار تغير المناخ.

تتضمن المساهمة المحددة وطنياً المحدثة في الهند تدابير مثل تقليل حجم انبعاثات الكربون لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي وتقليل استخدام الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء.

نفايات بلاستيكية

ولكن على رأس القائمة يوجد "LiFE - Lifestyle for Environment"، "أسلوب حياة صحي ومستدام قائم على تقاليد وقيم الحفظ والاعتدال، بما في ذلك من خلال حركة جماهيرية واسعة تتبنى هذا الأسلوب".

وجاء في بيان حكومي: تتمثل رؤية LIFE في أن نعيش أسلوب حياة يتماشى مع احتياجات كوكبنا ولا يضره. تم اقتراحه لأول مرة من قبل رئيس الوزراء ناريندرا مودي في قمة COP26 في غلاسكو في عام 2021.

لكن الخبراء يقولون إن هناك تناقضاً بين هذا الهدف والزيادة في الاستهلاك التي تدفع وتحفز على النمو الاقتصادي. يقول الدكتور نيلانجان جوش، رئيس الجمعية الهندية للاقتصاد الإيكولوجي ومدير مؤسسة Observer Research Foundation: إن الحداثة تعني في الأساس زيادة الاستهلاك. ومفهوم LiFE لا يتوافق مع اتجاه الاستهلاك هذا.

تزايد الاستهلاك وارتفاع الاقتصاد

تعد الهند الآن من بين أكبر الاقتصادات في العالم، مع نمو يقدر بنحو 7 % هذا العام - وهذا في وقت تواجه فيه القوى الاقتصادية الكبرى الأخرى الركود.

في حين أن التضخم والرياح المعاكسة العالمية تستدعي القلق، فإن طلب المستهلكين قوي. حيث يشكل الاستهلاك الخاص حوالي 55 % من الناتج المحلي الإجمالي للهند، ويتوقع الخبراء أن يستمر هذا في دفع عجلة النمو. يقول الدكتور غوش إن هذا هو سبب وجود "انقسام" في تركيز الحكومة على حملة LiFE. ويتابع: "هل ستكون هناك إجراءات قوية وملزمة لتبني أسلوب حياة مختلف، أم أنه سيكون مجرد عمل لن يخرج من إطاره النظري كالمعتاد".

تقول أوجيني دوغوا، الأستاذة المساعدة في الاقتصاد البيئي بكلية لندن للاقتصاد، إن حلول أزمة المناخ ستحتاج إلى التركيز على الناس العاديين مثلما فعلت حملة LiFE. وتضيف: لكن لا ينبغي أن نكون مفرطين في التفاؤل بشأن مقدار خفض الانبعاثات الذي سينتج عن تطبيق هذه الحملة، مضيفة أن البحث يظهر أنه في حين أن مثل هذه التنبيهات يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على المدى القصير، إلا أن هذا لن يكون مستداماً على المدى الطويل.

وتضيف أن التغيير السلوكي "ضروري ومهم"، لكنه لا يمكن أن يكون الأداة الرئيسية لواضعي السياسات للوصول إلى المستوى المطلوب من الحد من الانبعاثات. تقول: بدلاً من ذلك، تحتاج الحكومات إلى التركيز على التغيير الهيكلي في أنظمة الطاقة والنقل والزراعة.

زيادة في الطلب على الطاقة

إن أكبر مصدر لانبعاثات الكربون في الهند هو قطاع الطاقة؛ حيث صرحت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الصادر في أكتوبر/ تشرين الأول أن الهند من المرجح أن تشهد أكبر قفزة في العالم في الطلب على الطاقة خلال هذا العقد، على الرغم من أن استخدامها للطاقة على أساس نصيب الفرد أقل بكثير من نصف المتوسط العالمي. يعتقد بعض الخبراء أن التغييرات في نمط الحياة ممكنة حتى مع الارتفاع المستمر في الاستهلاك.

يقول مادهاف باي، الرئيس التنفيذي بالإنابة لمعهد الموارد العالمية في الهند: لا يتعلق الأمر بمطالبة الناس بعدم شراء مكيفات الهواء على سبيل المثال، ولكن يمكننا أن نتعود على إبقاء درجة حرارة غرفتنا عند 25 درجة مئوية، ما سيؤدي إلى خفض استهلاكنا للطاقة. يعتبر معهد الموارد العالمية منظمة دولية غير حكومية تعمل مع الحكومة الهندية لنشر رسالة برنامج LiFE والعمل على تطبيق هذه الرؤية. يقول باي إن الحملة تتصور مساعدة الناس على تغيير نمط حياتهم تدريجياً. "إنها إشارة إلى 1.5 مليار هندي لتغيير السلوك نحو اقتصاد دائري - لجعلهم يشتركون فيه".

رسالة أكبر

وضعت الحكومة الهندية أيضاً رؤية LiFE كرسالة إلى الدول الغربية. كتب وزير البيئة وتغير المناخ الهندي بوبندر ياداف في صحيفة إنديان إكسبريس في أكتوبر/ تشرين الأول، بعد أيام من كشف السيد مودي النقاب عن خطة عمل لـمهمة LiFE: إن نمط الاستهلاك في العالم طائش ولا يهتم كثيراً بالبيئة. وأضاف: "تحاول رؤية LiFE تذكير العالم بأن عقلية "الاستخدام والرمي" يجب استبدالها على الفور بعبارة "تقليل الاستهلاك وإعادة الاستخدام وإعادة التدوير". لكن يجب ألا يغيب عن ذهننا أن الهند تواجه أيضاً نصيبها من المشكلات البيئية الخطيرة؛ حيث أظهر تقرير صادر عن مركز العلوم والبيئة مقره دلهي أن الهند أنتجت 3.5 مليون طن من النفايات البلاستيكية بين عامي 2019-2020، منها 12% فقط أعيد تدويرها و 20% أحرقت. وذكر التقرير أن "نسبة 68% المتبقية لا تزال في عداد المفقودين، ما يعني أنها موجودة في البيئة (الأرض والمياه) أو في مكبات النفايات". ووجدت أيضاً أن ثلاثاً من كل أربع محطات لرصد الأنهار في الهند سجلت مستويات مقلقة من المعادن الثقيلة السامة. كما يعد تلوث الهواء مصدر قلق كبيراً، خاصة في ولايات شمال الهند. حيث صنف تقرير للبنك الدولي صدر في وقت سابق من هذا العام الهند من بين البلدان التي لديها أسوأ صحة بيئية - وقد طعنت الحكومة في منهجية التقرير وقدمت معاييرها البيئية والاستدامة. كما اتُهمت الحكومات المتعاقبة بتجاهل القوانين البيئية بينما تضغط من أجل مشاريع البنية التحتية والتنمية، لا سيما في منطقة الهيمالايا الهشة.

يقول الخبراء إن كل هذه المشكلات الجدية الكبيرة تحتاج إلى معالجة حقيقية من قبل حكومة تريد من الناس تغيير أنماط حياتهم لمحاربة تغير المناخ. يقول الدكتور غوش: "يجب أن يكون التغيير مفيداً". "يجب أن تكون (تصرفات كل من الحكومة وسلوك الناس) منسجمة".

ولنلق نظرة الآن على التعهدات التي قطعتها الهند. قالت الهند في تعهداتها - المعروفة باسم المساهمات المحددة وطنياً (NDC) - إنها ستخفض كثافة انبعاثات ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 45% بحلول عام 2030. هذا مقياس لكمية غازات الاحتباس الحراري المنبعثة لكل وحدة نشاط اقتصادي، ولدى الهند الآن هدف أكثر طموحاً من خفض 33-35% الذي تم تحديده قبل COP26. لكن انخفاض كثافة الانبعاثات لا يعني بالضرورة انخفاض إجمالي الانبعاثات.

انبعاثات الكربون في الهند

كانت الهند ثالث أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون من حيث الحجم في عام 2020، على الرغم من أن انبعاثاتها للفرد كانت أقل من المتوسط العالمي، وفقاً لتقرير فجوة الانبعاثات الصادر عن الأمم المتحدة.

يظل تاريخها المستهدف للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية عام 2070 - بعد ذلك بكثير من التاريخ الذي حددته العديد من البلدان الأخرى ولا يتماشى مع اتفاقية باريس، التي اقترحت عام 2050 كموعد مستهدف لصافي الصفر للحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية.

صافي الصفر هو المكان الذي لا يضيف فيه بلد ما إلى الكمية الإجمالية لغازات الدفيئة في الغلاف الجوي. وأكدت الهند أيضاً تعهداتها بتوليد 50% من طاقتها الكهربائية من مصادر الوقود غير الأحفوري بحلول عام 2030، وهدفها المتمثل في الحفاظ على الغطاء الحرجي، الذي يعمل كبالوعة للكربون. ومع ذلك أعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي في مؤتمر الأطراف الأخير أن 500 جيجاوات من طاقته ستكون من مصادر الوقود غير الأحفوري بحلول عام 2030. لكن هذا لا يظهر في التعهدات المحدثة الممنوحة للأمم المتحدة.

الهند بحلول عام 2030

تقول نانديني داس، خبيرة اقتصادية في المناخ والطاقة في شركة Climate Analytics، إن الهند يمكن أن تساعد في الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية - ولكن فقط إذا بلغت انبعاثاتها ذروتها في أسرع وقت ممكن وإذا انخفضت بحلول عام 2030 بنسبة 16% عن مستوياتها عام 2005.

تقول داس: إذا وصلت إلى الذروة في وقت مبكر، فمن السهل أن تخطط لانتقال طاقتك في النصف الثاني من القرن. وقد صرح راميشوار براساد جوبتا، وزير البيئة الهندي، العام الماضي بأن انبعاثات البلاد ستبلغ ذروتها بين عامي 2040 و 2045 ثم تنخفض.

تمتلك الهند حالياً القدرة على توليد ما يزيد قليلاً عن 40% من طاقتها من مصادر متجددة اعتباراً من سبتمبر من هذا العام، لذا فإن هدف 50% يمكن تحقيقه بحلول عام 2030، وفقاً للأمم المتحدة ومتتبعي العمل المناخي. لكن بيانات وكالة الطاقة الدولية (IEA) تظهر أن الفحم لا يزال مصدراً رئيسياً لتوليد الطاقة. ومن المقرر أن تزداد متطلبات الفحم في الهند بنسبة 50% في العقد المقبل، وفقاً للتقديرات الرسمية.

تقول داس إن الهند ترسل إشارات مختلطة لأنها "توسع" بسرعة قدرتها المتجددة، لكنها في نفس الوقت تزيد من استهلاك الفحم.

امتنعت الهند أيضاً عن توقيع اتفاق في COP26 العام الماضي لخفض انبعاثات غاز الميثان، وهو أحد أكثر الغازات المسببة للاحتباس الحراري، والتي تعد الهند مصدراً رئيسياً لها.

أبرزت الهند عدة مرات أنها تريد تغطية ثلث مساحة أراضيها بغطاء الغابات، ما قد يساعد في امتصاص الكربون من الغلاف الجوي. تخطط الهند لزراعة ما يكفي من الأشجار بحلول عام 2030 لامتصاص 2.5-3 مليار طن إضافي من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

على الرغم من وجود مبادرات إعادة زراعة في الأجزاء الجنوبية من الهند، فقد فقدت المنطقة الشمالية الشرقية الغطاء الحرجي. ويبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الهند من الإيفاء بالتزاماتها وكيف ستتحق ذلك؟!

----

بقلم: نافين سينغ خادكا و شروتي مينون

ترجمة عن موقع: BBC News