تضرب الزلازل أماكن مختلفة على الكرة الأرضية، لكنها تتفاوت في شدتها وقوة تدميرها وطريقة حدوثها، ويرجع ذلك وفقاً لعلماء الجيولوجيا وخبراء الرصد الزلزالي إلى أن القشرة الأرضية تتكون من مجموعة من الصفائح التي تتحرك بشكل لا يمكن ملاحظته مباشرة لكن له تأثيراً تراكمياً عبر السنوات، وتحدث تصدعات مفاجئة في الصخور ما يجعل المناطق الواقعة على حدود تلك الصفائح أكثر عرضة للهزات الأرضية، وبخاصة تلك التي تتقارب من بعضها.

يبين الباحثون أن شدة الزلزال تعتمد على سرعة حركة تلك الصفائح، فكلما كانت أسرع حررت طاقة زلزالية أكبر وأصبحت قوتها التدميرية أشد. ففي الدول العربية تعتبر الدول الواقعة على الصفيحة الآسيوية، وهي بلاد الشام والعراق والخليج العربي، أقل عرضة للهزات من بقية الدول الواقعة على الصفيحة الأفريقية.

بصمات مدمرة

هناك العديد من الدراسات التي تناولت أكثر الزلازل تأثيراً على سورية والدول المجاورة، والتي نشرت في أكثر من مجلة علمية محلية وعربية، كان هدفها سد النقص الكبير في مجال التوثيق التاريخي للزلازل. فهي تهدف إلى التعرف على الزلازل التي تركت بصمة مدمرة وشديدة في منطقة بلاد الشام بشكل عام خلال هذه الفترات. ومنها زلزال الأردن عام 363 م الذي امتدت آثاره من منطقة الجليل شمالاً وحتى خليج العقبة جنوباً، وتسبب بدمار معظم مدينة البتراء الأثرية، إضافة إلى أضرار كبيرة للعديد من المدن مثل جرش وجدار شمال الأردن. ومنها زلزال بيروت الذي حدث عام 551م قرب مدينة بيروت في لبنان، وقدّرت قوته بـ 7.5 درجة على مقياس ريختر، وأسفر عن مقتل أكثر من 30.000 شخص في بيروت لوحدها، وامتدت الأضرار من طرابلس شمال لبنان وحتى وادي الأردن والبتراء جنوب الأردن. إضافة إلى تشكُل أمواج المدّ البحري تسونامي على مناطق واسعة من الساحل اللُبناني من طرابلس وحتى مدينة صور حاصدةً المزيد من الضحايا.

زلزال سورية

وهناك زلزال غور الأردن 749م الذي دمر كامل مُدن طبريا وبيسان وأريحا وبيلّا وجرش وعمّان. وكذلك زلزال حلب بتاريخ 1138 والذي تم تصنيفه من قبل هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية كرابع أخطر زلزال في التاريخ؛ حيث بلغ عدد الضحايا الذين سقطوا 230 ألف قتيل وقدرت شدته بـ 8.5 ريختر. كما وقع في سورية زلزال آخر مدمر في عام 1202 في جنوب غرب البلاد، قدرت بعض المصادر قوته بـ 9 درجات على مقياس ريختر، وقد قارب عدد ضحاياه المليون ومائة ألف شخص، ونتج عنه تسونامي ضرب أجزاء واسعة من السواحل السورية والقبرصية.

وقد قدمت هذه الدراسات قاعدة بيانات مهمة للزلازل التي ضربت المنطقة، وأظهرت تاريخ حدوثها والفترات الزمنية التي تفصل بينها، ومقدار الخسائر البشرية والمادية التي نجمت عنها، والمناطق التي ضربتها، واستخدم بعض الباحثين في إعداد دراستهم مصادر أدبية وتاريخية لمؤرخين وأدباء. وجميعها أكدت أن منطقة سورية القديمة أو بلاد الشام قد تعرضت خلال هذه المدة لنحو 79 زلزلة، وتوصل الباحثون من خلالها إلى معلومات مفصلة عن هذه الزلازل وتوصيات يمكن أن تسهم في إنتاج أبحاث أخرى مهمة.

الكارثة الحالية

تعتبر هذه الزلزال أحداثاً مظلمة في تاريخ المنطقة وصولاً إلى الزلزال الحالي الذي ضرب سورية وتسبب بكوارث بشرية ومادية كبيرة في أربعة محافظات هي حلب واللاذقية وحماة وطرطوس. يقول مدير عام المركز الوطني للزلازل الدكتور رائد أحمد أن المركز الرئيس للزلزال الذي ضرب البلاد مؤخراً واقع على الحدود الصفائحية المتوضعة بين الصفيحة العربية الأوراسية على فالق شمال الأناضول وامتداد منطقة هي من أكثر المناطق خطورة لحدوث الهزات الأرضية. مشيراً إلى أنه وبعد حدوث الزلزال الذي تأثرت به عدة محافظات سورية حدثت هزات ارتدادية متوسطة، منها هزتان شدتهما 6.3 و6.4 خلال فترات قصيرة جداً، ووصل عدد الهزات الارتدادية حتى الساعة الـ 12 ظهراً إلى 25 هزة كان تأثيرها محدوداً، وفي تمام الساعة الواحدة و24 دقيقة ضرب زلزال آخر وسط تركيا شدته 7.8 درجات على مسافة أبعد من بؤرة الزلزال الأول، وأدى إلى هزات ارتدادية أيضاً شدتها أقل من سابقتها.

وأوضح الدكتور أحمد أنه عندما تكون جميع الهزات متركزة ضمن اليابسة، لا يمكن أن يحصل (تسونامي) في البحر، مبيناً أن المركز الوطني للزلازل يعمل على تسجيل الهزات الارتدادية بشكل مستمر، وخاصة منذ بداية 2020 وحتى 2022، حيث تم إنشاء شبكة محطات جديدة لأول مرة بعد أن دمر الإرهاب أغلب المحطات، وخرجت كل المحطات باستثناء محطتين قديمتين عن الخدمة، وتم تركيب 25 محطة جاهزة تصل إشاراتها إلى المركز تباعاً حسب جاهزيتها من الناحية الفنية، إذ إن المركز يقوم بتسجيل الهزات الأرضية بنوعين من التسجيلات السرعية والتسارعية، وهي مهمة جداً كقاعدة بيانات للمهندس الإنشائي والتصميمي.

هزات غير اعتيادية

وبين مدير المرصد أنه منذ عام استنفرت كل الجهود في المركز لتسجيل الهزات بالرغم من الصعوبات الكثيرة التي يواجهها، وتم تسجيل احتمالية ازدياد للهزات المتوسطة، وما جرى منذ 18-12-2022 وحتى هذه اللحظة هي هزات غير اعتيادية حصلت للمرة الأولى من عمر الشبكة الوطنية للرصد الزلزالي. وأشار إلى وجود من المحطات الموزعة على الجغرافيا السورية تسجل الحركات الأرضية، وتغطي المناطق كافة، حيث تقوم بعمليات التسجيل على مدار الساعة، وإرسال التسجيلات إلى المحطة المركزية بدمشق. وفور حدوث أي هزة أرضية في مكان ما، تبدأ الأجهزة الإلكترونية الموجودة في مركز الرصد الرئيس بتسجيل أمواج الاهتزازات المنقولة من المحطات كافة، ويتم تحديد بؤرة الزلزال وموقعه وإحداثياته وعمقه وشدته، ثم يتم إبلاغ الجهات المختصة والمعنية بوقوع الهزة والمعلومات المتعلقة بها.