لها دور في بناء عقول الناس وشحذ المشاعر وإيقاظ الوعي، وكل ذلك يأتي من بعث المعارف الإنسانية والاجتماعية في عقول الطلبة الذين ينهضون لبناء مجتمعهم. إنها كلية الآداب في الجامعة السورية التي أنشئت سنة 1928م وكانت تسمى آنذاك المدرسة العليا للآداب.

ما إن مضت ثلاث سنوات على إنشاء المدرسة العليا للآداب، هذا الحدث العلمي، حتى عملت قوات الانتداب الفرنسي إلى إغلاقها سنة 1931 واستمر إغلاقها إلى أن أجلي الفرنسيون عن سورية سنة 1946. ففتحت أبوابها باسمها الجديد "كلية الآداب"، وكانت تشتمل في أول أمرها على قسمي اللغة العربية وآدابها وقسم الاجتماعيات الذي كان يشمل التاريخ والجغرافية.

الثراء العلمي

ازدادت أقسام هذه الكلية ثراء في عام 1947 حيث رفدت بقسمين جديدين هما قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية وقسم اللغات. وقد أصبحت أكثر شمولية عندما جُعل قسم الاجتماعيات قسماً خاصاً للتاريخ وقسماً للجغرافيا. وكذلك الأمر بالنسبة إلى اللغات حيث شملت أقساما خاصة لكل من اللغة الإنكليزية وآدابها واللغة الفرنسية وآدابها. ليطل عام 1959 وتستحدث الكلية أقسام الدراسات العليا لغالبية أقسامها مانحة درجتي الماجستير والدكتوراه في الآداب.

كلية الآداب

بعد تسميتها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، وهو الاسم الذي أطلق عليها سنة 1983، استمرت في تطورها إلى أن وصل عدد أقسامها اليوم إلى 14 قسماَ وفقاَ لما أكده عميد الكلية الحالي الدكتور عدنان مسلم الذي تحدث عن الهيكلية العامة ومكوناتها الإدارية متمثلة بالعميد والنائب الإداري لشؤون الطلاب، والنائب العلمي لشؤون البحث العلمي، إضافة إلى الأقسام الإدارية المختلفة المتعلقة بالعمل الإداري للطلبة والامتحانات ومركز خدمة الطالب، وهو المركز الوحيد في كل الجامعات السورية الخاصة والحكومية وأحدث منذ بضع سنوات، وهو يقدم كل الخدمات الطلابية عبر ما يسمى بالنافذة الواحدة. وهناك أقسام الدراسات العليا وقسم الإحصاء والبرامج والأمور الخدمية الأخرى المتعلقة بالمكتب الفني والهندسي.

الذكرى المئوية

يتوافق عمر الكلية مع عمر تأسيس جامعة دمشق. فقد كانت مع كلية الطب من باكورة الكليات التي تم افتتاحها في الجامعة وهي مترافقة مع الذكرى السنوية للجامعة والتي تحتفل هذا العام بالذكرى المئوية لها. يوضح الدكتور مسلم أنه: حتى التسعينات كانت الأقسام الموجودة. هي الأقسام الأدبية والعلوم الاجتماعية حيث كان هناك قسم اللغة العربية وآدابها وقسم اللغة الإنكليزية وآدابها وقسم الفرنسي وآدابها وقسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية الذي انقسم فيما بعد إلى قسمين هما الفلسفة وعلم الاجتماع. إضافة إلى قسم الجغرافيا وقسم التاريخ وقسم المكتبات والمعلومات، وكان هناك قسم الإعلام ضمن الكلية الذي بقي تابعاً لها حتى عام 2008 ليصبح فيما بعد كلية مستقلة. مؤكدا أنه بعد عام الألفين أضيفت للكلية أقسام جديدة باللغة الفارسية والألمانية والروسية واليابانية وهو قسم مُعلق في الوقت الحالي بسبب ظروف الحرب التي مرت على البلد.

من المعروف تاريخياً أن كلية الآداب هي من أكبر الكليات على مستوى جامعة دمشق. كما أنه معروف على المستوى العربي والإقليمي أنها أكبر كلية في العالم، وذلك لاستيعابها أعداد تصل في الوقت الحالي إلى ما يزيد عن 100 ألف طالب وطالبة من المسجلين بمن فيهم أعداد طلاب المرسوم بالدورات المختلفة. بالإضافة إلى طلاب برنامج التعليم المفتوح الذي يضم حوالي 15 ألف طالب وطالبة وهم في حالة ازدياد بحسب سياسة القبول في التعليم العالي.

محطات مضيئة

خلال العشرين السنة السابقة حدث العديد من الأمور العلمية، فقد تحولت كلية الآداب والعلوم الإنسانية لتستوعب معظم اللغات الأجنبية وآدابها، وهو أمر نادراً ما يكون عالمياً على صعيد كليات الآداب. إضافة لما تشكله من مصدر للمعرفة على مستوى المجتمع بما تخرجه من اختصاصات مختلفة لخدمة جميع القطاعات. كما أن كوادر الآداب على اختلاف مستوياتهم العلمية "أستاذ وبروفيسور وأستاذ مدرس ومساعد مدرس" مُنتشرون على مستوى الوطن العربي، وهذا أمر تتميز به جامعة دمشق على خلاف الجامعات العربية. فهي بالنسبة إليهم مصدر أساسي للكفاءات العلمية. وهذا يعود، وفقاً لما أكد عميد الكلية الدكتور عدنان مسلم، إلى تاريخها العريق والثقة العلمية التي تتمتع بها في جودة تعليمها. فعندما تم التعريب في الجزائر كان هناك وجود كبير لأساتذة كلية الآداب في الجامعات الجزائرية. وكذلك الأمر في اليمن الشقيق، فقد كان معظم الأساتذة في جامعاتها من كلية الآداب الدمشقية.

وتحدث العميد مسلم عن محطة هامة وحديثة في سجل الكلية، تتعلق بمركز خدمة الطالب الذي يعتبر نقلة نوعية حولت الكلية من الجانب التقليدي إلى الجانب الإلكتروني، ما أثر بشكل إيجابي على موضوع الامتحانات، فكل ما يتعلق بأمور الامتحانات والثبوتيات الخاصة بالطلبة أصبحت تقدم له بسهولة عبر رقمه الجامعي بشكل إلكتروني. وهي خطوة كانت الكلية سباقة إليها بين الكليات على مستوى القطر.

نقلة إلكترونية

كل ما يرتبط بالجانب الأكاديمي العلمي في الكلية، يُعتبر بحثاً علمياً، وخاصة إعداد طلبة الدراسات العليا في "الماجستير والدكتوراه"، فهم رسل الكلية إلى مفاصل المجتمع كافة. إضافة إلى كونهم كوادر تدريسية. يشير الدكتور مسلم إلى أهمية الأطر التدريسية في الكلية والبالغ عددهم 450 عضو هيئة تعليمية من مختلف المستويات. وهم كفاءات علمية وبحثية. قسم كبر منهم متخرج من جامعات عالمية مثل فرنسا وبريطانيا وروسيا وإيران إضافة للكفاءات المحلية.

ولفت الدكتور إلى النقلة النوعية في موضوع تحويل الكتب الجامعية من كتب ورقية إلى كتب إلكترونية، وقد كانت كلية الآداب من أولى الكليات على مستوى الوطن العربي التي قدمت الكتاب الجامعي من تأليف وترجمة وإعداد وتحقيق، من قبل أعضاء الهيئة التعليمية، لذلك هناك أكثر من 80% من مقررات الكلية هي من إنتاجها. وقد كانت هذه الكتب ورقية، إلا أنه تم تحويلها خلال الأشهر الماضية إلى كتب إلكترونية. إضافة إلى التأليف المرجعي والذي تحول أيضاً بدوره إلى مراجع إلكترونية.

هامات علمية

تفتخر الكلية الآداب والعلوم الإنسانية بدمشق بوجود 4 أعضاء هيئة تعليمية منها حالياً هم أعضاء في مجمع اللغة العربية، ومنهم الدكتور وهب رومية والدكتور محمد بيطار والدكتور عيد مرعي وهم منارات علمية. كما أن هناك شخصيات هامة تسلموا عمادة كلية الآداب وكان لهم بصمة علمية ومعرفية كبيرة، منهم الدكتور شفيق جبري وسعيد الأفغاني وعادل العوا ونبيه العاقل وعبد الكريم اليافي والدكتور أحمد درغام، وهم خريجو الكلية. كما أن هناك رؤساء دول عربية كانوا خريجي كلية الآداب سواء في تونس أوالجزائر أو المغرب وفي مواقع مختلفة بمسؤوليات وأماكن علمية مختلفة بالوطن العربي.

تسعى الكلية اليوم إلى تحقيق جملة من الغايات النبيلة جلها يتمثل في المحافظة على سلامة اللغة العربية والعمل على تقدمها لتفي بمطالب العلوم والفنون بما يتناسب مع حاجات العصر. وتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الهيئات العربية والأجنبية والدولية.