دخل الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، وبات يساهم في المساعدة على إيجاد علاجات لأمراض مستعصية مثل السرطان. كيف لهذه التقنية أن تلعب دوراً في العلاج لهذا المرض؟

يزيد تشخيص السرطان في مرحلة مبكرة من فرصة العلاج الفعال في العديد من الأورام. وتشمل الأساليب الرئيسية فحص المرضى المعرضين للخطر الذين لا تظهر عليهم أعراض معينة. ويلعب الذكاء الاصطناعي دوراً مهماً في هذا الإطار، حيث تتعلم أجهزة الكمبيوتر أنماط بيانات معقدة لعمل تنبؤات وإيجاد العلاج الملائم. هنا، سنقدم لمحة عامة حول بعض الطرق التي يمكن للذكاء الاصطناعي المساهمة بها بغية إيجاد علاج لهذا المرض الفتاك.

تطوير الأدوية

يستخدم الأطباء تركيبات دوائية مختلفة لعلاج مرض السرطان، غير أن اختبار هذه التركيبات للتأكد من فاعليتها، يعد عملية بطيئة قد تكون تكلفتها مرتفعة جداً، ما يؤدي في كثير من الأحيان، إلى تأخر التوصل إلى أحدث العلاجات للتصدي لهذا المرض. كما أن الأدوية نفسها قد تستجيب بشكل مختلف لأنواع الأورام المتعددة. ولكن بفضل الذكاء الاصطناعي يمكن التنبّؤ بدقة بكيفية تعامل التركيبات الدوائية مع أنواع الخلايا المسرطنة. وفي هذا السياق، طوّر فريق من الباحثين بجامعات "آلتو"، و"توركو"، وهلسنكي في فنلندا أنموذجاً قائماً على التعلّم الآلي يدعى "comboFM" قادراً على اقتراح أفضل مزيج من الأدوية لقتل خلايا معينة مسببة للسرطان. وبحسب الدراسة التي نُشرت في الدورية العلمية "Nature Communications" يتم تدريب الأنموذج على بيانات تضم أنواعاً مختلفة من الأورام والأدوية الموصوفة لعلاجها.

العلاج المناعي

في علم المناعة، يساعد الذكاء الاصطناعي الأطباء على تقييم آثار العلاجات المختلفة والوصفات الطبية. وقد تم تطوير استراتيجية مدعومة بالذكاء الاصطناعي عبر مركزي "UT Southwestern" الطبي و"أم دي أندرسون للسرطان" التابع لجامعة تكساس، للكشف عن مستضدات جديدة معينة موجودة في دم المرضى. وتساعد هذه التقنيات في التنبؤ بكيفية استجابة الخلايا السرطانية للعلاجات المناعية. وتمتلك الخلايا التائية (T Cells) وهي نوع من خلايا الدم البيضاء الموجودة في الجهاز المناعي في أجسامنا، القدرة على اكتشاف الخلايا غير الطبيعية أو المصابة بالسرطان في الجسم. وإذا تم العثور على مستضدات جديدة، فإن الخلايا التائية سيكون لديها القدرة على اكتشاف الخلايا السرطانية وتدمير السرطان عن طريق الاستفادة من الاستجابة المناعية للجسم؛ ومع ذلك، لا يزال البعض من هذه المستضدات غير مكتشف، ما قد يؤدي إلى تقوية نمو السرطان. إن تحديد أنواع المستضدات الجديدة قد يستغرق وقتاً طويلاً لتحليل تفاعلها مع الخلايا التائية، ولكن مع التعلم الآلي هناك تقدم ملحوظ يتم تسجيله، كما يسهم ذلك في تقليل الوقت والجهد، ما يساعد الأطباء على صنع حلول علاجية ولقاحات مصممة خصيصاً ضد السرطان.

التسلسل الجيني

يعد التسلسل الجيني باستخدام الذكاء الاصطناعي الطريقة المثلى لتوصيف نوع السرطان واقتراح العلاج المخصص. وفي حالة سرطان الرئة على سبيل المثال، يصعب التمييز بين نوعين شائعَين من هذا النوع، هما سرطان الخلايا الحرشفية الذي عادة ما يبدأ بالظهور في إحدى القصبات الهوائية الكبيرة الواقعة في وسط منطقة الصدر، وبين السرطان الغدي الذي يبدأ بالنمو بالقرب من سطح الرئة الخارجي. ولهذا الغرض، قام باحثون من غوغل بتدريب خوارزمية التعلم العميق لقراءة شرائح عينات الأنسجة لتشخيص هذين النوعين اللذين يعدان من أكثر أنواع سرطان الرئة شيوعاً، بدقة وصلت إلى 97%. وتمّ تدريب البرنامج باستخدام أكثر من 1600 شريحة أمراض الأنسجة لعينات الرئة التي أتاحتها قاعدة البيانات العامة لبحوث السرطان للجمهور، والمعروفة باسم مشروع "أطلس جينوم السرطان" (TCGA). كما استطاع البرنامج أيضاً اكتشاف الطفرات الجينية المرتبطة بالسرطان في العينات فقط عن طريق تحليل صور أنسجة السرطان.

لقد رأينا كيف أنّ الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على إحداث ثورة في تقديم وتعزيز العلاجات لمرض السرطان. وهذا سيساعد الأطباء من خلال تحليلات السجلات الصحية الروتينية والصور الطبية وعينات الخزعة واختبارات الدم لتحسين التشخيص المبكر. وقد أصبحت العديد من الحلول التجارية للكشف الآلي عن السرطان متاحة، ومن المتوقع أن نشهد اعتماداً متزايداً عليها في السنوات القادمة.

العلاج الكيميائي لسرطان الثدي

قد تقدم خوارزمية الذكاء الاصطناعي المبتكرة فوائد كبيرة للمرضى الذين يخضعون لعلاج سرطان الثدي على وجه التحديد. إن الخوارزمية لديها القدرة على تحديد المرشحين غير المناسبين للعلاج الكيميائي، وبالتالي تقليل مخاطر الآثار الجانبية الخطيرة. كما أن هذا قد يسهل تحسين النتائج الجراحية للمرضى الذين يعتبرون مناسبين.

تم تطوير تقنية الذكاء الاصطناعي (AI) للتنبؤ بما إذا كانت النساء المصابات بسرطان الثدي ستستفيد من العلاج الكيميائي قبل الجراحة من قبل المهندسين في جامعة واترلو.

يمكن أن تساعد خوارزمية الذكاء الاصطناعي الجديدة، وهي جزء من مبادرة شبكة السرطان مفتوحة المصدر المرشحين غير المناسبين على تجنب الآثار الجانبية الخطيرة للعلاج الكيميائي، وتمهيد الطريق لنتائج جراحية أفضل لمن هم مناسبون.

إن تحديد العلاج المناسب لمريضة سرطان الثدي أمر صعب للغاية في الوقت الحالي، ومن الأهمية بمكان تجنب الآثار الجانبية غير الضرورية بسبب استخدام العلاجات التي من غير المرجح أن يكون لها فائدة حقيقية لهذه المريضة.

نظام الذكاء الاصطناعي الذي يمكن أن يساعد في التنبؤ بما إذا كان من المرجح أن يستجيب المريض جيداً لعلاج معين، يمنح الأطباء الأداة اللازمة لوصف أفضل علاج مخصص للمريض لتحسين الشفاء والبقاء على قيد الحياة.

في مشروع أنجزته جامعة واترلو، تم تدريب برنامج الذكاء الاصطناعي على صور لسرطان الثدي مصنوعة باستخدام طريقة جديدة للرنين المغناطيسي للصور، تسمى اصطناعية التصوير بالانتشار المرتبط (CDI).

من خلال المعرفة المستقاة من صور CDI لحالات سرطان الثدي القديمة ومعلومات عن نتائجها، يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بما إذا كان العلاج الكيميائي قبل الجراحة سيفيد المرضى الجدد بناءً على صور CDI الخاصة بهم.

يمكن للعلاج قبل الجراحة، المعروف باسم العلاج الكيميائي المساعد الجديد، تقليص حجم الأورام لجعل الجراحة ممكنة أو أسهل، وتقليل الحاجة إلى جراحة كبرى مثل استئصال الثدي.

تعتبر هذه التكنولوجيا الجديدة واعدة، لأن الذكاء الاصطناعي للتعلم العميق لديه القدرة على رؤية واكتشاف الأنماط التي تتعلق بما إذا كان المريض سيستفيد من علاج معين في الذكاء الاصطناعي والتصوير الطبي.

أتيحت خوارزمية الذكاء الاصطناعي الجديدة ومجموعة البيانات الكاملة لصور CDI لسرطان الثدي، للجمهور بشكل مجاني من خلال مبادرة Cancer-Net حتى يتمكن باحثون آخرون من المساعدة في تقدم هذا المجال.

----

ترجمة عن موقع: Sci Tech Daily