جملة من العناوين المطروحة على الساحة التعليمية اليوم لتحويل أنظمة التعليم لخدمة الأغراض العليا ضمن محاور مختلفة، شملت التقويم في المناهج المدرسية، وتقويم نظم التعلم، والتقويم البنائي، وقياس المهارات والأنشطة، والتقويم الوجداني والاجتماعي والتقويم الرقمي، والمهني ضمن آليات جديدة، تهدف إلى وضع اختبارات قياسية لكل مرحلة.

الدكتور رمضان درويش مدير مركز القياس في وزارة التربية، ومن خلال دراسة قدمها، أوضح أن أنظمة التعليم تحتاج إلى التكيف مع المهارات المتنوعة المطلوبة في المجال المهني وتطوير الموارد التعليمية، لعكس هذه التحولات وإتاحة الفرصة أمام المتعلمين لظهور الإبداع والابتكار، في الوقت الذي لا تزال نظم التعليم متأخرة ولا تواكب العصر. ولا سيما فيما يتعلق بموضوع التقويم. فكثيراً ما نجد أن المناهج متطورة والأساليب التعليمية متطورة. لكن أساليب التقويم متأخرة أو متراجعة. الأمر الذي يتطلب إصلاحاً واسعاً في النظام التعليمي. وأي دولة لا تجري إصلاحاً جذرياً لأنظمتها التعليمية تحاط بالتخلف عن الركب.

وأشار إلى أن أنظمة التعليم تحتاج إلى تطوير الموارد وإتاحة الفرصة أمام المتعلمين للظهور والإبداع. وهذا يتحقق من خلال بناء المهارات الأساسية للحياة (كتابة، تواصل، قراءة، حل مشكلات، تفكير ناقد إبداعي).

تعليم رديف ومرن

نقاط مختلفة ركز عليها الدكتور رمضان موضحاً أن التعلم مدى الحياة هو تعلم إبداعي شامل، لا يحتاج فقط إلى بناء مدارس آمنة صحية، بل يحتاج أيضاً إلى بناء المعلم الإنسان المتمكن علمياً وعملياً ونفسياً واجتماعياً ورقمياً وتكنولوجياً، وإلى إزالة العوائق أمام من هم خارج التعليم، وتوفير أنظمة تعليم رديفة مرنة تتيح التعلم للجميع، كما هو الحال الآن. فقد أصبح لدينا في وزارة التربية تعليم افتراضي، وتعليم الفئة ب، وبرنامج تعليم الشباب، والتعلم الذاتي. وفي كل ذلك لا بد من أساليب اختبار متطورة تواكب العصر. فعلى سبيل المثال، هناك مناهج مطورة عُمل عليها لسنوات طويلة، ولكن أساليب الاختبارات بقيت كما هي، ولم يتم تطويرها، لا سيما في مرحلة التعليم الأساسي وفي المراحل الأولى. وعليه كان هناك في هذا العام تجربة بأن يقام اختبار موحد لبعض الصفوف ضمن خطة عمل مركز القياس والتقويم التربوي؛ بحيث يتم تعديل آليات الاختبارات من الصف الأول حتى الصف الثالث أو حتى الصف الرابع، ليتم التركيز على أدوات التقويم الحديثة كالمشاريع وملفات الإنجاز وما شابه.

تمهين التعليم

لتحقيق الأغراض العليا للتعليم، هناك مجالات مختلفة تحدث عنها مدير القياس التربوي وفي مقدمتها: تمهين التعليم والتدريس، وجعله مهنة جذابة، من خلال تحسين واقع المعلمين (الاقتصادي والاجتماعي) وإكسابهم مهارات رقمية. وهو الأمر الذي يتم العمل عليه حالياً في وزارة التربية، من خلال استصدار رخصة مزاولة مهنة المعلم. وذلك يطبق عندما يدخل المعلم إلى التعليم وقبل أن يباشر عمله، يجب أن يخضع لهذا الاختبار ويجتازه لكي يسمح له بالدخول إلى الصف.

وبيّن درويش أن تحقيق الأغراض العليا يحتاج إلى تحويل التعليم في عدة مجالات، منها ضمان بيئة تدعم جميع المتعلمين، لتصبح هذه المدارس أماكن تعمل بشمولية أكبر وأكثر تحفيزاً. وبناء مجتمعات متسامحة وشاملة يتعلم فيها الجميع احترام التنوع الثقافي والبشري. وخاصة بعد ملاحظة الكثير من الإشكاليات في المدارس من خلال الفروقات والهجرة الداخلية والاختلاف بالبيئة الاجتماعية والثقافات الاجتماعية التي يتم العمل على إزالتها، والتأكيد على احترام الآخر. وكذلك ضرورة تعديل السياسات والتشريعات لحماية الحقوق وتعزيز الإدماج ومعالجة أشكال العنف والتمييز والاستبعاد عن التعليم. فهناك أعداد تتجاوز المليون شخص ممن هم خارج إطار التعليم.

نظرة وجدانية للمعلم

تركز الدراسات الحديثة على فكرة أن المتعلم هو المحور الأساسي للعملية التعليمية. لكننا يجب ألا نغفل الدور المهم للمعلم والذي أصبح بحاجة إلى تغيير نظرة المجتمع نحوه والعودة به إلى مكانته العالية وتقديره، من خلال التعزيز القائم على الخبرة وتطوير مهارات المعلمين. إذ إن نظرة المجتمع إلى المعلم اليوم تختلف عما كانت عليه قبل عشرين عاماً وأكثر؛ حيث كان المعلم رمز المجتمع وأكبر شخصية اعتباريه فيه، والجميع يكن له الاحترام.

يقول مدير القياس في وزارة التربية: تبين من خلال الاستبيان الذي قام به المركز حول النظرة الحالية للمعلم والذي تم توجيهه إلى طالبات في الجامعة من خلال سؤالهن: هل ترغبين بالزواج من معلم؟ وكانت النتيجة أن هناك 92% من العينة لا يرغبن بذلك، حيث كان الجواب (لا).

ما تقدم يستدعي مشاركة المعلمين في السياسات التعليمية وإعطائهم خبرة في تطوير الاختبارات الحديثة والمناسبة. كما يستدعي معالجة النقص الكبير بالمعلمين من خلال جعل هذه المهنة جاذبة للأجيال، وتقديم المقومات الاقتصادية والمكانة الاجتماعية لهم. وهو الأمر الذي تم العمل عليه حالياً من خلال مشروع رفع راتب المعلم إلى المراحل العليا، وتقديم التغذية الراجعة لهم بما يضمن نتائج تعلم فعالة.

استشراف المستقبل

وضع الدكتور رمضان تصورات من الواجب اتباعها لتحويل أنظمة التعليم بالشكل الذي يلبي الأغراض العليا له، عن طريق بناء عقلية جديدة قادرة على التخطيط السليم والتنبؤ بالتغيير والقدرة على استشراف المستقبل والقدرة على التعامل مع التقنيات المتطورة. أولاً للمعلم الذي يقود العملية التعليمية. فهو اليوم بحاجة إلى منظومة متكاملة كأي منظومة إدارية ترتبط مع التأهيل والرواتب الوظيفية والحوافز والمبادرة. وثانياً للمتعلم الذي أصبح قادراً على التعلم ذاتياً، والبحث والاكتشاف والتحليل والتقويم. فهناك الكثير من الطلبة المبدعين الذين يمتلكون القدرة على الإنتاج والتعامل مع التقنيات الرقمية أكثر من معلميهم. وثالثاً من حيث وجود آليات تواكب المناهج في موضوع القياس والتقويم؛ حيث نجد أن المعلومات في المناهج غزيرة، إلا أن المهارات ضعيفة.

حقيبة التقويم الشاملة

أكثر من 1430 معلم ومدرس خضعوا لدورات على حقيبة التقويم الشاملة بمختلف مستوياتها وأساليبها وعلى كيفية بناء الاختبارات، بهدف الانتقال إلى آلية جديدة من الاختبارات في المرحلة الثانوية والشهادة الإعدادية، وفقاً لما تحدث عنه مدير المركز، مبيناً ضرورة معرفة توجه المتعلم ورغباته وإمكاناته، لكي يتواكب الطموح مع الإمكانات. فعندما يريد الأهل إدخال الطالب كلية المعلوماتية أو كلية طب وليس لديه إمكانيات لذلك، فلن يكون شخصاً مبدعاً. وبالتالي لا بد من مسألة اختبار الأشخاص. وهذا ما عمل عليه المركز في العام الماضي؛ حيث تم تطبيق اختبار الميول المهنية لحوالي 600 ألف تلميذ من الصف الثامن والتاسع، ووضعت النتائج على موقع القياس والتقويم. فقد بين الاستبيان ما هي الميول الأساسية التي يتمتع بها هؤلاء الطلبة.

وأشار أنه في هذا العام سيتم تطبيق مقاسين على أكثر من مليون طالبة وطالبة: هما الميول المهنية والذكاءات المتعددة. وسيشمل حتى الأشخاص الذين طبق عليهم الاختبار الماضي. وذلك لقياس ما إن كانت قد تغيرت ميولهم وربطها مع الذكاءات المتعددة. وهذا الأمر يفيد عندما يصبح هؤلاء الطلبة في الصف العاشر حيث تكون هناك دات تعليمية لهم.