لا تكتمل الصحة العامة من دون الصحة النفسية. ولا تكتمل دائرة العمل في دعم مفاهيم الصحة النفسية ونشر التوعية ونقل الأخبار الحقيقية إن لم يكن الإعلام شريكاً في برامج الاستجابة وطرق طرح المشكلات النفسية الناتجة عن الكوراث.
هناك محاور أساسية يجب أن يعمل عليها الإعلام بالتعاون مع الفرق الصحية خلال فترات الأزمات وما بعدها. وعليه يبين الدكتور نبيل سمرجي مسؤول الصحة النفسية في مكتب منظمة الصحة العالمية في سورية من خلال البحث الواقعي الذي تم تطبيقه خلال كارثة زلزال 6 شباط: أهمية أن يتناول فريق الصحة النفسية الأشخاص الذين عاشوا الحدث أو الذين اختبروه أو الذين كانوا شاهدين عليه. أي الأشخاص الذين اختبروا الرض النفسي بشكل مباشر أو كانوا شاهدين عليه في المجتمع بشكل عام. وأشار إلى الخطة المنهجية التي عملت عليها وزارة الصحة خلال فترة كارثة الزلزال مع مراعاة ظروف الخدمات الموجودة على الأرض في المحافظات المتضررة، والتي اعتمدت على مرحلة تقديم خدمات الإسعاف النفسي الأولي والخدمات الأساسية. بالتزامن مع تطوير وسائل الصحة النفسية؛ حيث وصل عدد الخدمات المقدمة في هذا الجانب إلى 130 ألف خدمة. بينما تركزت الخطوة التالية على تخصيص الخدمات للناس الذين تضرروا من الزلزال وكانت لديهم مشاكل نفسية تتعلق بالضغط والقلق والخوف.
أما بخصوص دور الإعلام، فيوضح الدكتور سمرجي الدور الكبير للإعلام في خطة الاستجابة النفسية للكارثة من حيث أولاً: طريقة تغطية الحدث وتسليط الضوء على الأشخاص الناجين. والانتباه إلى موضوع الوصمة التي يشعر بها المرضى النفسيين حيال المجتمع. وثانياً من حيث آلية نقل الرسائل الأساسية إلى الجمهور حول موضوع الرض النفسي وتثقيف الأشخاص حول ردود الأفعال التي تظهر عند الناس أثناء الكوارث، ما يساعد في معرفة المرحلة أو الحالة التي يعانون منها. إضافة إلى تناول الخدمات المتاحة حالياً على مستوى سورية مع شركاء آخرين. ودور الإعلام في توجيه الناس بالاتجاه الصحيح وتعريفهم بمزودي الخدمات الطبية وخاصة عندما يعلمون أن هناك أشخاص يعانون من ضغط شديد.
الضغط النفسي
يرى الدكتور سمرجي أهمية أن يمتلك الإعلامي معلومات وثقافة كافية في المجال النفسي وأنواع الحالات وآليات نقل ما يشاهده من ردات فعل لاإرادية. وخاصة أن هناك أنواعاً للضغط النفسي وهناك أشخاص لديهم حساسية عالية تجاه الأحداث. ولفت إلى وجود ضغط ممكن تحمله ويكون إيجابياً، وهذا يظهر لدى الأشخاص الإيجابيين القادرين على السيطرة على انفعالاتهم وتحقيق التوازن الشخصي خلال الأحداث التي تمر بهم. وهو نوع من أنواع التأقلم. ولكن في المقابل هناك ضغط يصعب تحمله ويظهر عادة لدى الأشخاص السلبيين في المجتمع غير القادرين على السيطرة على انفعالاتهم. كل ذلك يفرض أن يكون هناك إعلام متخصص بالمجال النفسي لمتابعة الحالات خلال الأزمات.
مؤشرات وعلائم
يوضح الدكتور نبيل سمرجي أن دور الإعلام في نزع الوصمة عن المرضى النفسيين يبدأ من طريقة إجراء المقابلة مع الأشخاص الذين يعانون من ضغوط بعد الحدث، وكيف يكون التحضير لهذه المقابلة، وكيف تبدو ردود الأفعال أثناء المقابلة وما بعدها، وكيفية نقل الخبر من دون إحياء المشكلة لدى الشخص. وهي أمور تتعلق بالتواصل المستمر مع الشخص الذي تتم معه المقابلة. وهناك حالات من الضغوط الثانوية التي قد يتعرض لها الصحفي بحكم احتكاكه مع الحالات التي لديها ضغوط، وبالتالي الصحفيون أيضاً يحتاجون إلى رعاية ذاتية في ظروف معينة.
وهنا يمكن الإشارة إلى ردود فعل مختلفة تتلق بقدرة الشخص على تجاوز الصعوبات ومدى التأقلم والتعامل مع الظروف، أو شعوره بالعجز الذي قد يسبب مرضاً نفسياً، ودور العلاقات الاجتماعية كشرط أساسي ليبقى الشخص متوازناً. وبحسب الدكتور السمرجي هي عناصر أساسية لكل الأمور المتعلقة بالحياة. فعندما يكون الشخص صحيحاً نفسياً يستطيع القيام بمهامه سواء كان صحفياً أو مديراً أو طبيباً أو عامل نظافة. وهناك ضرورة لوجود استراتيجيات رفع الوعي بالصحة النفسية وضبط المعلومات سواء كانت استبيانات أم تقارير. هذا ما تم الوصول إليه خلال الشهر الأول من الكارثة، حيث تم وضع خطة خاصة بالصحة النفسية، وعمل بها من خلال تشكيل فرق في محافظات مختلفة خلال وقت قياسي وإعادة تمرين الأشخاص العاملين في هذا المجال على المعلومات التي كانوا قد تدربوا عليها خلال السنوات العشر الماضية، ما ساعد على تقديم الخدمات للمتضررين بشكل متكامل وحقيقي.
الاستجابة النفسية
وبالعودة إلى خطة الاستجابة النفسية المتعلقة بكارثة زلزال 6 شباط، تبين الدكتور أسمهان زهيرة من مديرية الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة أن الاستجابة الصحية كانت مغايرة للأحوال العادية. فقد وضعوا نقاطاً مركزية للاستجابة النفسية في وزارة الصحة ومن ضمنها تجربة مشفى ابن خلدون من خلال الخط الساخن والاستجابة السريعة. وهو الأمر الذي يتم العمل عليه بالتنسيق مع الصحة لتفعيل الخط الساخن في مشفى ابن رشد بدمشق وباقي المراكز والمشافي التي تعني بهذا الجانب، مع التركيز في موضوع الاستجابة السريعة في المحافظات المنكوبة من خلال الشُعب الصحية الموجودة فيها. ومن خلال تشكيل فرق صحة نفسية تعمل على مدى الشهرين القادمين في متابعة الحالات واستكمال العمل ضمن مراكز الإيواء وخارجها. وأشارت إلى العمل الهام للإعلام في مثل هذه الحالات، وهو إرشاد الأشخاص الذين يلاحظون أن لديهم شدة نفسية نحو هذه المراكز وتقديم أرقام الخط الساخن لهم. والاهتمام بطريقة نقل الخبر أو شرح الحالة ضمن إطار إنساني وتوعوي للتخفيف من حدة التوتر والقلق أو الأعراض الظاهرة وخاصة عند الأطفال. علماً أن أي صدمة أو اضطراب نفسي لا يمكن تشخيصه قبل مضي شهر على استمرار أعراض معينة من تيقظ شديد أو كوابيس وكذلك الاكتئاب، لا يشخص إلا بعد مرور أسبوعين على مجموعة من الأعراض التي تظهر على الشخص.