تسمى بالجامعة الأم وهي كبرى الجامعات الخمس السورية وأقدمها. إذ ترجع نشأتها الأولى إلى مستهل القرن العشرين، ولا تزال ماضية في رفع راية الفكر والعلم والمعرفة غير متوانية أو مترددة، ولا تزال حريصة على أن تقتبس من نورها وتنهل من معينها الأجيال العربية من جميع الأقطار العربية وكذلك الطلبة الأجانب.

هي جامعة دمشق، التي تحتفل هذا العام بعيدها الذهبي وقد مضى على إحداثها أكثر من مئة عام، وقد تخرجت منها على مر السنين شخصيات لعبت أدواراً هامة لا يزال التاريخ يذكرها ويذكر أصحابها.

بصمات تاريخية

ترك تاريخ سورية الحديث آثاره وبصماته على مسيرة جامعة دمشق. ومن هنا كان لا بد لنا كي نتعرف على تطور هذا الصرح العلمي الشامخ. ووفقاً للدكتور عدنان تكريتي في كتابه "دمشق الشام عاصمة الثقافة العربية" الصادر عام 2008 عن هيئة الموسوعة العربية أن جذور جامعة دمشق لعام 1901 عندما أنشأ الوالي التركي حسين ناظم باشا أول مدرسة للطب في دمشق باسم ( مدرسة الحياة) والتي سميت فيما بعد بالمكتب الطبي. وفي عام 1903 ضمت فرع الطب البشري وفرع الصيدلة وكانت لغة التدريس فيها اللغة التركية.

خلال الحرب العالمية وفي عام 1915 نقلت المدرسة الطبية إلى بيروت وبلغ عدد من تخرج بين دمشق وبيروت 240 طبيباً و289 صيدلانياً. وكان قد افتتح في بيروت في عام 1913 مدرسة للحقوق معظم أساتذتها من العرب والتدريس باللغة العربية.

ووفقاً لما جاء على صفحات موقع جامعة دمشق أنه في عام 1919 تم افتتاح معهد الطب ومدرسة للحقوق في دمشق واستلم إدارتهما الدكتور رضا سعيد. وفي عام 1923 سميت مدرسة الحقوق (معهد الحقوق)، وتم ربطه مع الطب والمجمع العربي ودار الآثار العربية بمؤسسة واحدة تحت اسم الجامعة السورية، ولكن في عام 1926 تم فصل المجمع العربي ودار الآثار عن الجامعة. وفي عام 1928 أنشئت مدرسة الدروس الأدبية العليا وربطت إدارتها بالجامعة ثم أصبح اسمها عام 1929 مدرسة الآداب العليا التي أغلقت عام 1935-1936.

تعديل جذري

تنفس التعليم الصعداء بعد أن انزاح كابوس الانتداب عن سورية. وأخذ هذا المرفق يحظى بالاهتمام المتزايد ويولى العناية البالغة، وسرعان ما دبت في هذا المرفق حياة جديدة نشطة أدت إلى نموه وتطوره فاتسع نطاقه وامتدت رقعته وزاد تألقه فدعمت المؤسسات التعليمية القائمة وأحدثت معاهد وكليات جديدة، وعدلت الأنظمة الجامعية تعديلاً جذرياً لتتمكن الجامعة من استقبال الأعداد المتزايدة من الطلاب وأحدثت اختصاصات جديدة ليكون بالإمكان اللحاق بركب التقدم العلمي والحضاري.

وبدءاً من عام 1946 لم تبق الجامعة مقتصرة على معهدي الطب والحقوق بل أحدثت فيها كليات ومعاهد عليا في اختصاصات أخرى. وفي عام 1958 صدر قانون جديد لتنظيم الجامعات في إقليمي الجمهورية العربية المتحدة الشمالي والجنوبي عدل بموجبه اسم "الجامعة السورية" فأصبح "جامعة دمشق" وأحدثت في الإقليم الشمالي جامعة ثانية باسم "جامعة حلب"، وبصدور اللائحة التنفيذية لهذا القانون في عام 1959 أصبحت جامعة دمشق تتألف من الكليات الآتية: كلية الآداب، كلية الحقوق، كلية التجارة، كلية العلوم، كلية الطب، كلية طب الأسنان، كلية الهندسة، كلية التربية، كلية الشريعة. وبات من حقها أن تمنح شهادات في الدراسات العليا. وفي عهد الوحدة ارتفع عدد طلاب الجامعة وعدد أعضاء هيئتها التدريسية وازداد تعاون الجامعات في الإقليمين ونشط بينهما تبادل الأساتذة والطلاب.

ويوضح الدكتور تكريتي أنه بعد انفصال الوحدة عام 1961، استمر التعليم الجامعي على حاله إلى أن قامت ثورة الثامن من آذار 1963 فشهد التعليم العالي في سورية ولا سيما بعد الحركة التصحيحية عام 1970 عناية وازدهاراً لم يعرفهما من قبل، فقد أولى السيد الرئيس الخالد حافظ الأسد قائد الحركة التصحيحية جميع قطاعات التعليم العالي عناية خاصة وأولاها الرعاية التي تتناسب والدور الكبير والآمال العريضة التي يعقدها عليها في بناء المستقبل. وكان حظ جامعة دمشق من كل ذلك كبيراً، فكان الدعم للكليات القائمة وإنشاء الأقسام الجديدة فيها واستكمال التخصصات الأخرى وإحداث المعاهد المتوسطة الملحقة بالكليات والسعي الحثيث لتجهيز كل هذا المؤسسات بأحدث المخابر والأدوات، فأصبحت جامعة دمشق تتكون من 15 كلية وعدد كبير من المعاهد وأغلبها حظيت بمبان جديدة وأقسام جديدة تواكب تطورات العصر.

الدرجات العليا

أوليت الدراسات العليا عناية خاصة وخصت باهتمام بالغ بافتتاح عدد من دبلومات الدراسات العليا في اختصاصات مختلفة ودبلوم التأهيل، كما افتتحت درجة الماجستير في معظم الاختصاصات ودرجة الدكتوراه في بعضها. وإلى جانب كل ذلك ظلت جامعة دمشق ملتزمة بمبدأ لم تحد عنه، هو مبدأ صلاح اللغة العربية للتدريس في مختلف الاختصاصات تعزيزاً للدور القومي العربي الذي تنهض به، ورفدت عدداً من الجامعات في الوطن العربي بعدد من أساتذتها إعارة أو ندباً أو زيارة، وألّف أساتذتها مئات من الكتب الجامعية باللغة العربية وضعت بين أيدي الطلاب ليجدوا فيها بغيتهم مما ييسر عليهم الدراسة.

وفي سنوات الحرب الأخيرة تراجع تصنيف الجامعة بحسب المقاييس الأكاديمية العالمية، حالها كحال الجامعات الحكومية والخاصة في سورية، وبحسب دراسة نشرها مركز "مداد" للأبحاث، فإن أسباب تراجعها في المقاييس العالمية هو "إهمال البحث العلمي، والكم المتزايد للطلاب المؤدي إلى اختزال عملية التعلم باكتساب المعرفة". إضافة إلى وجود ترهل إداري وعدم مواكبة التحولات الرقمية في التعليم العالي واستخدام تكنولوجيا المعلومات. لكنها عادت لتنهض من جديد، وقد احتلت جامعة دمشق المركز الأول على الصعيد المحلي، والمركز 3654 على المستوى العالمي، في الترتيب النصفي الأول لعام 2019، الصادر عن موقع "ويب ماتريكس" المختص بتصنيف الجامعات على المستوى العالمي، محققة تقدماً بـ 6000 مركز، بعدما احتلت في العام الماضي المركز 10902 عالمياً، والمركز السابع محلياً في العام الماضي.

الإبداع والتطوير

رغم الظروف الصعبة، اهتمت الجامعة مؤخراً بموضوع الإبداع والتطوير لما له من أهمية في رفع التصنيف الجامعي. وقد لفت الدكتور غيث ورقوزق مدير البحث العلمي في الجامعة إلى تأسيس مكتب لبراءة الاختراع، وتم التنسيق مع منظمة ويبو لتسهيل أمور الطلاب في تسجيل براءات اختراعهم. وقد أقامت الجامعة عدداً من ورش العمل في هذا المجال لمعرفة الأبحاث التي يعمل عليها طلبة الجامعات وخاصة من هم في مرحلة الدراسات العليا والآليات التي يعتمدونها لتطوير أفكارهم في الوصول إلى منتح علمي وحقوق ملكية فكرية. وبين الدكتور ورقوزق أنه كل شهرين توجد براءة اختراع تتم دراستها من قبل لجنة علمية وتحكيم علمي ويلي ذلك نشر أولي، وبعدها يحصل صاحب البراءة على شهادته. ففي العام الماضي تم تسجيل 20 براءة اختراع وهو رقم مستمر في الازدياد نتيجة التنسيق الذي يتم بين إدارة الكليات والجامعة ومكتب براءات الاختراع.