من البديهي أن تكون الأغذية المتوفرة في بلد ما مأمونة وصحية وصالحة للاستهلاك البشري، وأن تمتثل لمتطلبات سلامة الأغذية والجودة على النحو الذي ينص عليه القانون وتضمه اللوائح الصحية الدولية. وعليه فإن النظام الوطني للرقابة على الأغذية له دور مهم في حماية صحة المستهلكين وسلامتهم على المستويين الوطني والدولي. وهذا أحد الأدوار الأساسية التي تضطلع بها الحكومة وترتبط بشكل وثيق بتحقيق عدة من أهداف التنمية المستدامة.

تأتي سلامة الغذاء وعلاقتها بالأمراض السارية كأحد المجالات التقنية في اللوائح الصحية التسع عشرة وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، ما يجعل أهمية خاصة لمعرفة الفجوات الموجودة في القطاعات المعنية للوصول إلى توصيات تُحسن من تطبيق اللوائح الصحية الدولية على الأرض.

أنظمة حماية وترصد

ووفقاً للدكتور عاطف الطويل من مديرية الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة، فإن موضوع الغذاء في سورية شائك وفيه تجاذب كبير على امتداد السلسلة الغذائية، وخاصة أننا نعيش في عصر التغيرات السريعة في المجال المناخي وفي مجال التكنولوجيات الغذائية وتجارة الأغذية العالمية. إضافة إلى أن سلامة الغذاء مرتبطة بسلامة المياه ومصادرها، كما أنها مرتبطة بما تفرضه الحروب والأزمات.

عصيات

يبين الدكتور عاطف أن النظام الصحي يرتبط بالنظام الغذائي بشكل وثيق. وهو ما دفع وزارة الصحة لإيجاد نظام ترصد للأمراض مثل الكوليرا والكبد والحمى المالطية. كما يوجد نظام إنذار مبكر ونظام ترصد بالحدود من خلال مراكز الحجر؛ حيث يوجد حجر صحي وبيطري ونباتي.

ولأن المياه ترتبط بالغذاء، فهناك خطة لمراقبة المياه نظراً لخصوصية استهلاكها في سورية؛ إذ إن مياه الشرب نفسها تُستخدم للغسيل والحمامات والأكل والشرب وغسيل السيارات، ما يحتم موضوع المراقبة بشكل كبير. وعليه تم إيجاد دليل الترصد الوبائي الصادر عن وزارة الصحة للتدريب عليه والتعرف على سبل القياس.

جهات مشتركة

من غير المجدي متابعة هذا الجانب الصحي المتعلق بالغذاء وما يسببه التلاعب به من أمراض سارية، إلا بجهود مشتركة من قبل الجهات المعنية لمراقبة الغذاء والأسواق والفعاليات السياحية والتي تعمل على أخذ العينات بشكل دوري وتحليلها، بحسب ما أكده الدكتور عاطف الطويل، لافتاً إلى أن ذلك مدعوم بدورات تدريبية تقام للعاملين الصحيين في الجهات المتواجدين فيها. وهناك مخابر مُعتمدة مثل مخبر الأغذية في الصحة العامة، ومخابر وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك. وكذلك الأمر في وزارة الزراعة ومخابر الموارد المائية، مخابر كلية الصيدلة. وأوضح بأنه في حال وجود أي فاشية يتم النظر مباشرة إلى الأسباب وفي مقدمتها الأسباب الغذائية؛ حيث تُرفع التقارير المشتركة من الجهات المعنية للجهات العليا، ليتم وضع برامج التصدي للفاشيات. فعلى سبيل المثال عندما يحدث فاشية التهاب الكبد A يُكتب التقرير ويرفع إلى الجهات المعنية عن طريق المجلس الصحي الفرعي لاتخاذ الإجراءات اللازمة. كما أن هناك آلية التنسيق متعددة الاختصاصات لتسهيل التواصل بين مسؤولي الصحة العامة وأصحاب المصلحة.

المستوى الرابع

جلّ هذه المعلومات قدمها دكتور الأمراض السارية والمزمنة عاطف الطويل خلال عرضه للنقاشات التي تمت حول اللوائح الصحية وعلاقتها بالترصد للأمراض المنقولة والغذاء من خلال المستوى الرابع في اللوائح الصحية الدولية. وقال بأنه لا يوجد لدينا في سورية القدرة على إجراء التقييمات السريعة للمخاطر والأحدث الناتجة عن الأغذية على المستوى الوطني، في حين يوجد لدينا خبرات قوية ومتراكمة إن كانت مركزية أو إن كانت محيطية في مديرية الصحة. وبخصوص الاستجابة للطوارئ وإدارة الحالات الطارئة المتعلقة بسلامة الأغذية، فلا توجد استجابة سريعة لهذه الآليات. وهنا الدافع كبير للمطالبة بإحداث مجلس أعلى لإدارة الطوارئ الغذائية كي لا تبقى كل جهة تعمل بشكل منفرد وسط تعاون وتنسيق بسيط وخجول.

حقائق موثقة

هناك اهتمام وطني وسياسي بسلامة الغذاء ووصوله إلى المواطن، وتوجد تجهيزات وبنى تحتية لا تزال حتى الآن، وهناك لجنة وطنية لدستور الغذاء تعمل منذ أكثر من سنتين. وتابع الدكتور الطويل أن وزارة الصحة وضعت خططاً وطنية وبرامج لسبعة من الأمراض السارية منذ عام 2007 وأرفقت ذلك بقرارات وزارية وكتيبات وأدلة عمل وبروشورات وتقارير شهرية وربعية وسنوية. كما وضعت العديد من القرارات التنفيذية لتطبيق هذه التشريعات في كل جهة مختصة. فعلى سبيل المثال هناك مواصفات متعلقة بمعالجة مشكلات الصرف الصحي، ومواصفات مياه الشرب ومنها القرار رقم 45 لعام 2007 وقانون رقم 9 لعام 2019 وقانون حماية الثورة الحيوانية. كما أن هناك أهمية خاصة للقانون رقم 17 لسنة 2007 والمرسوم 28 ينظم المستحضرات الكيميائية الزراعية "المبيدات الزراعية والأدوية البيطرية والأسمدة". كما أن هناك قوائم تشمل معلومات الاتصال الخاصة بكل منظمة من المنظمات الدولية لدى مديريات التخطيط وقسم التعاون الدولي. وهناك قوائم معلومات الاتصال الحكومية متواجدة في كافة المديريات. كما توجد تقارير مشتركة مؤرشفة خاصة بالأمراض السارية والمزمنة الأكثر شيوعاً. وهناك دليل الترصد الصادر عن وزارة الصحة بشكل دوري. وهناك قائمة معتمدة للمخابر من قبل وزارة الصحة ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ووزارة الزراعة والإصلاح الزراعي وزارة الإدارة المحلية والبيئية ومخابر مركز البحوث العلمية ومخابر هيئة الطاقة الذرية ومخابر أكاديمية لدى الجامعات.

مجلس أعلى

نظراً لتشابك موضوع الغذاء والصحة بين عدد من الجهات، يرى الدكتور عاطف الطويل بضرورة الإسراع بتشكيل المجلس الأعلى لسلامة الغذاء، ووضع استراتيجية وطنية تخدم هذا الجانب أو مرتسم وطني خاص به، وتطوير تجهيزات المختبرات في كافة الوزارات المعنية في الصحة والزراعة والبيئة والموارد المائية. تحديث وسائل التشخيص اللازمة بالإضافة إلى تقديم الدعم الهيكلي للبنى التحتية. وتتويج كل ذلك بموضوع الكوادر اللازمة والمدربة فنياً وصحياً.