ولد الدكتور محمد فرزت النشاوي في أحد أحياء دمشق القديمة أيام الاستعمار الفرنسي. تعلم منذ طفولته حبه للوطن وتعلقه به، وقبل أن يصبح طبيباً مشهوراً، كان هاوياً للرياضة في ريعان الشباب، فبرع في كرة السلة حتى أصبح من المنتخب الوطني، ومن ثم قائداً للمنتخب الوطني السوري لكرة السلة، إلى أن حان موعد التحاقه بكلية الطب بجامعة دمشق حيث تخرج منها عام 1955 بعد أن أمضى سنة إضافية كمقيم في الجراحة العامة.

الدكتور محمد فرزت النشاوي أحد مؤسسي الجمعية السورية للمسالك البولية، والذي عمل على تأسيسها نظراً لمحبته لهذا الاختصاص وأهمية تطويره، يقول متحدثاً عن نفسه: شعرت بالزهو أثناء تخرجي من كلية الطب البشري وخاصة عندما أقسمنا اليمين في باحة الجامعة أمام الأهل والمدعوين والأساتذة، وأتمنى أن يتم القسم في هذه الأيام بنفس الطريقة.

ويبين الدكتور النشاوي أنه بعد التخرج التحق مباشرة بخدمة العمل والتي أمضى منها مدة ستة أشهر في مستشفى ميداني في الجولان، حيث كان له في تلك المنطقة ذكريات كثيرة. وبعدها سافر إلى أمريكا والتحق بأحد أكبر مستشفيات نيويورك التابع لجامعة الولاية نفسها.

فرزت النشاوي

الحصول على البورد

أنهى الدكتور فرزت النشاوي اختصاصه في نيويورك، وعاد إلى مدينته القديمة عام 1962 بعد موجة الاشتراكية، وبدأ عمله بجراحة المسالك البولية حصراً دون أي شيء آخر، مع أنه يملك خبرة كبيرة بالجراحة العامة ورغم صعوبة الأمور المادية في السنوات الأولى من عمله. وقد كان في تلك الفترة العديد من الأطباء يرغبون بالتوجه إلى هذا الاختصاص.

في بداية السبعينات من القرن الماضي وقبل التحاقه بجامعة دمشق كمدرس، قرر الدكتور النشاوي الالتحاق بالبورد الأمريكي، وبالفعل ذهب إلى أمريكا وحضر عدة دورات تقدم بعدها إلى الفحص الشفهي وثم الكتابي وفحص بالأشعة، وحصل على شهادة البورد الأمريكي ليكون أول سوري يحصل على شهادة البورد بالجراحة البولية.

تأسيس الجمعية

يقول الدكتور النشاوي: بعد هذه الفترة سرت بطريقين، الأول هو متابعة العمل بالجراحة البولية فكانت فكرة تأسيس الجمعية السورية للجراحة البولية بالتعاون مع بعض الزملاء، فكتبنا النظام الداخلي والأهداف والطلبات وتقدمنا بها إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وبعد فترة من الوقت حصلنا على ترخيص الجمعية التي كان أول رئيس لها المرحوم الدكتور منير شورى. وبعدها توالت الأمور وتناوب الزملاء على الرئاسة، وكان هناك تطوير للجمعية وتحسين لوضعها. ومنذ ذلك الوقت انطلقنا بالجمعية بعقد المؤتمرات التي كنا ندعو إليها الأطباء السوريين، وفيما بعد أصبحنا ندعو إليها أعلام الجراحة البولية لحضور المؤتمرات من أنحاء العالم ومن البلاد العربية.

أما الطريق الثاني فهو السير نحو العمل النقابي، وتدرجت به إلى أن انتخبت في عام 1977 نقيباً لأطباء دمشق، ومن خلال وجودي في النقابة تمكنت من إيصال الكثير من المشكلات المتعلقة بالمهنة إلى المعنيين وإطلاعهم على المتاعب التي تواجه الأطباء ومهنة الطب.

مناسبات وذكريات

يرى الدكتور فرزت النشاوي أن مهنة الطب مظلومة ولا يمكن مقارنتها بأصحاب المهن الحرة التقليدية، فهذه مهنة إنسانية وأجورها أقل من أجور عامل الصحية في ذلك الوقت. وبين أنه لا يجب النظر إلى نسبة الـ 10% من الأطباء الذين أوضاعهم جيدة ولديهم شهرة كبيرة فهناك نسبة كبيرة من الأطباء مظلومين، لا يتجاوز دخلهم دخل بعض بائعي البسطات.

ويقول إنه في عام 1973 عندما قصفت طائرات الكيان الصهيوني مبنى النقابة وتسببت في هدمه، تمكنا من إعادة البناء خلال فترة قصيرة، وفي حفل الافتتاح تحدثنا مع المسؤولين بأن نقابة الأطباء ليست هدفاً عسكرياً، ولكن الكيان الصهيوني قصفها لتخريب العلم ودفع العلماء والأطباء لترك البلد، ولهذا يجب تكريم العلماء وتقديم التسهيلات لهم والمحافظة على كرامتهم. وقال إن الطبيب لا يقارن بالأمور المادية، فلا يمكن أن تحصل على طبيب ذي خبرة واسعة إلا بعد سنوات طويلة من الجهد والسهر والعلم.

في محطة ثانية أشار إلى أنه طُلب منه تقديم مشروع التفرغ، وفي وقتها كان المرضى يذهبون إلى مدينة الحسين الطبية طلباً للعلاج، وكان هناك أكثر الأطباء متفرغين، وعليه وضع مشروع التفرغ وفقاً لبنود لا إجبار فيها على التفرغ ومدته خمس سنوات، وفي المقابل أن تقدم الدولة للطبيب المسكن اللائق ووسيلة نقل مريحة وراتب مرتفع.

ومن ذكرياته في أوائل الثمانيات من القرن الماضي والتي تحدث عنها، كانت حول بداية انتشار المستشفيات في سورية وكانت على مستوى عال من التجهيزات والمستلزمات، فخرج باسم النقابة بفكرة منح هذه المستشفيات ميزة تدريب الأخصائيين في هذه المشافي بدلاً من الذهاب إلى الخارج. ومن المهم ذكره أن الدكتور فرزت النشاوي عمره حالياً 93 عاماً، وقد تم تكريمه من المؤتمر السادس والثلاثين لجراحة المسالك البولية كأحد المؤسسين لهذه الجراحة، وله بصمة وباع طويل في هذا المجال.