أصبحت البيانات والحقائق حول التبغ كثيرة جداً، ولم يعد خافياً بأن هذا الوباء هو السبب الرئيسي للوفاة والمرض والفقر وأحد أكبر التهديدات التي تواجه الصحة العامة في العالم على الإطلاق، حيث يقتل أكثر من 8 ملايين شخص كل عام، ويدمر البيئة ويزيد من الإضرار بصحة الإنسان من خلال زراعته وإنتاجه واستهلاكه ونفاياته.

تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى ازدياد استعمال التبغ في البلدان النامية، وازدياد أعداد الوفيات والإعاقات الصحية من جراء الأمراض التي يسببها التدخين. كان السؤال الأهم: أين نحن من كل هذا في موضوع المكافحة والتصدي للوباء؟

تقول مسؤولة برنامج مكافحة التدخين في وزارة الصحة الدكتورة عبير العبيد، إن الظروف المحيطة بحالة الطوارئ قد تزيد من احتمالية تعاطي التبغ أو معدل تعاطيه، بالإضافة إلى ارتفاع معدل التدخين السلبي أثناء الكوارث التي تمارس دوراً في إعاقة تنفيذ التشريعات المتعلقة بمكافحة التدخين، وذلك بسبب ازدياد الاتجار غير المشروع بمنتجات التبغ، والاستهلاك المتواصل لجميع أنواعه، ما يزيد من العبء على الصحة ويستنزف موارد الأسرة. وهذا ما يجعل مكافحة التبغ أكثر ضرورة وإلحاحاً أثناء حالات الطوارئ.

مكافحة التدخين

إنجازات ومبادرات

وبالنسبة إلى السياسة الوطنية المتبعة في سورية حيال مكافحة التدخين، فهي تتجلى بالتشريعات والالتزامات وخاصة بعد صدور المرسوم التشريعي رقم 13 تاريخ 9 أيلول 1996 المتضمن منع الإعلان عن التبغ أو الدعاية له في وسائل الإعلام المرئية أو المقروءة أو المسموعة. وإصدار المرسوم التشريعي رقم 59 تاريخ 9 أيلول 2004 المتضمن الانضمام إلى اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ. وإصدار المرسوم التشريعي رقم 62 تاريخ 6 تشرين الأول 2009 المتضمن منع التدخين في الأماكن العامة وتقييد التدخين في المحال العامة. وعليه تبين الدكتورة عبير إنجازات البرنامج لعام 2016 وعام 2017 حيث كانت الدعوة في البداية لفئة الشباب كونهم جيل المستقبل للابتعاد عن التدخين الذي سيدمر صحتهم، وذلك من خلال مبادرات شبابية منها: مبادرة (فليكن منك التغيير) الموجه للشباب في دور الأيتام ومدارس الأحداث، ومبادرة (عزم وإرادة ضد التدخين) لطلاب الجامعات والمعاهد والتي تم الوصول من خلالها إلى 10000 شاب وشابة بالتوعية خلال شهرين من العمل، ومن خلال ندوات تثقيفية ودورات تدريبية في كل المحافظات السورية.

وتشير العبيد حول برنامج عام 2018 كيف ازداد الاهتمام بالبرنامج من قبل أصحاب القرار في كل الوزارات وخاصة وزارة الصحة التي تعتبر المسؤلة عن تطبيق المرسوم التشريعي رقم 62 لعام 2009 الخاص بمنع التدخين في المحال العامة. وحاول البرنامج توسيع نطاق العمل ليشمل الجهات الحكومية والمنظمات الشعبية والجمعيات الأهلية؛ حيث تم تدريبهم في وزارة الصحة على كل المعلومات الخاصة بالأضرار التي يسببها التدخين، منها وزارة الأوقاف التي خصصت الكثير من خطب يوم الجمعة للحديث عن أضرار التدخين. كذلك وزارة الشؤون الاجتماعية من خلال الجمعيات الأهلية، وأيضاً وزارات السياحة والإعلام والعدل والتربية والداخلية، وكانت هناك تشاركية مع منظمة طلائع البعث ومع منظمة شبيبة الثورة.

السياسات الست

هناك ست سياسات عالمية لمكافحة التدخين، وهي الرصد والحماية والمساعدة والتحذير والحظر والضرائب، تعمل عليها الصحة السورية، وفقاً لما أكدته مسؤولة برنامج مكافحة التدخين، مشيرة إلى قيامهم بمبادرات موجهة للمدارس وصولاً إلى مدارس خالية من التدخين، تم تطبيقها خلال عام 2018 وعام 2019 من خلال نشر التوعية الصحية لأضرار التدخين بين طلاب المدارس والأنشطة التفاعلية والمعارض ورسوم ومسرحيات وإذاعة مدرسية ومجالس أولياء الأمور وأنشطة متعددة أخرى شعرية وغنائية. وقد شمل العمل عشر محافظات سورية بمعدل مدرستين لكل محافظة مدرسة للإناث وأخرى للذكور، وبالتعاون مع وزارة التربية تم فيها تسليط الضوء على آفة التدخين لدى الكادر الإداري والتدريسي والطلابي.

أما بخصوص الدراسة التي أجريت حيال هذا الموضوع، فقد شملت العينة 1218 طالباً وطالبة من مدارس الحلقة الثانية ولأعمار 13-15 سنة، وأشارت النتائج إلى وجود نسب من التدخين العابر بين طلاب المدارس تعادل 49.6% ونسبة انتشار التدخين السلبي 64.8% من العينة المدروسة. كما تبين أن وجود نسب تدخين داخل المدارس بمعدل 40% بين المدرسين وبمعدل 50% بين الكادر الإداري.

هذه النتائج استدعت المضي قدماً في المبادرة، لتشمل كل مدارس سورية مستقبلاً وبموافقة كل من السيد وزير الصحة والسيد وزير التربية وبالتعاون القائم بين مديرية الرعاية الصحية الأولية – برنامج مكافحة التدخين، وبين مديرية الصحة المدرسية.

استهداف الشباب

تحدثت مديرة البرنامج عن أنواع مختلفة للتدخين، في إشارة إلى تأثير النرجيلة، وفي الوقت نفسه أشارت إلى اهتمام الصحة في مجال المكافحة من حيث وجود 24 عيادة للإقلاع عن التدخين، ومن خلال تنفيذ السياسات الست العالمية المجموعة في هذه الكلمة (OFFER) والذي يتم فيها تقديم مساعدة الإقلاع عن التدخين وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية؛ حيث تم تنفيذ تدريب أولي للمنسقين في المحافظات عبر المراكز الصحية خلال عام 2019. وأقيمت مبادرات موجهة لطلبة الجامعات تحت عنوان (جامعات خالية من التدخين) هدفت هذه المبادرة إلى رفع درجة الوعي لدى طلاب الجامعات السورية حول أضرار التدخين. وقد تم العمل بها بالتعاون مع وزارة التعليم العالي من خلال فريق عمل من وزارة الصحة ووزارة التعليم العالي والمنسقين للبرنامج في المحافظات السورية. وعلى مدى سنتين تم استهداف 30 كلية مختلفة حكومية وخاصة ومهن طبية وجامعات أخرى. وكانت نسب التدخين لدى طلاب الجامعات تتجاوز نصف العينة. وهذا يشير إلى أهمية تطبيق المرسوم التشريعي رقم 62 لعام 2009 الخاص بمكافحة التدخين وتنفيذ حملات إعلامية حول أضرار التدخين.

الاحتفال باليوم العالمي

شاركت سورية في الاحتفالات العالمية باليوم العالمي لمكافحة التدخين، وعملت وفقاً للشعارات التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية النابعة من بنود اتفاقية مكافحة التدخين ومنها شعار عام 2015 (وقف الاتجار غير المشروع لمنتجات التبغ) وشعار2016 (استعدوا للتغليف البسيط) وشعار2017 (التبغ يهددنا جميعاً) وشعار 2018 (التبغ يدمر القلوب، فاختر صحتك وليس التبغ) وشعار 2019 (لا تجعل التبغ يحبس أنفاسك) وصولاً إلى شعار هذا العام 2023 (لنزرع الغذاء ونترك التدخين).

استمرار الإستراتيجية

تعمل وزارة الصحة اليوم على تنفيذ الاستراتيجية الخاصة بالبرنامج الوطني لمكافحة التدخين بالتشاركية مع كل الجهات الحكومية والأهلية والمنظمات الشعبية للأعوام 2021- 2023 وذلك وفق الاستراتيجية الإقليمية، والتي تم اعتمادها من قبل منظمة الصحة العالمية لدول شرق المتوسط، وتفعيل المراسيم الخاصة بمكافحة التدخين في سورية ومن خلال إطلاق الخدمات الصحية للإقلاع عن التدخين في المراكز الصحية، وذلك تماشياً مع السياسات العالمية الست .MPOWER. وتؤكد وفقاً للدكتورة العبيد على العديد من الأنشطة المستقبلية للبرنامج من إعداد مواد تثقيفية (بوسترات وبروشورات) والاستفادة منها في نشر التوعية تجاه هذه الآفة.