مع أن لسرطان الرئة عوامل عدة أكثر من مجرد التدخين، إلا أن أصابع الاتهام على المستوى العالمي تشير إلى أنه يمكن الوقاية من 90% من الحالات عن طريق القضاء على استهلاك التبغ. انطلاقاً من هذه الحقيقة العلمية حول التدخين وأضراره الجسيمة وخاصة سرطان الرئة، فهناك جوانب تفصيلية ومعارف لا بد من ملاحظتها وسط اهتمام عالمي وفوارق واضحة بين العاملين على مكافحة التدخين وبين الفئات المروجة والساعية لرفع أعداد المدخنين بأشكاله كافة.

الدكتور بسام درويش اختصاصي بالأمراض الصدرية وأستاذ في جامعة دمشق وعضو اللجنة العليا لمكافحة التدخين، تحدث للبوابة المعرفية حول آخر ورقة علمية قدمها تحت عنوان (التدخين وسرطان الرئة) مشيراً إلى أفكار بحثية متنوعة، منها أن الأشخاص الذين يدخنون هم الأكثر عرضة للخطر حتى لو كان التبغ بدون دخان، ويمكن لهذا السرطان أن يصيب الأشخاص غير المدخنين، وأن التعرض للتدخين السلبي لا يقل خطورة عن المدخنين أنفسهم.

وقال درويش: لم يكن الشعار الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية هذا العام لمكافحة التدخين (نحن نحتاج إلى الغذاء وليس إلى التبغ) إلا نتيجة للارتفاع الكبير لأعداد المدخنين؛ فهناك قرابة نصف سكان العالم يستخدمون التبغ، وقد أصبح هذا المنتج يقتل أكثر من 8 ملايين شخص سنوياً، مليون منهم يموتون من آثار التدخين السلبي في كل عام. لكن السؤال الأهم في هذه الأرقام: أين يقطن هؤلاء الناس؟ حيث تكون الإجابة المؤسفة أن أكثر من 80% هم من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، فهؤلاء المدخنون هم من بلادنا، في حين أن الدول المتقدمة والتي طبقت قوانين المنع للتدخين بحذافيرها تقل النسبة لديها بشكل ملحوظ.

رئة مصابة

مخاطر متعددة

من حيث الواقع الصحي والعلمي، يعرض الدكتور بسام صورة مهمة يشير من خلالها إلى أنه لا يوجد عضو في الجسم إلا ويتأثر بأضرار التدخين من فروة الرأس إلى أخمص القدم. فهو يؤثر على جفاف البشرة ويجعلها تميل إلى الشحوب، وله دور في تساقط الشعر والصلع المبكر وزيادة انتشار الساد العيني ويُسرع من الصمم، وله تأثير كبير على الغشاء المخاطي في الفم والأنف والبلعوم ودور في سرطان البلعوم والفم واللسان وما شابه، وكذلك سرطان الحنجرة الذي يرتبط بشكل وثيق بالتدخين، كما تزيد نسبة سرطان الثدي عند المدخنات والمدخنين والإصابات القلبية والقرحات المعدية والإصابات الوعائية والمحيطية وغيرها الكثير؛ إذ لا يخلوا عضو من أعضاء الجسم إلا ويكون للتدخين تأثير سلبي عليه، وصولاً إلى الصدر حيث توجد الرئتان وهما الأكثر تأثراً وإصابة بسبب التدخين.

يبين طبيب الصدرية أن الدراسات الحالية تشير إلى 700 مادة مضرة يحتويها الدخان 60% منها مواد مُسرطنة، في حين قبل عشر سنوات كان يقول في محاضراته السابقة أن هناك 600 مادة مضرة في التبع 40% منها مواد مُسرطنة، وهذا يعني أن الاكتشافات الحديثة تزيد من التعرف على مواد أخرى مُسرطنة. ويشير إلى أن القطران يؤثر بشكل مباشر على الخلايا التنفسية والتي تتحول مع الزمن إلى خلايا سرطانية. وفي دراسته المطبقة على 250 مريضاً مصاباً بسرطان الرئة، هناك 90 % منهم مدخنين. لذلك يعتبر التدخين هو أكثر أسباب وفيات سرطان الرئة في العالم، وتتضاعف هذه النسبة مع نسبة التدخين وشدته. فالتدخين اليوم سبب رئيسي في انخفاض معدل متوسط العمر بما يعادل 22 سنة عن العمر النظامي.

الخط البياني

في صورة أخرى أخذها الدكتور درويش من الدروس السريرية التي يقدمها لطلابه في كلية الطب البشري، يبين أن سرطان الرئة هو السبب الثامن للوفيات عموماً، لكنه هو السبب الأول للوفاة بين السرطانات. لافتاً إلى أن الخط البياني الذي يربط بين عامي 1990 وحتى 2010 سجل حالة ارتفاع مستمر، وهو مؤشر إلى أن نسبة سرطان الرئة يرتفع مع الوقت في العالم كله. وإذا كان التدخين هو السبب الأول لسرطان الرئة وبما أنه قل في الدول المتقدمة، فهذا يعني أنه هو الأكثر فتكاً في العالم الثالث الذي ينتشر فيه التدخين انتشاراً هائلاً. وعلى الرغم من تقدم العلاج وكثرة أنواعه، إلا أن هناك حقيقة تبين أن 50% من المصابين يعيشون خمس سنوات، وهذا نتيجة التقدم الطبي في الاكتشاف المبكر والعلاج الناجع. ولكن في سرطان الرئة ورغم تقدم التقنيات الجراحية وتوفر المواد الكيمائية، فإن نسبة الشفاء خمس سنوات منخفضة جداً.

ويلفت عضو لجنة المكافحة إلى أهم أعراض سرطان الرئة والذي يعتبر السعال في مقدمتها إذ يشكل 90% منها وخاصة عندما يكون هذا السعال جافاً. وفي حال خروج الدم مع السعال، فهذا عرض نوعي لا يجب السكوت عليه أبداً.

على المريض متابعة وضعه الصحي خاصة إذا كان ذكراً وعمره فوق الستين عاماً، كما أن هناك عارض الزلة التنفسية والتي تشكل 60% من الحدوث عندما يكبر الورم في الرئة أو يحدث انخماص. وفي كل الحالات يرافق المرض حالات نقص الشهية ونقص الوزن التي تعتبر من العلامات المهمة.

أعراض الاشتباه

هذه الأعراض التي تحدث عندما يكبر الورم ضمن الرئة ويضغط على الأعضاء المجاورة، حيث يكون المريض في حالة متقدمة. وهناك أعراض للاشتباه منها بحة الصوت الناتجة عن ضغط العصب من قبل الورم، وهناك ألم الصدر المبرح والناتج عن ارتشاح الورم ووصوله إلى العصب الوربي، وكذلك عثرة البلع، وهناك متلازمة الأجوف العلوي وانصباب الجنب والدامور وجميعها تدل على وجود ورم متقدم. كما أن هناك أعراض نقائل بعيدة وهي تظهر إذا انتقل السرطان بالطريق الدموي خارج الصدر، حيث إن أول منطقة ينتقل إليها هي الدماغ ليشكل أعراضاً عصبية مثل الصداع والدوخة والفالج. وفي حال انتقاله إلى الكبد، فإنه يسبب ضخامة في الكبد. هذه الأعراض تُوجب على المريض القيام بالاستقصاءات والتشخيص بالاعتماد على الخذعة أو التنظير، في حين يكون العلاج إما إشعاعياً أو جراحياً أو كيماوياً، وقد يحتاج المريض لكل هذه الحالات بحسب مرحلة الورم.

ويوضح الدكتور درويش نقطتين في غاية الأهمية في حال العلاج الجراحي. الأولى، أن استئصال الورم هو العلاج الشافي الوحيد لسرطان الرئة. ومن خلال الأسئلة القديمة التي تقول إن جراحة السرطان تسبب في انتشاره، فالجواب إن السرطان سينتشر في الحالتين، وأن الجراحة تعطي نتائج جيدة جداً إذا تم اكتشاف المرض مبكراً. أما الفكرة الثانية فهي أن 35% من الحالات هي المرشحة للعمل الجراحي، أي ثلث الحالات فقط هي التي يكون الاكتشاف فيها مبكراً، وثلثي الحالات يكون الورم منتشراً في أعضاء محيطية، وبالتالي لا يمكن القيام بالعمل الجراحي.

حالة تراكمية

إن جميع المشكلات الناتجة عن التدخين هي عملية تراكمية، وليس لدينا ثقافة وإمكانيات القيام بصور للطبقي المحوري بجرعات منخفضة كما يحدث في الدول المتقدمة للكشف المبكر عن سرطان الرئة، وليس لدينا تأمين صحي لهذا الموضوع. وبالتالي لابد من إجراء صورة صدر بسيطة كل ثلاثة أشهر من خلالها يتبين إن كانت هناك كثافة رؤية أم لا. هذا ما ينصح به الدكتور بسام درويش مشيراً إلى وجود لجنة عليا لمكافحة التدخين تشارك فيها 20 وزارة ومؤسسة حكومية ومن ضمنها وزارة التعليم العالي التي يمثلها هو. هناك جهود لعمل مصفوفة خاصة بكل جهة لمكافحة التدخين، وفي مصفوفة التعليم العالي 2020 حتى 2023 أقيمت أبحاث جامعية لكشف تأثيرات التدخين في المجتمع السوري بشكل عام، في حين أن هذه الأبحاث تقام في الكليات الطبية بشكل روتيني وكل مريض توضع له استمارة بحثية تتضمن معلومات كاملة حوله، إن كان مدخناً وكم سيجارة يدخن في اليوم وفي السنة. وتقام دورات لتعريف جميع العاملين في الجامعات والمعاهد والكليات لتعريفهم بأضرار التدخين. وهناك مهمة أساسية للتوعية بشكل مبدئي بين الطلاب والأساتذة والعاملين والعمل على تهيئة المؤسسات التعليمية لتكون هذه الأماكن خالية من التدخين.