إحدى اللحظات المميزة العديدة في فيلم Terminator 2: Judgment Day كانت رؤية T-1000 يتحول لفترة وجيزة إلى سائل ليمر عبر القضبان المعدنية التي تفصله عن هدفه: وهو المراهق جون كونور. قام فريق من المهندسين بتقليد هذا المشهد الشهير بإنسان آلي ناعم على شكل دمية ليغو. الروبوت "يذوب" في شكل سائل استجابة لمجال مغناطيسي، وينساب بين قضبان قفصه قبل أن يتجمد مرة أخرى على الجانب الآخر. وصف الفريق عمله في ورقة بحثية حديثة نُشرت في مجلة "المادة".

كنا نعتقد تقليدياً أن الروبوتات يتم تصنيعها من مواد صلبة، لكن الحقل الفرعي للروبوتات اللينة يتخذ نهجاً مختلفاً. حيث يسعى إلى بناء أجهزة روبوتية من مواد أكثر مرونة تحاكي خصائص تلك الموجودة في الحيوانات الحية. هناك مزايا هائلة يمكن اكتسابها من خلال جعل جسم الإنسان الآلي مصنوع من المواد اللينة، مثل المرونة الكافية للانضغاط عبر المساحات الضيقة للبحث عن الناجين بعد وقوع كارثة. تتمتع الروبوتات اللينة أيضاً بإمكانيات قوية مثل الأطراف الصناعية أو الأجهزة الطبية الحيوية. حتى الروبوتات الصلبة تعتمد على بعض المكونات اللينة، مثل وسادات القدم التي تعمل كممتص للصدمات أو النوابض المرنة لتخزين الطاقة وإطلاقها.

لقد بنى باحثو جامعة هارفارد روبوتاً ناعماً مستوحى من الأخطبوط في عام 2016 حيث بني هذا الروبوت بالكامل من مواد مرنة. يصعب التحكم في الروبوتات اللينة بدقة لأنها مرنة للغاية. لذلك، بالنسبة إلى "octobot" أو الروبوت الأخطبوط، قام العلماء باستبدال الدوائر الإلكترونية الصلبة بدوائر ميكرو- فلويديك. تنظم هذه الدوائر تدفق الماء "المكونات الهيدروليكية" أو الهواء "بضغط الهواء"، بدلاً من الكهرباء، عبر القنوات الدقيقة للدائرة، مما يتيح للروبوت الانحناء والتحرك. في عام 2021 قام المهندسون في جامعة ماريلاند ببناء يد روبوتية ناعمة بثلاثة أصابع تتميز بالمرونة الكافية لتتمكن من التعامل مع الأزرار ولوحة التوجيه في وحدة تحكم نينتيندو - حتى إنها تمكنت من التغلب على المستوى الأول من لعبة ماريو برذرز الشهيرة، وهي لعبة إلكترونية ترفيهية، أنتجت من قبل شركة نينتندو.

ينتمي هذا الروبوت الأحدث إلى فئة تعرف باسم الآلات المصغرة التي تعمل مغناطيسياً، وعادة ما تكون مصنوعة من البوليمرات اللينة "مثل اللدائن أو الهلاميات المائية" المضمنة بجزيئات مغناطيسية حديدية تحتوي على أشكال مغناطيسية مبرمجة. يمكن لهذه الأنواع من الروبوتات السباحة والتسلق والدحرجة والمشي والقفز، بالإضافة إلى تغيير شكلها ببساطة عن طريق تغيير المجال المغناطيسي المقابل. وهذا يجعلها مثالية للعديد من التطبيقات الطبية الحيوية، مثل توصيل الأدوية المستهدفة وعلاج القرحة. لكن وفقاً لمؤلفي الورقة البحثية الجديدة في مجلة " Matter" يصعب توجيه مثل هذه المركبات القائمة على المطاط الصناعي عبر مساحات ضيقة جداً ومحدودة حيث تكون الفتحات أصغر من أبعاد المادة لأنها صلبة بشكل أساسي، وبالتالي لها قابلية محدودة للتشوه.

حرصاً على إيجاد حل، تطلع الباحثون إلى كائن خيار البحر المتواضع للإلهام. إن خيار البحر هي مخلوقات رائعة ذات أجسام أسطوانية ناعمة وأفواه محاطة بمخالب قابلة للسحب. يمكن لبعض الأنواع حتى أن تتقيأ السموم كوسيلة للدفاع عن النفس. لكن القدرة الرائعة لخيار البحر على تخفيف وشد الكولاجين الذي يشكل جدران أجسامها هو ما أثار اهتمام هؤلاء المهندسين. يتيح ذلك لخيار البحر "تسييل" جسمه بشكل أساسي للضغط من خلال الشقوق الصغيرة، وربط كل ألياف الكولاجين معاً مرة أخرى بعد ذلك لتشكيل جسم صلب مرة أخرى.

يتكون الروبوت المصغر الجديد من مادة انتقالية ذات طور مغناطيسي نشط، أطلق عليها الباحثون اختصاراً اسم: (MPTM)، هذه المادة قادرة على التبديل ذهاباً وإياباً بين الحالة الصلبة والسائلة. عندما يتم تسخين MPTM بمجال مغناطيسي متناوب، فإنه يذوب ليتحول إلى سائل، بينما يتيح التبريد المحيط إعادة التماسك عند إزالة المجال المغناطيسي. تتكون MPTMs من جسيمات مغناطيسية دقيقة من النيوديميوم والحديد والبورون مدمجة في الغاليوم النقي. تبلغ درجة انصهار المادة الناتجة 30.6 درجة مئوية "حوالي 87 درجة فهرنهايت". لذلك تظل صلبة في درجة حرارة الغرفة. عندما تكون في شكلها الصلب تتمتع MPTM بقوة ميكانيكية ممتازة، وهي جيدة لتحمل الأحمال العالية، والتنقل متعدد الاستخدامات. وفي مرحلتها السائلة يمكن للجسيمات الدقيقة أن تدور وتعيد توجيه قطبيتها المغناطيسية للإطالة، والانقسام، والاندماج حسب الحاجة.

قال المؤلف المشارك كارمل مجيدي، وهو مهندس ميكانيكي في جامعة كارنيجي ميلون: للجسيمات المغناطيسية هنا دوران. أحدها أنها تجعل المادة تستجيب لمجال مغناطيسي متناوب، لذا يمكن من خلال الحث، تسخين المادة والتسبب في تغيير الطور. لكن الجسيمات المغناطيسية تمنح الروبوتات أيضاً القدرة على الحركة والقدرة على التحرك استجابةً للحقل المغناطيسي.

بالإضافة إلى العرض التوضيحي الذي ينطوي على هروب صغير للـ MPTM من قفص، أظهر مجيدي وزملاؤه آلة لحام ذكية قادرة على معالجة ودمج المكونات الإلكترونية لتجميع الدوائر وإصلاحها. بمساعدة الوظيفة اللاسلكية لـ MPTM والموصلية الكهربائية الشبيهة بالمعادن، تمكنوا من التحكم عن بعد في جهاز MPTM لنقل الثنائيات الباعثة للضوء "ليدات" إلى نقاط محددة في الدوائر باستخدام مجال مغناطيسي خارجي. قام الجهاز بلف دبابيس الليدات، ثم صهر في الطور السائل لتشكيل توصيلات كهربائية بين المسامير ووسادات اللحام. اكتملت عملية اللحام عندما ابترد الجهاز، ما أدى في النهاية إلى إنشاء دائرة ليدات تعمل بكامل طاقتها.

كما صنع الفريق "برغياً عالمياً" MPTM قادراً على تجميع الأجزاء في المساحات الضيقة التي يصعب الوصول إليها. حيث يمكن أن تتسبب المسامير الملولبة التالفة أو المنزوعة عن مكانها في إحداث فوضى في التشغيل الآمن للأجهزة الدقيقة. لإثبات هذا المفهوم مرت وحدتا MPTM يتم التحكم فيهما عن بُعد عبر مساحة ضيقة واستقرتا في الجزء العلوي من الثقوب الملولبة. عند التسخين تحولت روبوتات الـ MPTM إلى سائل وملأت الثقوب الملولبة لتشكيل مسامير، والتي تصلبت عند التبريد، وبالتالي تم ربط لوحين بلاستيكيين معاً.

تعتبر روبوتات MPTM مناسبة تماماً لبعض التطبيقات الطبية الحيوية في الجسم الحي، حسب المؤلفين. على سبيل المثال أظهر الفريق آلة مصغرة طفيفة التوغل تزيل جسماً غريباً من أنموذج اصطناعي لمعدة مملوءة بالماء. هنا يحتاج المرء إلى تكييف نقطة الانصهار لتكون أعلى قليلاً من درجة حرارة جسم الإنسان "حوالي 38 درجة مئوية"، عن طريق دمج الجسيمات الدقيقة في سبيكة أساسها الغاليوم بدلاً من الغاليوم النقي. يمكن لـ MPTM المناورة عبر المعدة في شكلها الصلب لتحديد موقع الجسم الغريب "استخدم الباحثون كرة في العرض التوضيحي" والذوبان في طور السائل ليحتوي الجسم الغريب، ثم تبريده مرة أخرى إلى مادة صلبة حتى يمكن إزالة الجسم المغلق بأمان عندما يخرج الـ MPTM من الجسم.

أخيراً أظهر الفريق كبسولة MPTM قادرة على توفير توصيل الدواء عند الطلب، وتم اختبارها أيضاً في أنموذج اصطناعي لمعدة مملوءة بالماء. تحتوي الكبسولة الصلبة على الدواء "على غرار فلورسين الصوديوم في التجربة" ويتم المناورة في مكانها في المعدة. عند الذوبان يتم تحرير الدواء. ثم تبرد الكبسولة وتتصلب، حتى إنها تسرع من انتشار الدواء عن طريق الدوران لإحداث اضطراب في الماء قبل إزالتها من المعدة.

هذا لا يعني أننا سنحصل جميعاً على أجهزة MPTM يتم حقنها في أجسامنا في أي وقت قريب. قال مجيدي: يجب أن يستكشف العمل المستقبلي كيفية استخدام هذه الروبوتات في سياق الطب الحيوي. ما نعرضه هو مجرد عروض توضيحية لمرة واحدة، وإثباتات على المفهوم، ولكن ستكون هناك حاجة إلى مزيد من الدراسة للتعمق في كيفية استخدام هذا في الواقع لتوصيل الأدوية أو لإزالة الأجسام الغريبة.

----

بقلم: جينيفر اويليت

ترجمة عن موقع: Ars Technica