يعرف العمر البيولوجي أو الحيوي للإنسان بأنه العمر الصحي والذي يحدد استناداً على كفاءة عمل خلايا وأعضاء الجسم ويحافظ على المستوى الصحي للإنسان وفقاً للتسلسل الزمني. أما العمر الزمني (العابر) فيعتمد على تاريخ الميلاد للشخص ويشير إلى المقدار الفعلي للوقت الذي كان فيه الشخص على قيد الحياة.

أظهرت دراسة نُشرت في مجلة Cell Metabolism أن البشر والفئران يواجهون زيادات سريعة في العمر البيولوجي بسبب الإجهاد، ولكن يمكن عكس هذه الزيادات بعد التعافي من الإجهاد. هذا يتحدى الاعتقاد الراسخ بالمسار التصاعدي أحادي الاتجاه للعمر البيولوجي طوال الحياة. استخدم الباحثون ساعات مثيلة الحمض النووي لقياس التغيرات في العمر البيولوجي استجابة للإجهاد، ووجدوا أن العمر البيولوجي زاد خلال فترات زمنية قصيرة، ولكنه عاد إلى خط الأساس بعد استعادة الإجهاد. كما لوحظت تغيرات عابرة في العمر البيولوجي أثناء الخضوع لجراحة كبرى والحمل والإصابة بـ COVID-19 الشديد عند كل من البشر والفئران، ما يشير إلى أن القدرة على التعافي من الإجهاد قد تلعب دوراً مهماً في الشيخوخة وطول العمر.

الساعة الفوق جينية هي مصطلح يستخدم لوصف الاختبار البيوكيميائي الذي يمكن استخدامه لقياس العمر. يعتمد الاختبار على مستويات مثيلية الحمض النووي وهي عملية بيولوجية تُضاف فيها مجموعات الميثيل إلى جزيء الحمض النووي. يمكن أن تغير عملية المثيلة نشاط جزء من الحمض النووي دون تغيير التسلسل الأساسي له، وتؤدي مثيلة الحمض النووي عادةً إلى منع نسخ الجينات.

يكشف هذا البحث الجديد أن العمر البيولوجي لدى البشر والفئران يمكن أن يزداد بسرعة بسبب الإجهاد، ولكن يمكن عكسه عند التعافي من الإجهاد، ما يتحدى النظرة التقليدية للشيخوخة. يشهد العمر البيولوجي للإنسان والفئران زيادة سريعة في الاستجابة لأشكال متنوعة من الإجهاد، والتي تنعكس بعد التعافي من الإجهاد، وفقاً لدراسة تم نشرها في 21 نيسان/ أبريل في مجلة Cell Metabolism. تحدث هذه التغييرات على فترات زمنية قصيرة نسبياً من أيام أو شهور، وفقاً لعدة ساعات الشيخوخة اللاجينية المستقلة.

يقول مؤلف الدراسة المشارك جيمس وايت من كلية الطب بجامعة ديوك: "إن اكتشاف العمر المرن والمتقلب وقليل المرونة يتحدى المفهوم التقليدي الراسخ منذ أمد طويل عن المسار التصاعدي أحادي الاتجاه للعمر البيولوجي على مدار الحياة. فقد أشارت التقارير السابقة إلى إمكانية حدوث تقلبات قصيرة المدى في العمر البيولوجي، ولكن مسألة ما إذا كانت هذه التغييرات قابلة للعكس، ظلت حتى الآن غير مستكشفة. كما كانت دوافع مثل هذه التغييرات غير معروفة بشكل حاسم أيضاً".

يُعتقد أن العمر البيولوجي للكائنات الحية يزداد باطراد على مدار الحياة، ولكن من الواضح الآن أن العمر البيولوجي لا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعمر الزمني. يمكن للأفراد أن يكونوا أكبر أو أصغر سناً من الناحية البيولوجية ما يوحي به عمرهم الزمني. إضافة إلى ذلك، تشير الأدلة المتزايدة في النماذج الحيوانية والبشر إلى أن العمر البيولوجي يمكن أن يتأثر بالمرض والعلاج بالعقاقير وتغيير نمط الحياة والتعرض للعوامل البيئية المختلفة، من بين عوامل أخرى.

"على الرغم من الاعتراف الواسع الانتشار بأن العمر البيولوجي مرن إلى حد ما على الأقل، فإن المدى الذي يخضع فيه العمر البيولوجي لتغييرات قابلة للعكس طوال الحياة والأحداث التي تؤدي إلى مثل هذه التغييرات لا تزال غير معروفة"، كما يقول مؤلف الدراسة المشارك فاديم غلاديشيف من مستشفى بريغهام للأمراض النسائية - كلية الطب بجامعة هارفارد.

لمعالجة هذه الفجوة المعرفية استفاد الباحثون من قوة ساعات مثيلة الحمض النووي، والتي تم ابتكارها بناءً على ملاحظة أن مستويات المثيلة في المواقع المختلفة في جميع أنحاء الجينوم تتغير بشكل متوقع على مدار العمر الزمني. قاموا بقياس التغيرات في العمر البيولوجي لدى البشر والفئران استجابةً لمحفزات الإجهاد المختلفة. في مجموعة واحدة من التجارب، قام الباحثون بإرفاق أزواج من الفئران جراحياً كان عمرها ثلاثة أشهر و 20 شهراً في إجراء يُعرف باسم التعايش التعاوني غير المتجانس.

كشفت النتائج أن العمر البيولوجي قد يزداد خلال فترات زمنية قصيرة نسبياً استجابة للإجهاد، لكن هذه الزيادة عابرة وتعود الاتجاهات نحو خط الأساس بعد التعافي من الإجهاد. على المستويات اللاجينية والنسخية والأيضية، تمت زيادة العمر البيولوجي للفئران الصغيرة عن طريق التعايش المتغاير المزمن واستعادته بعد الانفصال الجراحي.

يقول المؤلف الأول جيسي بوجانيك من مستشفى بريغهام والنساء بكلية الطب بجامعة هارفارد: "إن الزيادة في العمر البيولوجي عند التعرض للدم المسن تتفق مع التقارير السابقة عن التغيرات الضارة المرتبطة بالعمر عند إجراءات تبادل الدم غير المتجانسة". ومع ذلك، فإن إمكانية عكس هذه التغييرات، كما لاحظنا، لم يتم الإبلاغ عنها بعد. من هذه الرؤية الأولية، افترضنا أن المواقف الأخرى التي تحدث بشكل طبيعي قد تؤدي أيضاً إلى تغييرات قابلة للعكس في العمر البيولوجي".

كما هو متوقع حدثت تغيرات عابرة في العمر البيولوجي أيضاً أثناء الخضوع لجراحة كبرى، والحمل، والإصابة بـ COVID-19 الحاد عند البشر أو الفئران كما أسلفنا. على سبيل المثال شهد مرضى الصدمات زيادة قوية وسريعة في العمر البيولوجي بعد الجراحة الطارئة. ومع ذلك، تم عكس هذه الزيادة وعاد العمر البيولوجي إلى خط الأساس في الأيام التالية للجراحة. وبالمثل، عانت النساء الحوامل من تعافي العمر البيولوجي بعد الولادة بمعدلات ومقادير متفاوتة، كما عزز عقار مثبط للمناعة يسمى tocilizumab تعافي العمر البيولوجي لمرضى COVID-19 الناجين.

يقول غلاديشيف: "تشير النتائج إلى أن الإجهاد الشديد يزيد معدل الوفيات، جزئياً على الأقل، عن طريق زيادة العمر البيولوجي. قد تشير هذه الفكرة بشكل مباشر إلى أن معدل الوفيات قد ينخفض عن طريق تقليل العمر البيولوجي وأن القدرة على التعافي من الإجهاد قد تكون عاملاً هاماً محدداً للشيخوخة الناجحة وطول العمر. أخيراً، قد يكون العمر البيولوجي عاملاً مفيداً في تقييم الإجهاد الفيزيولوجي وتخفيفه".

أظهرت النتائج الإضافية أن ساعات مثيلة الحمض النووي البشري من الجيل الثاني تعطي نتائج متسقة، في حين أن ساعات الجيل الأول تفتقر عموماً إلى الحساسية لاكتشاف التغيرات العابرة في العمر البيولوجي. يقول غلاديشيف: "مهما كان السبب الأساسي، فإن هذه البيانات تسلط الضوء على الأهمية الحاسمة للاختيار الحكيم لساعات مثيلة الحمض النووي المناسبة للتحليل المطروح، لا سيما في ضوء الساعات العديدة التي تظهر باستمرار في المقدمة".

بينما تسلط هذه الدراسة الضوء على جانب لم يتم تقديره سابقاً لطبيعة الشيخوخة البيولوجية، يعترف الباحثون ببعض القيود المهمة. على الرغم من أنهم ميزوا أنموذج البارابيوسيس في مستويات متعددة من النوى (البارابيوسيس هو اتّحاد اثنين من الأعضاء عن طريق الجراحة بطريقةٍ تسمح بمشاركة جهاز الدوران بينهما – ووُصفت هذه التقنية لأوّل مرّةٍ في عام 1864)، إلا أنهم اعتمدوا بشكل أساس على ساعات مثيلة الحمض النووي لاستنتاج العمر البيولوجي في الدراسات البشرية لأن هذه الأدوات هي أقوى المؤشرات الحيوية المتاحة للشيخوخة حالياً. بالإضافة إلى ذلك، فإن النتائج محدودة في قدرتها على التحقيق في الروابط بين التقلبات قصيرة المدى في العمر البيولوجي ومسارات الشيخوخة البيولوجية مدى الحياة.

يقول وايت: "تكشف دراستنا عن طبقة جديدة من ديناميكيات الشيخوخة يجب أخذها في الاعتبار في الدراسات المستقبلية. يتمثل أحد المجالات الرئيسية لمزيد من البحث في فهم كيف يمكن أن تسهم الارتفاعات العابرة في العمر البيولوجي أو التعافي الناجح من هذه الزيادات في تسريع الشيخوخة على مدار العمر".

----

ترجمة عن موقع: Sci Tech Daily