كان من الطبيعي أن يشعر ألكسندر جونز بالإثارة عندما رأى طرساً (الطِرس هو الصفحة من الكتاب التي محي ما كتب عليها ليكتب عليها مرة ثانية) من القرن السادس في مكتبة أمبروسيانا في ميلانو لأول مرة. حدث ذلك في عام 1984 عندما كان جونز يعمل على أطروحته باستخدام المخطوطات في إيطاليا. مع الأدوات الموجودة تحت تصرفه، بما في ذلك مصباح الأشعة فوق البنفسجية المحمول والميكروفيلم، لم يكن بإمكانه قراءة سوى بضعة أسطر. لكن جونز شعر بالاستياء لأن هناك صفحات من النص لم ينجح أحد في قراءتها. إذ تم إخفاء الكتابة الأصلية جزئياً عن طريق محاولة قراءتها في القرن التاسع عشر.

ظلت هذه الصفحات غير مقروءة حتى هذا العام عندما تم فك شفرة جزء كبير من النص من قبل جونز، أستاذ تاريخ العلوم الدقيقة في العصور القديمة بجامعة نيويورك، والذي عمل مع فيكتور جيسمبرغ وإيمانويل زينغ من مركز ليون روبن في باريس. يبدو أن المادة التي اكتشفوها هي نسخة من أطروحة كلوديوس بطليموس حول أداة علمية تسمى منظار النيازك.

العثور على بطليموس

كان بطليموس المولود عام 100م، عالم فلك ورياضيات مشهوراً وله العديد من الأعمال الهامة، بما في ذلك المجسطي والجغرافيا. كتاب المجسطي الذي يلفظ ماثماتيكا سينتاكسيس ويعني الأطروحة الرياضية، هو رسالة بحثية في الفلك والرياضيات ألفها بطليموس عام 148م في الإسكندرية. حيث يعتقد أنه أقدم كتاب معروف في الفلك. ترجمه للعربية حنين بن إسحاق ومن الترجمة العربية تُرجم الكتاب إلى اللغة اللاتينية ثم إلى بقية اللغات الأوروبية. تحتوي هذه الأطروحة الرياضية على بحث عن منظار النيازك وهو وصف لكيفية استخدام الأداة للرصد، وكذلك لإجراء حسابات علم الفلك.

"تمت كتابة الأطروحة حول النيازك المسماة Meteoroscope (نسخة منها) باللغة اليونانية على أوراق من البرشمان وهي مخطوطات نفيسة كانت تصنع من جلود الأبقار. وبعد قرنين، تم محوها لكتابة مخطوطة أخرى باللاتينية تسمى Etymologiae والتي تعني: أصل الكلمة بواسطة إيسيدور الإشبيلي وهو مؤرخ ومبشر إسباني. كان إيسيدور الإشبيلي أسقف إشبيلية، ويُعتبر أعلم أهل زمانه. كان هذا النوع من إعادة التدوير ممارسة شائعة جداً في العصور الوسطى حيث كانت المخطوطات مكلفاً للغاية حسب ما قال جونز.

ووفقاً لغيسمبرغ فإن مخطوطة أصل الكلمة من القرن الثامن تتكون من عدة مئات من الصفحات. ثلاثون منها معاد تدويرها، ومعظمها يحتوي على نصوص من أعمال بطليموس. من بين الـ 30 صفحة تم تخصيص 12 صفحة لـ Meteoroscope . تحتوي الصفحات الأخرى من المخطوطة على نص عمل آخر لبطليموس يسمى " "On the Analemma والأنالمة: هو خط وهمي يأخذ شكل رقم 8، تحدده الأجرام السماوية الجارية حسب أوضاعها الموافقة للتوقيت المتخذ عند تحركها. وفي عام 1895 تمكن العالم الدانماركي يوهان لودفيغ هايبرغ من قراءة هذا المخطوط. هايبرغ عالم لغة ومؤرخ دانماركي، وكان أستاذ اليونانية وآدابها في كوبنهاغن، وقد أبدى اهتماماً كبيراً بالرياضيات القديمة.

إن إعادة استخدام رق البرشمان لكتابة المخطوطة اللاتينية ترك وجود بقايا باهتة للنص السابق. جرت محاولات الكشف عن النص الأصلي لأول مرة في أوائل القرن التاسع عشر بواسطة الكاردينال أنجيلو ماي، الذي اكتشف أن المخطوطة تحتوي على نص علمي، واستخدم مواد كيميائية على أمل أن تبرز آثار الحبر الباهتة. الآن هذه الصفحات عبارة عن مستطيلات بنية كبيرة حيث بالكاد تستطيع رؤية أي شيء مكتوب عليها. لقد صنعت التكنولوجيا الجديدة المعجزات لإبراز الآثار الباقية من خلال المواد الكيميائية حسب ما قال جونز.

المخطوطات القديمة

تتكون التقنية التي كشفت عن النص من كاميرا متعددة الأطياف وبرنامج معالجة الصور. تذكر جيسمبيرغ أنه صُدم بإمكانيات هذه التقنية عندما تم فك شفرة طرس أرخميدس. قال: "كطالب في ذلك الوقت، كنت مفتوناً بإمكانية استخدام الكاميرات لاكتشاف نصوص جديدة".

خلال لقاء جمع بالصدفة بين جيسمبيرغ وجونز عام 2019، زُرعت بذرة مشروعهم البحثي المشترك. كان جيسمبيرغ يبحث عن أفكار مثيرة للاهتمام من أجل بحثه عندما أشار جونز إلى الطرس في مكتبة أمبروسيانا. بدأ المشروع بعد تلقي تمويل من جامعة السوربون.

تم إجراء التصوير متعدد الأطياف للطرس في كانون الثاني 2020. وقد تم ذلك باستخدام كاميرا 240 مليون بكسل وبرنامج معالجة يسمى "Layer Amplification Method" والذي يهدف إلى تضخيم وإظهار الطبقات، تم تطوير كليهما بواسطة باسكال كوتي من معهد لوميير للتكنولوجيا.

جُهزت الكاميرا بـ 13 مرشح طول موجي يسمح بتصوير جسم بأطوال موجات فوق بنفسجية ومرئية وتحت حمراء تتراوح من 380 إلى 1050 نانومتر. تتمتع الكاميرا بنطاق ديناميكي عالٍ ويمكنها التركيز بشكل منفصل لكل طول موجي.

قال كوتي: لقد أضأنا صفحات الطرس بالأشعة فوق البنفسجية والضوء الأبيض النقي. باستخدام المرشحات، قمنا بقياس تفاعل الضوء على أعماق مختلفة داخل الرق. وكان هذا التفاعل مختلفاً لكل طول موجي. لقد التقطنا 1650 صورة وعالجناها باستخدام برنامج LAM للكشف عن النص اليوناني. قال جيسمبيرغ إن الصور تمت معالجتها بشكل إضافي بواسطة فريق من المكتبة الإلكترونية للمخطوطات القديمة.

بعد فك رموز النص، يمكن للباحثين ربطه مع بطليموس. فقد قال جونز: "كوني خبيراً في أعمال بطليموس، كنت على دراية بسلوكياته اللفظية المميزة التي كانت موجودة في هذا النص. في حين أن هناك أدلة أخرى، كان أقواها في صفحة حيث يذكر الكاتب أسماء جديدة للزوايا في علم الفلك ويصف ماهية الأسماء القديمة. هذا يطابق تماماً فقرة في كتاب آخر لبطليموس حيث يتم استخدام المصطلحات نفسها". وأضاف: "كما كان معروفاً أن بطليموس قد اخترع وكتب على هذه الأداة العلمية لأنه ذكرها في كتابه عن صنع الخرائط. إن النص يصف كيف يمكن استخدام الأداة لقياس الإحداثيات الزاوية، وتحديد موقع الكوكب في سماء الليل. تم ذلك عن طريق قلب الحلقات المتحركة للأداة بحيث يمكن رؤية الكوكب على طول وجوه حلقات معينة. بعد ذلك، يمكن قراءة الزوايا على مقاييس درجات منقوشة على الحلقات".

وفقاً لجونز، فإن الجانب الذي يميز هذا النص هو الشرح التفصيلي لكيفية صنع كل مكون من مكونات الأداة. "إنه نوع من الكتابة الفنية. إنه أول كتاب من نوعه عن الأدوات العلمية من العصور القديمة بهذا المستوى من التفاصيل".

----

بقلم: دانانجاي خاديلكار

ترجمة عن موقع: Ars Technica