أُطلق عليه "مشفى المجتهد" نسبة إلى موقعه في حي الميدان الدمشقي، منطقة المجتهد. هذه المنطقة التي أخذت اسمها نسبة إلى آل المجتهد الذين قطنوا فيها بعد حضورهم من مكة المكرمة. حيث بُني المشفى على الطراز الفرنسي بشكل فراشة تدخلها الشمس من جميع جوانبها، وتمت إحاطتها بجدران سميكة مصنوعة من الحجر والطوب لتؤمن العزل من الصوت والعوامل الخارجية.

تم اختيار موقع مشفى المجتهد في منطقة بساتين بسبب هوائها النقي وكونه صالحاً للاستشفاء بما كانت تتميز به من طبيعة ساحرة وهواء منعش. ويعتبر اليوم أحد أهم المشافي القديمة جداً في دمشق، وقد توالى عليه الكثير من الأطباء والكوادر الطبية والفنية، وتخرج منه عدد كبير من الأطباء والشخصيات الهامة. ولا يزال مستمراً في تقديم كل الخدمات الإسعافية والداخلية والجراحية، في أقسامه كافة وفي عياداته الخارجية؛ حيث وصلت سعته الحالية إلى 540 سريراً، إضافة إلى افتتاح أجزاء وأقسام من المشفى لم تكن مُستخدمة سابقاً بسعة 150 سريراً خلال فترة جائحة كورونا. هذا ما أكده الدكتور أحمد عباس المدير العام الحالي لهيئة مشفى دمشق والأخصائي بأمراض الداخلية والهضمية. وبيّن أن المشفى وخلال تاريخه الطويل حافظ على عمله بتقديم كل الخدمات اللازمة في كافة الأقسام المتواجدة فيه باستثناء التوليد وجراحة القلب.

مشفى خدمي تعليمي

مرّ المشفى بمراحل كثيرة وهو يستقبل المرضى من دمشق وريفها بشكل رئيسي ومن كافة المحافظات السورية. وقد شهد تطوراً من عدة نواحي حيث كان في البداية يُعرف بأنه مشفى خدمي، كونه كان يهتم بتقديم الخدمات الطبية والعلاجية للمرضى، ولم يكن له أي جانب تعليمي. إلا أنه منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي تحول إلى مشفى خدمي وتعليمي معاً، ويوجد فيه أطباء متدربون يحصلون على شهادة البورد السوري بالاختصاصات التي يتدربون فيها. وكان هذا الأمر من النقاط والتحولات الهامة في تاريخ مشفى دمشق. فقد أصبح خريجو المشفى متواجدين في جميع المحافظات السورية وعلى مستوى جيد إضافة إلى المتواجدين منهم خارج القطر.

مشفى دمشق

يوضح الدكتور عباس أن خدمات المشفى بكافة أنواعها لا تتوقف على المرضى المقيمين فيها. فهناك قسم عيادات خارجية مجهز لاستقبال المرضى بكافة الاختصاصات مثله مثل أي عيادة خاصة. وبعد معاينة المريض، يحدد له ما يحتاجه من إجراءات سواء ضمن المشفى أو خارجها، وقد يتقرر قبوله بالمشفى لاستكمال دراسة حالته. وهذا ينطبق على أقسام المخابر والأشعة وأقسام التصوير كافة. فهي تعمل على تخديم المرضى الموجودين بالمشفى والقادمين من الخارج. لافتاً إلى أن أعداد المراجعين للمشفى ارتفع كثيراً في الآونة الأخيرة نتيجة الثقة الكبيرة بالنتائج التي يحصل عليها المرضى وبسبب الأجور التي لا تزال رمزية جداً مقارنة بالقطاع الخاص.

خط أول

خلال فترة الحرب التي شنت على سورية، تحول مشفى دمشق إلى مشفى ميداني. فكان الخط الإسعافي والعلاجي الأول في دمشق. وقدم خدمات إسعافية وجراحية هائلة لآلاف المرضى والمصابين. وهو حالياً يشكل المفصل الثاني في تخفيف المعاناة عن المواطنين في ظل الأزمة الاقتصادية والعقوبات أحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري. يبين مدير المشفى الدكتور أحمد عباس أن الخدمات المقدمة في عام الماضي 2022 وصلت إلى ما يزيد عن مليون و900 ألف خدمة طبية منها 185 ألف خدمة إسعافية مجانية توزعت على مختلف الأقسام والاختصاصات الطبية. فعلى سبيل المثال، بلغ عدد مراجعي قسم العيادات الخارجية 171827 مريضاً وعدد مراجعي قسم الإسعاف 185486، وأجرت 11520 عملية جراحية، وكان هناك 2835 جلسة غسيل كلية. مشيراً إلى أن عدد العاملين في مشفى دمشق حالياً يصل إلى 5000 بين إداريين وفنيين ومخبريين وتمريض وأشعة ومعالجة فيزيائية وعمال نقل وحراس وأخصائيين وأطباء متدربين. إذ يوجد في المشفى حوالي 1400 طبيب متدرب يتلقون تدريبهم بكل الاختصاصات. سواء التدريب لاختصاص خريجي كلية الطب أو المتدربين من كليات الطب البشري سنة خامسة وسادسة في الجامعات الخاصة.

ترميم التجهيزات

في كارثة الزلازل الأخيرة أصبح واضحاً للعيان المعاناة التي يعانيها قطاع الصحة في سورية بسبب عقوبات خارجة عن الإطار القانوني والإنساني. ومن ضمنها المعاناة التي يعانيها مشفى دمشق والتي تحدث عنها الدكتور عباس مبيناً وجود أعباء تتعلق بتحديث الأجهزة، فأحدث جهاز أُدخل على المشفى كان في أيلول العام الماضي، هو جهاز طبقي محوري كان بالتعاون بين وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية. وما تبقى من أجهزة هي عبارة عن تجهيزات عمرها أكثر من 13 عاماً وعليها ضغط عمل كبير جداً دون أن يكون لها صيانة أو قطع تبديل نتيجة تلك العقوبات الجائرة التي منعت الشركات الطبية من التعامل مع القطاع الصحي السوري. ولفت إلى وجود مهندسين وخبراء وطنيين يتعرفون على الأعطال، ولكن لا توجد إمكانية لإحضار قطع التبديل أو شرائها بسبب عرقلة القوانين الخاصة بالتحويلات المصرفية الناتجة أيضاً عن العقوبات.

وعليه يؤكد مدير عام الهيئة العامة لمشفى المجتهد أن المشروع الأساسي لعام 2023 هو ترميم نقص التجهيزات بكافة أنواعها وخاصة الطبية منها، لكي يسترجع المشفى كافة طاقاته والعودة بتجهيزاته إلى ألقها الذي كانت عليها. فهناك خطة لوضع جهاز طبقي محوري ثاني جديد، وجهاز مرنان جديد وقسطرة قلبية ورفدها بالمستهلكات وجهاز ليزك جديد لتصحيح البصر.

برنامج التعليم الطبي المستمر

أما في مجال البحث العلمي والعمليات الجراحية النوعية والنادرة أنجزت مستشفى دمشق 11 عملية نوعية نادرة وأجرت دراسة على 4 حالات سريرية نوعية ونادرة أيضاً، وقدمت خمسة أبحاث علمية لحالات نوعية تم نشرها في صحف مُحكّمة عالمية. وتحدث مدير مشفى دمشق عن نقطة التحول النوعية التي حدثت في السنوات الأخيرة والمتعلقة بتفعيل برنامج التعليم الطبي المستمر لتكتمل عملية التدريب العملي مع التدريب العلمي والتثقيفي المستمر في كافة الاختصاصات؛ حيث يختار الباحث الموضوع أو الحالة التي يريد دراستها، ويختار الأساتذة المشرفين على الحالة. فهناك أربع أبحاث حالية قيد النشر تتبع لشعب طبية مختلفة.

وأشار الدكتور عباس إلى متابعة مشروع الأتمتة الذي بدأ في عام 2014 والتوجه إلى أتمتة الملف الطبي لما يشكله من نقلة نوعية، بحيث تصبح كل الإجراءات المقدمة للمريض موثقة بشكل مؤتمت ومحسوبة إلكترونياً مما يسهل الاطلاع على جميع الحالات ووجود الداتا الخاصة بعمل المشفى.

نقلة نوعية

وتحدث الدكتور أحمد عباس عن نقطة تحول نوعية في تاريخ المشفى عندما تم افتتاح قسم الإسعاف الجديد في عام 2020 والذي يعتبر مشفى مصغراً بما يضمه من إسعاف جراحي بتخصصاته العصبية والعظمية والعامة. وإسعاف داخلية وأطفال وعناية مشددة وما يسمى إنعاش. ويوجد غرف مراقبة للمرضى الذين يحتاجون لساعات قليلة فقط. يرافق ذلك نقلة نوعية بالخدمات التي تقدمها المشفى للمواطنين. لافتاً إلى أنه تم استثمار الإسعاف القديم وخاصة خلال فترة الكورونا وتحويله إلى ما يسمى عناية عزل والتي تتضمن العناية الاسعافية. وبذلك أصبح للمجتهد عنايتان إسعافيتان، ويوجد 13 سرير عناية عامة و5 أسرة جراحة عصبية و3 أسرة عناية أطفال وهم دائماً في حالة امتلاء كامل.