لعل التحولات الإعلامية التي أسفر عنها الاستخدام المتزايد لوسائل الإعلام الحديثة وظهور ما يعرف بالإعلام الإلكتروني الجديد الذي يحظى بحصة متنامية لدى جميع الأوساط، إضافة إلى شغفها ومتابعتها لكل جديد في مجال تطور الأساليب الإعلامية ووسائل الإعلام الإلكترونية على اختلافه، كانت دافعاً كبيراً لطالبة الدكتوراه والمعيدة في كلية الإعلام بجامعة دمشق رولا سمير أحمد ابنة دمشق لاختيار بحثها: (حول الصحة الأسلوبية بتحرير المواد الإخبارية في المواقع الإلكترونية السورية وتأثيرها في فهم المضمون).

على بحثها هذا حصلت رولا سمير أحمد على درجة دكتوراه على مستوى سورية في قسم الإعلام الإلكتروني في كلية الإعلام بجامعة دمشق، وهو عبارة عن دراسة تحليلية وشبه تجريبية لدراسة مدى تطبيق المواقع الإلكترونية السورية لمعايير الصحة الأسلوبية في تحرير موادها.

تعتبر هذه الدراسة هي الأولى على مستوى الجامعات السورية التي تأخذ هذا المنحى وتركز على أخطاء التحرير المرتكبة من المحررين في مواد الصحافة الإلكترونية السورية وتأثيرها على فهم القارئ. ولكونه إعلاماً حديثاً، ولا تتوفر حوله الكثير من المراجع الكبيرة المتعلقة به، كان الغوص في الوصول إلى المعلومات صعباً بعض الشيء؛ هذا ما أكدته الباحثة رولا سمير أحمد، مشيرة إلى وجود أخطاء أسلوبية في الكثير من الأخبار التي ترد في المواقع. وقد شهدت ذلك من خلال عملها بعد التخرج في عدة مواقع إلكترونية كونت من خلالها لمحة حول الأخطاء الشائعة التي يرتكبها المحررون بقصد أو بغير قصد. وهي أيضاً موجودة في وسائل الإعلام التقليدي. فكان حبها للمهنة وشغفها في متابعة كل جديد في مجال تطور الأساليب الإعلامية ووسائل الإعلام الإلكترونية والمرئية وراء هذه الفكرة البحثية، إضافة إلى عملها كمدرّسة لمواد التحرير في كلية الإعلام واطلاعها على الأخطاء التي يرتكبها طلبة الإعلام وكيف ينعكس ذلك على سطح المواقع الإلكترونية.

الفصول المنهجية

تبين أحمد أن المقياس الذي تضمنته الدراسة يمكن أن يكون مرجعاً للكثير من الدراسات والأبحاث الأخرى. فهناك مجموعة من معايير التدخل الشخصي في تحرير الأخبار، وأهمها تدخل المحرر وإعطاء أفكار مسبقة وتصورات مسبقة عن نفسه، وهناك أخطاء توظيف الأفعال واستخدامها بشكل غير صحيح، وهناك أخطاء تتعلق بموضوع وحدة الأسلوب وسوء استخدام أدوات الربط في المواقع الإلكترونية. وعليه عملت الباحثة على رصد أخطاء استخدام المصادر بعد أن قسمتها إلى عدة أنواع. وتحدثت عن أخطاء الترجمة والأخبار المنقولة من لغات أجنبية ومترجمة إلى لغة عربية وما ينتج عنها من فهم خاطئ، مشيرة إلى معايير عديدة عن الصحة الأسلوبية تم تناولها نظرياً وتحليلياً من خلال تحليل أربعة مواقع إلكترونية منها (موقع وكالة سانا، وموقع صحيفة تشرين، وقناة سما، وموقع دام بريس) لحصر الأخطاء المرتكبة في تحرير المواد الإخبارية. إضافة إلى فصل آخر تم الحديث فيه عن قواعد ومبادئ ومدارس التحرير في بيئة الصحافة الإلكترونية واللغة الإعلامية وعلاقتها باللغة العربية التي هي أساس أي رسالة إعلامية لإيصال المعلومة للجمهور بسير وببساطة.

التأثير على الفهم

تضمن الشق الثاني لهذا البحث استخدام الباحثة للمنهج شبه التجريبي، من خلال تصميم مجموعة من الأخبار تحتوي على مجموعة من الأخطاء التحريرية وعرضها على مجموعة من الشباب الجامعي، والتعرف على مدى تأثير هذه الأخطاء على فهمهم. فكان هناك فهم خاطئ للكثير من المعلومات الواردة في الأخبار نتيجة ما تحتويه من أخطاء في الأسلوب.

توضح الباحثة أنها استخدمت في هذه الرسالة التحليل الكمي والكيفي، وقدمت نماذج عن أخطاء حقيقية مع وضع أمثلة واضحة عن هذه الأخطاء وتفسيرها وتعليلها بشكل مستفيض. وعملت على تقسيمها إلى مجموعة مباحث منها أخطاء التحرير وأخطاء لغوية، وأخرى أسلوبية، وأخرى لها علاقة بالزمان والمكان، وأخطاء توظيف الأفعال.

مقترحات بحثية

يعتبر هذا الموضوع جديداً في ظل عدم وجود تخصص أو رؤية واضحة للتحرير الإلكتروني؛ حيث تقصدت الباحثة في دراستها معايير الصحة الأسلوبية والتحرير الجيد في المواد الإخبارية (خبر وقصة إخبارية وتقرير إخباري)، وعليه وضعت جملة من المقترحات. منها: إجراء دراسة مماثلة لرصد مسحة أسلوب التحرير في أنواع صحفية أخرى مثل التحقيقات والأحاديث الصحفية ومواد الرأي انطلاقاً من أن عملية التحرير هي البوصلة الأساسية لأي حالة إعلامية. والتوسع في دراسات التحليل الكيفي في مجال الإعلام لعرض نماذج حية من أخطاء التحرير تقع بها المواقع الإلكترونية الصحفية ودراسة تأثيراتها المحتملة، فقد طغى المنهج الكمي على الكيفي في اللغة العربية عامة والسورية خاصة. القيام بدراسات تجريبية خاصة بعناوين المواد الإخبارية في المواقع الإلكترونية أو دراسات ميدانية لمعرفة المتصفحين في المواقع الإلكترونية الصحفية. ودراسة المزيد من تأثير أخطاء التحرير في النص وعدم الاقتصار على الدراسات المتعلقة بتأثيرات سرية والوسائط المتعددة، حيث تركزت أغلب الدراسات التي تسنى للباحثة الاطلاع عليها وتوثيق جزء منها.

توصيات الدراسة

لعل أهم ما يعزز من استقلالية المواقع الإلكترونية، وجود المحتوى وخوض غمار المنافسة مع المواقع الأخرى، وعليه كانت أهم التوصيات التي توصلت إليها الدكتورة رولا سمير أحمد هو عدم الاكتفاء بالتغطية الإخبارية النمطية ومضاعفة الاهتمام بالمواد الإخبارية الأخرى وخاصة التقارير الإخبارية الخاصة، ووضع تصور لتعميم البرامج على أجهزة الحاسب، ما يساعد في تصويب بعض الأخطاء النحوية واللغوية في النصوص الصحفية. ضرورة التزام المواقع الإلكترونية بوضع رابط يدل إلى مصدر المادة الإخبارية حتى في حال إيراد المصدر ضمن المادة وخاصة فيما يتعلق بالمواد المترجمة من لغات أخرى. وضرورة أن يكون المترجم للمواد الإخبارية من لغات أجنبية متخصصاً وعارفاً بالموضوع الذي يترجمه تجنباً لأخطاء الترجمة سواء الأخطاء اللغوية أو الترجمة الخاطئة كالمفردات والمصطلحات.

وأكدت على تعميق الاستفادة من إمكانات الإنترنت فيما يتعلق بالتغيرات التي رسمتها الدراسة الحالية الروابط النص المتشعب بحيث يتم عدم الاقتصار على الروابط الداخلية وإتاحة روابط خارجية إلى مواقع أخرى على الإنترنت تخدم النص الأساسي على أن تكون تلك الروابط ذات صلة بالنص وتقديم قيمة مضافة له. كما أكدت على تدعيم المادة الإخبارية بملفات للفيديو والرسم والخرائط والبث المباشر الذي غاب تماماً عن المواقع الإلكترونية السورية وفقاً لعينة الدراسة.