بعد أن ضرب الزلزال، الذي حدث بقوة 7.8 درجة على مقياس ريختر، سورية، كانت هناك مخاوف من حدوث المزيد من الزلازل أو الكوارث الطبيعية الأخرى مرافقة له. وانتشر على صفحات التواصل الاجتماعي الكثير من الشائعات والأقاويل المنسوبة لجهات ودراسات بحثية أو على لسان علماء جيولوجيا من دول مختلفة ومن جامعات أجنبية وغيرها.

إن تسليط الضوء على بعض الحقائق العلمية المتعلقة بهذا الزلزال أمر مهم، كما بين الدكتور محمد العصيري رئيس الجمعية الفلكية السورية ومدير المرصد الفلكي السوري. إذ إن التفريغ الذي خلفه الزلزال الذي ضرب سورية بتاريخ 6 شباط من هذا العام أراح الصفيحة العربية، وحمى جميع الفوالق الموجودة عليها من زلزال آخر مدمر.

خارج النبوءات

وبيّن العصيري أن الزلزال حدث وانتهى، ومن غير المحتمل أن يتكرر زلزال آخر بنفس القوة، إذ إن الفترة القادمة ستشهد استقراراً للصفيحة العربية بعد الانتهاء من الهزات الارتدادية الضعيفة، وأن هناك طاقة كبيرة تفرغت على شكل أجزاء مما حمى المنطقة من زلزال كبير يفوق الـ 8 درجات على مقياس ريختر. وأكد العصيري عدم إمكانية التنبؤ بمكان وزمان الزلزال، وإن توقع حدوث الزلزال أمر غير علمي، فحتى الآن يتم الاعتماد على المؤشرات التي تسبق الزلزال أو تتبعه فقط قبل بضع ثوان من حدوثه، وهي لا تعطي فرصة لتفادي الأخطار. ولكن هناك دراسات تاريخية تشير إحصائياً إلى وجود زلزال كل فترة زمنية تحسب بمئات السنين، وقد حل موعدها في هذه الفترة.

زلزال

وأوضح الباحث العصيري أنه ليس علمياً بالضرورة أن يترافق الزلزال بحدوث التسونامي حتى لو كان في مناطق ساحلية، لأن التسونامي يحتاج إلى حدوث زلزال بشدة عالية في قلب البحر يتجاوز 8 درجات على مقياس ريختر، كما أن الوضع البحر المتوسط غير مخيف لأنه بحر شبه مغلق وصغير ولا يسمح بتشكل الأمواج التسونامية العالية، وبالتالي حدوث تسونامي فيه أمر مستبعد وفق ما يراه العلماء.

تفريغ الطاقة الأرضية

استمرت الهزات الارتدادية لفترات طويلة بعد حدوث الزلزال بشدات أقل. يبين الدكتور العصيري أن هذه الهزات التي تناقصت في شدتها وتباعدت زمنياً، دفعت الأمور نحو الاستقرار. وما حدث بالنسبة إلى هذا الزلزال، هو اصطدام الصفيحة العربية مع الصفيحة الأناضولية وتوجهها نحو الصفيحة الأوروبية، بعد أن أبعدت الصفيحة الأناضولية حوالي 3 أمتار باتجاه الغرب، فكان هذا الزلزال تفريغاً لطاقة هائلة جداً، وقد فُرغت على شكل زلازل عدة. وقال: إن الهزات الارتدادية هي عامل جيد جداً، لأنها تفرغ ما تبقى من الطاقة التي خرجت من الزلزال الأساسي. والمفارقة والحالة الاستثنائية في هذا الزلزال، أن الهزات الارتدادية والتي تجاوزت 2500 هزة ارتدادية كان عددها كبير جداً ولكنها تتناقص بالشدة وتتباعد بالزمن. وهذا مؤشر يطمئن الناس بأنهم ليسوا مقبلين على زلزال آخر. لكنه بنفس الوقت ينبئ بمدى الطاقة التي كانت محتبسة تحت القشرة الأرضية، وينبئ بما كان سيحصل لو أن هذا الزلزال لم يحدث.

ومن الناحية العلمية، أكد بأنه في حال لم يحدث هذا الزلزال لكانت المنطقة أمام زلزال أكبر بكثير وبقوة تدميرية هائلة تتجاوز 8 درجات على مقياس ريختر، لكن هذه الطاقة تفرغت بهذا الزلزال وتوابعه، وبالتالي كلما زادت الهزات الارتدادية وازداد زمانها ومكانها، فهذا يعني أننا أمام تفريغ طويل المدى للطاقة الكامنة في القشرة الأرضية، ولا يمكن معرفة متى تنتهي هذه الهزات الارتدادية. كما أننا لا يمكن معرفة متى يحدث الزلزال ومتى ينتهي ومتى يتوقف ولكن شدته تخف.

الفوالق النشطة

وتحدث الباحث عن عدة فوالق تعتبر هي الأهم في المرحلة الحالية، ومنها فالق تدمر وفالق دمشق وفالق سرغايا وفالق البحر الميت، فهي تشكل تهديداً للمنطقة لكونها نشطة ولكون المنطقة تصنف بأنها منطقة زلازل بشكل طبيعي. فقد كان آخر زلزال مدمر ضرب سورية في عام 1759 وبالتالي كان من المتوقع أن يحدث ما بين عام 2000 وعام 2050 زلزال مدمر بعد مرور حوالي 200 سنة. إلا أن هذا التوقع لا يعني معرفة ساعة ومكان وموعد حدوث الزلزال.

السدود ليست مُسبباً

وبخصوص ما يقال حول تأثير السدود في حدوث الزلازل، بيّن مدير المرصد الفلكي السوري: أن السدود ليست مسببة للزلازل، وليست عامل محرض لها. إلا أنها تشكل ثقلاً على القشرة الأرضية، وبالتالي هي تساعد على زيادة قدرة الزلزال. لافتاً إلى أن الخطر ليس في السد وما يحوي خلفه من المياه، وإنما الخطر يكمن في التشققات التي قد تحدث بعد الزلزال وقد تسبب غرقاً للعديد من المدن والقرى. ولهذا يعتبر سد أتاتورك الموجود في تركيا، الذي يحتبس خلفه 48 مليار متر مكعب من المياه قنبلة موقوتة، وفي حال تصدعه أو انهياره، سوف يسبب الغرق للعديد من المدن والقرى في سورية والعراق.

احتمالات ومعارف

الكثير من الباحثين يتحدثون اليوم عن فالق البحر الأحمر. ويرى الدكتور العصيري أنه من الأفضل أن نتحدث عن فالق البحر الميت، فهو أكثر قرباً من مكان الزلزال، وخاصة منطقة التقاء الصفيحة الأفريقية مع الصفيحة العربية والأناضولية. وهناك تفرعات، فهو يمتد إلى خمس فوالق في سورية منها فالق دمشق وتدمر. كما أن فالق البحر الميت يتصل مع فالق البحر الأحمر، وقد كانت هناك بالفعل خشية من حدوث زلزلال في هذه المنطقة. ولو أنه لم تحدث هزات أرضية ارتدادية لزلزال 6 شباط عددها بالعشرات؛ حيث أدت إلى تفريغ الطاقة التي كانت تحت هذه المنطقة، لكانت الكارثة أكبر بكثير. وبالتالي يمكن القول إن الزلزال الذي حدث في شباط أدى إلى حماية كامل المنطقة من زلزال كان مدمراً؛ ففالق البحر الأحمر كان آخر زلزال حدث فيه عام 1927 وقد كان من المتوقع أن يحدث زلزال في تلك المنطقة، إلا أن زلزال 6 شباط فرغ الطاقة المحتبسة تحت الصفيحة العربية، ما ساعد على تنفيذ تلك الطاقة وخروجها بشكل هزات ارتدادية ضعيفة نسبياً. وهذا يعني أننا لسنا أمام خطر حدوث زلزال في فالق البحر الأحمر أو فالق البحر الميت على المدى القريب أو البعيد. ولكن في المستقبل البعيد قد يحدث أن تتغير خارطة هذه المنطقة بسبب ما حدث من انزياح للصفيحة الأناضولية وتوسع للبحر الأحمر.