هناك مساعٍ مثمرة لإطلاق منصة معلومات سوق العمل السورية الهادفة إلى تحسين شروط التشغيل في السوق المحلية، والحد قدر الإمكان من الاختلافات الموجودة فيها.

بيّن الدكتور أكرم القش أستاذ بجامعة دمشق وباحث في مجال التنمية السكانية، أن هذه المنصة تعتبر بمثابة نظام معلومات متكامل يبنيه المستخدمين أنفسهم بكل فئاتهم، فالحديث يشمل: أصحاب وطالبي العمل أي الموظفين والعاملين، والراغبين بالعمل ومستخدمين مُطلعين والمستثمرين وأصحاب القرار. وكل جهة من هذه الجهات تقدم ما لديها، فأصحاب العمل يقدمون الوظائف الشاغرة لديهم والخبرات المطلوبة، بينما يقدم طالبي العمل احتياجاتهم.

إن النظام الجديد سوف يقوم بمطابقة بين العرض والطلب، وهذا شيء إيجابي يتم من خلاله تنظيم سوق العمل، وخاصة أن هناك الكثير من الضياع بين أصحاب العمل والباحثين عن فرصة تناسبهم. فقد يكون هناك فرص عمل لا تجد الذين يحتاجونها ولا يستطيعون الوصول إليها، وقد لا يهتدي طالب العمل إلى الفرصة التي يريدها مع أنها مطروحة في السوق ومطلوبة. وعليه فإن المنصة تعني بهذا الجانب من تنظيم سوق العمل.

حسن فلاحة

نظام ذكي

المنصة اليوم لا تكتفي بالعمل السابق، فهي منصة وطنية تشترك فيها كل الجهات العامة والخاصة والأهلية، وبالتالي هي منصة متكاملة يشارك فيها المتأثرين والمؤثرين بهذا السوق وهي مفتوحة للجميع، لطالب العمل وصاحبه والمخطط والباحث وأصحاب القرار والمدرب. وأكد القش أن النظام الجديد يتضمن موقعاً فيه كل احتياجات سوق العمل بطرفيه. وله إدارة وطنية تعمل على تنشيط الموقع وتقدم تقارير ومعلومات استباقية تخص سوق العمل. ومنه سيكون هناك إمكانية لمعرفة الفرص الأكثر طلباً، وما هو التأهيل والتدريب المطلوب في كل فترة زمنية، وسيكون هناك مشاركة مع وزارة التعليم العالي لتبيان ما هو المطلوب منها في عملية تطور مناهجها للوصول إلى التطابق بين الخريجين وسوق العمل أو العكس. ومن جهة ثانية سيتعرف أصحاب العمل على التطورات المستقبلية في التعليم والتأهيل والتدريب، لكي يعملوا على تطوير إنتاجهم وأنماط استثماراتهم والتوسع في العملية الإنتاجية.

وتحدث الباحث عن دور هذا النظام المعلوماتي في حل مشكلة التوزيع المكاني للصناعات، ومعرفة ما هي الفجوات في التشغيل والإمكانيات لكي نستطيع توزيع قوة العمل والاستفادة من كل إمكانياتها على المستوى المكاني. فطالب العمل عندما لا يجد فرصة تناسبه بالمكان الموجود فيه سيفكر في الهجرة، وعليه فإن وقبل التفكير في الهجرة لماذا لا يتعرف هذا الشخص على ما هو موجود في البلد من حراك مهني. وأشار الباحث إلى الدور المتعلق بتطوير المهارات، فمن يعمل في مجال معين ويريد الانتقال إلى مجال أوسع، يستطيع معرفة كيفية ذلك من خلال المنصة، وسوف يتطلع إلى الاحتياجات المطلوبة وأين يمكن تحقيق هذا التطوير، وتحسين وضعه الوظيفي والمهني.

وبيّن الدكتور القش "أن التفكير بالعمل على هذا النظام بدأ منذ عام 2004 أي من بداية القرن الحالي، ولكن الظروف التي مرت بها البلد أخرت هذا الأمر، علماً أننا كنا من السباقين على مستوى الوطني العربي في إيجاد نظام معلومات سوق العمل. وأنه رغم تأخرنا فيه إلى هذا اليوم، إلا أن العمل يتم من أجل نظام متكامل، مرن قابل للتطوير مستقبلاً، قادر على تنظيم سوق العمل، وأن يكون فرصة ووسيلة للتطور في مرحلة إعادة الإعمار والتعافي".

رقم وطني

هناك حاجة ماسة اليوم لنظام معلومات ذكي لردم الفجوة بالمعلومات والبيانات والاستشراف المستقبلي الذي سينظم سوق العمل بشكل أفضل. يبين معاون وزير الشؤون الاجتماعية والعمل محمد فراس نبهان: إن فائدة هذا النظام الوطني أنه للجهات الحكومية والخاصة، ومعلوماته تكون من المستخدمين نفسهم بالإضافة إلى معلومات الجهات الرسمية والجهات المعنية بتطوير العمل. لافتاً إلى مشاركة فئة الشباب في إحداث المشروع من خلال الاستماع إلى آرائهم ومقترحاتهم وأفكارهم حوله بما يساعد في الوصول إلى قاعدة بيانات دقيقة عن سوق العمل، مشيراً إلى أن المشاركين في ورشة العمل الثانية حول المشروع هم من الشباب والشابات الذين يمثلون عدة محافظات (دير الزور، اللاذقية، طرطوس، السويداء، الحسكة، حلب، دمشق والقنيطرة) وهم من مختلف الاختصاصات العلمية. وأضاف أن الهدف من الورش الخاصة بالمشروع هو الوصول إلى سوق عمل منضبط ورقم وطني دقيق يمكّن الجهات المعنية من بناء معطيات واستراتيجيات توضع أمام صانعي القرار فيما يتعلق بسوق العمل في سورية.

حسن فلاحة مدير برنامج سوق العمل ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بيّن أن المشروع وصل إلى مراحل متقدمة من الإنجاز، فقد تم إنجاز تقرير أولي بناء على الدراسات والقوانين الموجودة، وتم تنفيذ ورش عمل، شارك فيها ممثلون من جميع الجهات المعنية، وتم تنفيذ اجتماعات متعددة الجوانب بما يخص النظام، وتم تأسيس لجنة وطنية لتطوير النظام وتشغيله من عدة وزارات، وتم تعريف بنية النظام والعمل على الأنموذج الأولي لنظام معلومات سوق العمل الذي يضم الواجهات الأساسية لذلك. وأشار إلى أهمية الورشات الاستشارية سواء مع الجهات المعنية أو مع شريحة الشباب، وخاصة أن الخطوط اللاحقة سيكون لها علاقة ببرمجة النظام وبناء الدليل، ومن ثم الاختبار والاستفادة من الملاحظات المطروحة في الورش، وأخيراً إطلاق النظام وتشغيله بشكل رسمي مع بداية الشهر الخامس من هذا العام، والذي يعتبر أحد الأنظمة السباقة في الشرق الأوسط، وسيكون أنموذج عمل يحتذى به في الدول المحيطة.