تسير الدراسات الميدانية المسحية الآن في مختلف مناطق العالم، نحو معرفة تأثير الممارسات الخاطئة على النباتات البرية خاصة الغذائية والطبية والعطرية؛ حيث بدأ الاهتمام في الآونة الأخيرة بشدة بعلوم البيئة وما يهددها من ممارسات غير صحيحة أفرزتها الحضارة غير المدروسة.

لسنا في سورية بعيدين عن هذا الخطر الذي بدأ يدق في مختلف التقسيمات البيئية، والذي منه نستنتج أهمية البحث الذي تم تنفيذه في المنطقة الغربية من محافظة حمص بهدف الدراسة الميدانية لتأثير بعض هذه الممارسات الخاطئة مثل الملوثات والنفايات في البيئة الطبيعية من الناحية النباتية البرية الطبية والعطرية وما يحيط بها من تنوع حيوي وأهم المشاكل التي تهدد استمرارية وجودها والمشاريع المقترحة مستقبلاً.

بيّن الدكتور ميشيل زكي نقولا، أستاذ وباحث في كلية الزراعة في جامعة البعث، أهمية هذه الدراسة التي بدأت منذ 15 عاماً ضمن ما يسمى المشروع الثقافي التنموي القائم على تقسيم المناطق البيئية في سورية إلى خمسة أقسام ودراسة كل منها على حدة؛ حيث تم التركيز البحثي على المنطقة الغربية لسورية والتي تشمل مدينة طرطوس ومنطقة الوادي وصافيتا، من قبل مجموعة من الباحثين يعمل كل منهم حسب اختصاصه من الناحية الطبية والاقتصادية، والأمراض التي تصيب المنطقة. كانت تلك الدراسة حول الممارسات الخاطئة للنباتات الطبية والعطرية والغذائية البرية الموجودة في الطبيعة، وليست التي يزرعها الإنسان، وخاصة بعد اكتشاف أنواع من النباتات النادرة في بعض القرى والمناطق الجبلية؛ حيث تم تصنيفها وتسميتها باللغتين العربية واللاتينية.

تهديد البيئة

وأوضح الدكتور نقولا أن التعريف بهذه النباتات والتسمية اللاتينية أخذت منهم جهداً ومعاناة كبيرة، على الرغم من أنها كانت تستخدم من قبل سكان المنطقة منذ القدم بعضها للغذاء وبعضها للوقاية من الأمراض أو علاجها، في الوقت الذي لم يكن هناك طب متطور أو أبحاث ودراسات. ولفت الدكتور نقولا إلى ما أظهرته الدراسة من تناقص كبير بأنواع النباتات التي كانت موجودة فيما مضى بكثرة، وإلى ما تم اكتشافه من أنواع لم يتوقع العلماء الأجانب أنها موجودة على الأراضي السورية، فعملوا على تصويرها ودراستها ومن ثم تسميتها وفقاً لشقين، الأول وهو الصنف ووضعوا تسميته باللغة اللاتينية، والشق الثاني وهو النوع، وتمت تسميته بإضافة سيريا إلى كل صنف أو نوع بما يوضح أن هذا النبات سوري الأصل.

خسائر كبيرة

من خلال متابعة الدراسة، أكد الباحث أن هناك تجاوزات كثيرة وخسائر كبيرة بالعديد من أصناف النباتات نتيجة الممارسات الخاطئة للمبيدات الزراعية والأسمدة الكيمائية وتلوث المياه الجوفية والرعي الجائر، وقد لحق ذلك جميع الأنواع من الأشجار والنباتات والشجيرات في المنطقة. وأشار إلى أن أكثر الأمور المؤثرة في هذا الجانب هي المخلفات الناتجة عن السياحة وعن المطاعم والمقاصف المتواجدة في تلك المناطق والتي ترمي كل مخالفاتها في الطبيعة بشكل عشوائي. ويتضح ذلك من خلال مثال بسيط وقريب، فبعد الانتهاء من الاحتفالات والغناء التي كانت عامرة في مهرجان القلعة والوادي الذي أقيم هذا العام، استمرت الروائح الكريهة التي بقيت تفوح في القلعة وبين الأشجار والسواقي الناتجة عن الكب العشوائي لمخالفات الناس وعدم الانتباه إلى هذا الجانب.

الأرض المقدسة

صدق العلماء عندما وصفوا سورية بالأرض المقدسة بحضارتها وتنوعها الحيوي وأصناف النبات فيها، ولكن ما يحدث لهذه الأرض في الفترة الحالية يجعلها في خطورة كبيرة، فهناك نباتات في منطقة الدراسة تصل إلى مرحلة النهاية، وإن كان الجور على الطبيعة يحدث بحجة السياحة. يرى الدكتور نقولا أن السائح لا يأتي من أجل الطعام والشراب، بل هو يفضل الطبيعة كما هي، فهناك فهم خاطئ للسياحة، أدى إلى تدمير البيئة، فلم تعد الأمطار غزيرة كما عهدناها في هذه المناطق، ولم تعد الثلوج تغطي السفوح، وأصبح الصيف شديد الحرارة، وكلها دلائل على تدمير البيئة.

النتائج

لقد بينت نتائج هذه الدراسة تأثير أغلب الملوثات بمنطقة الدراسة وأهمها معاصر الزيتون والاستعمال العشوائي للمبيدات الكيماوية وتلوث المياه الجوفية ومجاري الأنهار بمياه الصرف الصحي على أهم الأنواع النباتية وخاصة الطبية والعطرية في منطقة البحث، والتناقص الحاصل في أعدادها المختلفة، وذلك بدءاً من 30% حتى 50% للنباتات البرية ومن 50 حتى 70% للنباتات الطبية غير الغذائية ومن 70 إلى 90% للنباتات الطبية والمأكولة و90% للنباتات الكبيرة.

محميات طبيعية

قدم الباحث جملة من المقترحات التي من شأنها أن تساهم في وقف التدهور الخطير للبيئة الطبيعية، ولأجل توضيح كافة المعلومات للإدارات والمنظمات المهتمة بهذه المواضيع، بغية إنشاء محطات معالجة لمياه الصرف الصحي ومخالفات معاصر الزيتون واستعمال الأسمدة القليلة التأثير على البيئة كالأسمدة العضوية وتأسيس محميات طبيعية تتمتع بكل ما يلزم لبقائها واستمرار تطورها، وذلك بعيداً عن كل مصادر النفايات والملوثات وتشجيع السياحة البيئية الطبيعية. وتمنى الباحث أن تراعي المؤتمرات هذه الأمور وتكلف باحثين معنيين للعمل من أجل الحفاظ على البيئة لبناء موسوعة علمية تتضمن تصنيفاً كل ما يوجد في البيئة السورية من شجيرات وحيوانات وطيور وأشجار ونباتات بشكل دقيق. إضافة إلى تشكيل لجنة علمية بحثية تهتم بالبيئة للمحافظة على الشيء الموجود، ويكون كل باحث مسؤول عن الجانب المكلف به.