لعل أهم الاتجاهات العالمية التي كانت تركز عليها عملية التمويل والإنفاق التعليمي هي أزمة الإنصاف في الاستثمار والتمويل وأزمة الجودة والوصول إليها لرفع نسبة التمويل والاستثمار في التعليم وأزمة الشمول في توزيع الاستثمارات. وعليه فإن المحور الرابع من محاور التنمية المستدامة يختص بتحويل التعليم كضرورة ملحة لمستقبل مشترك.

في أثناء أزمة جائحة كورونا حدثت أزمة ذات صلة بالوصول إلى التعليم، وسُجل أكبر اضطراب عالمي للتعليم في التاريخ الحديث؛ حيث تضرر تسعة من بين كل عشرة أطفال حول العالم من إحراز تقدم أو القدرة على الوصول إلى التعليم. وعليه دعا الأمين العام للأم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى عقد قمة تحويل التعليم في نيويورك الشهر الماضي بهدف حشد حركة عالمية لتحقيق هدف التنمية المستدامة الرابع وهو ضمان تعليم جيد شامل ومنصف وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة.

قدرات أساسية

إن من غير الصعب أن نرى لماذا يحتاج التعليم لمثل هذا التحويل في سورية وخاصة أنها من الدول التي شاركت في هذه القمة. فقد تحدث الدكتور عبد الحكيم حماد معاون وزير التربية سابقاً ومستشاره حالياً في دراسة قام بها تحت عنوان: (الاستثمار الأكثر إنصافاً وكفاءة في التعليم) بدأ بالحديث حول الاتجاهات العالمية التي تركز عليها عملية التمويل والإنفاق التعليمي وصولاً إلى الاستثمار والتمويل في سورية من خلال الإطار العام للمنهاج التربوي الوطني، والتركيز على تصور التعليم وتحويله بحيث يتم دعم المتعلمين في سورية من خلال التعليم بأربع قدرات أساسية وهي تعلم التعلم وتعلم كيف نتصرف وتعلم كيف نكون وتعلم العيش معاً.

تحويل التعليم

وبين الدكتور حماد أن الاستثمار في التعليم هو التعليم الجيد من أجل مستقبل أفضل يحسن من حالة المجتمع، وهو استثمار في عقول المتعلمين وتهيئتهم للأدوار المستقبلية المتغيرة باستمرار لتلبية احتياجاتهم، وبالتالي عدم تمويل التعليم بما يلزمه خسارة أكبر بكثير من تكلفة تمويله لأن انعكاسات المستقبلية ستكون سلبية على المجتمع ككل. إضافة إلى أن الاتفاق على التعليم واجب إنساني وأخلاقي وسياسي واقتصادي يخدم المستقبل المنشود للدولة.

عدم المساواة

تتوقف فوائد الاستثمار في التعليم بقدر ما ينفق عليه ففي البلدان ذات الدخل المرتفع يصل الإنفاق للمتعلم إلى أكثر من 8500 دولار سنوي، ويصل الإنفاق في بعض الدول ذات الدخل المخفض إلى أقل من 50 دولار. يشير الدكتور عبد الحكيم أن التفاوت في الإنفاق على التعليم بين الدول أحد ابرز الأسباب التي تؤدي إلى عدم المساواة في التعليم داخل المجتمعات أو فيما بينها. ومن أجل التخفيف من هذا التفاوت في الإنفاق على التعليم والاستثمار فيه، لا بد أولاً من الاستمرار في رفع نسبة الاستثمار في التعليم وتحويل النظرة إلى التعليم وكيفية التعامل مع الوزارات ذات الصلة بالإنفاق على التعليم مثل وزارة المالية. وثانياً ضرورة دعم الحكومة لموضوع الإنفاق على التعليم والوعي بأنه استثمار مؤجل وليس إنفاقاً استهلاكياً.

تحقيق الهدف

يرى الدكتور حماد أن زيادة الاستثمار الحقيقي لكل متعلم في المدرسة يحقق معيار الطموح الوطني ويرفع مستوى مخرجات التعليم، وأساسيا لزيادة الناتج المحلي مستقبلاً. وبالتالي تحقيق الهدف الرابع المطلوب فيما يتعلق بالإنفاق على التعليم يتطلب مراجعة وتجديد الأنظمة الضريبية، السماح للشركاء الدوليين بتقديم دعم أكثر، عكس اتجاهات التحول في التعليم من خلال وضع المانحين للتعليم في تعاونهم الإنمائي وتخصيص نسبة 20% من المساعدات الإنمائية للتعليم، العمل الدائم لضمان وصول المساعدات والتمويل للدعم في مجال التعليم والابتعاد بالتعليم عن الصراعات بمختلف أنواعها. والحرص على تقديم الدعم من المؤسسات المالية الدولية بما يساعد في تنفيذ السياسات والممارسات لدعم الخطط الوطنية للتعليم والتركيز على تعيين المعلمين والمدرسين لسد النقص في المؤسسات التعليمية.

الاتجاه الثاني

تحتاج المدارس نفسها للتغيير حتى يكون هناك تحول للأفضل بالاستثمار في التعليم. وهناك تقديرات بأن غالبية الأطفال الذين لديهم إعاقات لا يذهبون إلى المدارس؛ وعليه فإن الوصول إلى شكل أكثر إنصافاً في التعليم وفقاً للمستشار التربوي عبد الحكيم حماد يتم من خال التأكد بأن الاستثمار التعليمي قد وصل إلى الذين تم استبعادهم من التعليم الجيد، ويجب أن يكون هذا الاستثمار منصفاً جغرافياً في الريف والمدينة، ومنصفاً اجتماعياً واقتصادياً. وأن يكون منصفاً بضمان وصول الفتيات والنساء إلى التعليم الجيد في الأماكن المختلفة في البلاد، ومتاحاً للمتعلمين ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يعانون من أزمات المختلفة.

أكثر كفاءة

الاستثمار في التعليم لا يترك المجتمع خلف الركب، بل يواكب التعليم الجيد على المستويات المختلفة، ومنه يبين الحماد أن الاتجاه الثالث في الاستثمار في التعليم هو الوصول إلى تعليم أكثر كفاءة والذي يعني تحسين حياة المتعلمين والمجتمع مستقبلاً، وإقامة نظام إدارة مالية فعالة ومتابعة ومراقبة مستمرة، وتقييم منتظم ومستمر لفعالية وتأثير الاستثمار التعلمي في كافة مساحات الوطن. مع ضمان وصول موارد الدعم المالي إلى المكان الصحيح لتحقيق مخرجات متوقعة كانت قد حددت في السياسات التعليمية وبرامجها التنفيذية. وأشار إلى أهم الصعوبات التي قد تواجه التحول في التعليم وخاصة في مجال امتلاك إرادة التحول كونها أصبحت التزاماً وطنياً، وتتطلب جهوداً من جهات متعددة منها وزارة المالية والدعم الحكومي لبرامج التحويل في التعليم، والجمعيات الأهلية والدعم الدولي للمؤسسات التعليمية لتأمين متطلبات التعليم الجيد في البلدان التي تعاني أزمات أو ذات الدخل المنخفض، إضافة إلى أهمية تعزيز احتياجات المدرسين والمعلمين إلى التنمية بشكل مستدام، وتعزيز فكرة أن الاستثمار في التعليم الجيد يعود نتاجه للمجتمع ككل.