أحدث نقلة نوعية في القانون والتشريع العالمي، وتعتبر كتبه ومؤلفاته أساس الحقوق الشرعية في القرون الوسطى والعصور الحديثة، فهو مؤلف أسس التشريعات الحقوقية العالمية، كما لقب "بأمير الفقهاء"، الذي أعطى للعالم أولى التشريعات والقوانين التي تعد مصدراً للحقوق حتى يومنا هذا.

إنه إميليوس بابينوس (بابنيان) وسمي بالإغريقية "بافنيان"، وهو الحقوقي السوري وشهيد العدالة التي أرسى قوانينها. ولد "بابنيان" في عام 142 للميلاد في مدينة حمص، ودرس الحقوق في مدرسة الحقوق الرومانية في بيروت التي بقيت حتى القرن السادس من أشهر مدارس تعليم الحقوق في الإمبراطورية الرومانية، وأصبح أستاذاً للقانون، وبلغت شهرته روما، وعمل مستشاراً كما شغل مناصب عدة في عهد الإمبراطور سبتيموس سيفيروس زوج السورية التي حكمت روما لاحقاً جوليا دومنا.

كان بابنيان ضمن الفقهاء السوريين الخمسة الذين صاغت تشريعاتهم 80% من مدونات جوستينيان في القانون والتي تتألف من خمسين كتاباً مؤلفاً من 2462 فقرة قانونية تعد مصدراً رئيسياً، استلهمت منه الدول الأوروبية الحديثة قوانينها مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا.

ألف بابنيان 19 مؤلفاً في المناقشات القانونية، و37 في المسائل القانونية، ويعتبر كتاباه "الأسئلة" و"الأجوبة" من أشهر ما كتب، حيث كان كتاب "الأجوبة" مقرراً مدرسياً في مدارس الحقوق الرومانية، وأيضا ًكتاب "الفتاوى".

أدخل بابنيان ما لا يقل عن 596 فقرة في "موجز جوستنيان القانوني" وذكر اسمه فيه 153 مرة، حيث أضافت تلك القوانين روح الرواقية المشرقية للتشريع الروماني الذي كان فظاً قاسياً.

كما قدم بابنيان خلال مسيرة حياته عدّة تشريعات للعالم تعتبر أساساً في قوانين العديد من الدول حتى اليوم، وكان قضاة إيطاليا عندما يجدون أنفسهم أمام حادثة غير مذكورة في قانونهم التشريعي المعتمد، يعودون إلى مؤلفات بابنيان كمرجع لهم والتي يتجاوز عمرها 1800 سنة. وغيرت التشريعات التي كتبها بابنيان مع زملائه السوريين الأربعة المفهوم القضائي السائد في روما في تلك الأيام، وحولته من قانون متحجر بدائي إلى قانون إنساني، وهذه الإنسانية استمدت من مدرسة زينون الرواقي التي كانت مبنية على الأخلاق والحكمة لا على مبدأ الانتقام، وهذه هي نقطة التحول القانونية في التاريخ الإنساني، أي البت في الجريمة من منطلق العدالة والإصلاح، إذ نشأ ما يسمى اليوم المدعي والمحامي والحق العام.

أوابد خالدة

أمام مبنى دار العدل في العاصمة الإيطاليّة روما ينتصب تمثال الحقوقي السّوري بابنيان الذي أعطى الكثير في مجال القانون والتّشريعات، وأمام مبنى الكونغرس الأمريكي توجد جداريّة باسم بابنيان تكريماً لدوره في مجال القانون كتب عليها: "مؤلّف لأكثر من ستّة وخمسين مؤلّفاً في الحقوق كانت أساس التّشريعات الحقوقيّة العالميّة".

نهاية بابنيان

كانت نهاية هذا الحقوقي الكبير على يد كاركلا ابن الإمبراطور سبتيموس وجوليا دومنا الذي قتل أخاه غيتا بعد صراع بينهما على الحكم، وعندما تسلّم زمام الأمور طلب من بابنيان أن يصوغ رسالة يتلمس فيها لكاركلا الأعذار التي جعلته يرتكب فعلته لتكون مخرجاً له أمام مجلس الشّيوخ، لكنّ بابنيان رفض ذلك، وقد أتبع بابنيان موقفه هذا بجملته الشّهيرة الّتي تردّدها أروقة المحاكم حتى الآن: "إنّ ارتكاب جريمة قتل أهون من تسويغ هذا القتل"، فغضب الإمبراطور وأمر بقتله، وقد كان موته دليلاً على دفاعه عن العدالة والقانون حتى آخر يوم في حياته، وفاجعة كبيرة للحقوق والتّاريخ.

----

المراجع:

-تاريخ سوريا الحضاري القديم، الدكتور أحمد داؤود، دار الرأي، 2006.

-مقاربة فكرية تاريخية للبعد الإنساني في الحضارة السورية، د. بشار خليف، مؤسسة كان للدراسات و الترجمة والنشر، 2009.

-موسوعة بريتانيكا.