أدى التطور العلمي والتكنولوجي، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل متواصل، إلى ظهور سلوكيات متعددة، والتي قد تعبر عن إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها: السرقة، والسب، والابتزاز الإلكتروني، ونشر الإشاعات، والتنمر الإلكتروني، والذي تزداد معدلات انتشاره في العالم، إذ إن التعرض للتنمر يسبب العديد من الاضطرابات النفسية والسلوكية لدى الأشخاص، ما يؤدي إلى تدني التحصيل الدراسي.

تبين كل من الدكتورة أماني اسكندراني والدكتورة حسن صبيرة في بحثهما الذي حمل عنوان (التنمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعلاقته بالمناعة النفسية لدى طالبات الجامعة في مدينة دمشق) أن الهدف من الدراسة الحالية هو معرفة العلاقة بين هذين الجانبين، والكشف عن الفروقات الفردية وفقاً للعمر والكلية في كلٍ منهما.

مقياس التنمر

استخدمت الدراسة الحالية مقياس التنمر ومقياس المناعة وفقاً (لدراسة أعدتها الباحثة رحمة العمري عام 2001 )، وجرى ذلك على عينة بلغت 400 طالبة من طلبة كليتي الإعلام والعلوم في مدينة دمشق، وتوصلت الدراسة إلى وجود مستوى مرتفع جداً من التنمر ومستوى منخفض من المناعة، كذلك تبيّن وجود علاقة عكسية بين التنمر والمناعة، وكشفت الدراسة عن وجود فروق وفقاً للسنة الدراسية بين طلبة السنة الأولى والأخيرة في التنمر لصالح طلبة السنة الأولى، وفي المناعة النفسية لصالح طلبة السنة الأخيرة، ووجود فروق وفقاً للكلية في التنمر لصالح طالبات كلية الإعلام، وفي المناعة لصالح طالبات كلية العلوم.

الإلكتروني أكثر ضرراً

توجد أدوات عديدة يتم استخدامها في التنمر الإلكتروني، منها: البريد الإلكتروني والرسائل النصية والصور ومقاطع الفيديو والرسائل الفورية والمواقع الإلكترونية المتعددة. وقد أشار البحث إلى أن التنمر الإلكتروني أكثر ضرراً من التنمر التقليدي، والسبب هو استمرارية الإيذاء لفترة زمنية طويلة ما يؤثر على الضحية. وأكدت الدراسة إلى وجود علاقة ارتباطيه عكسية بين سلوك التنمر ومفهوم الذات الأكاديمي، وإلى ضعف الإنجاز الدراسي، ما يؤدي إلى فشل ورسوب متكرر وانخفاض التحصيل الجامعي.

سلوك غير طبيعي

ارتبط ظهور مفهوم التنمر بنشأة المؤسسات التربوية، إلا أن الباحثين المهتمين بالعلاقات الاجتماعية لم يهتموا بتلك الظاهرة، ولم يأخذوها على محمل الجد، على اعتبار أن ما يحدث داخل هذه المؤسسات وبين الطلبة، هو نوع من أنواع الدعابة البسيطة التي لا تتعدى حدود الممازحة العابرة أو الحدة النفسية. وعليه ترى كل من الباحثتين أنه من المهم إزالة الفكرة غير العقلانية لدى الكثير من الناس الذين يرون في التنمر سلوكاً طبيعياً بين الطلاب ينتهي تلقائياً دون تدخل أحد. في حين أن المتنمرين والضحايا يعانون من مشكلات وصعوبات تؤثر على حياتهم. وبالتالي هو نوع من أنواع العدوان، وهو يحدث عندما يستغل شخص ما سلطته بشكل سلبي لإكراه شخص آخر على فعل أمر ما بقصد تخويفه. وقد تحدث هذه السلوكيات في جميع الأعمار بما في ذلك المرحلة الجامعية.

وتناول البحث الآثار السلبية للتنمر بما يحمله من عدوان تجاه الآخرين، إن كان بصورة جسدية أو لفظية أو اجتماعية أو جنسية، سواء على القائم بالتنمر أو ضحية التنمر أو البيئة التعليمية أو المجتمع ككل. في إشارة إلى أن هناك أسباباً مختلفة للتنمر في المرحلة الجامعية، وهناك جانب يتعلق بالثقافة العامة لهذا المجتمع والرفاق وغياب اللجان المختصة والمحاسبة وضعف العلاقة بين المؤسسات التعليمية والطلاب والأهل. كل هذه العوامل تساعد على تقوية وإظهار سلوك التنمر من قبل بعض الطلاب. وهنا يأتي دور الجامعة في مواجهة سلوك التنمر، وخاصة أن هناك العديد من الدراسات السابقة أكدت على هذا الدور المهم للجامعة في معالجة موضوع التنمر.

وجهة نظر معرفية

يعد التنمر من أخطر أنواع الاعتداءات المرتكبة على الطالب، وأصبح من المشكلات التي تعاني منها المؤسسات التعليمية. ويرجع الاهتمام بظاهرة التنمر في المجتمع عامة والمؤسسات التعليمية خاصة إلى العديد أسباب، منها الآثار المدمرة لهذه الظاهرة، وخاصة على بعض الطلاب ما قد يؤدي إلى الانتحار أو التفكير فيه. وقد أشارت الإحصائيات العالمية إلى أن ما يقرب من 30% من الطلاب يتعرضون للتنمر من قِبل أقرانهم. وفي عام 2020 صدرت العديد من الدراسات التي تعمل على تنمية مفهوم تقدير الذات لخفض سلوك التنمر لدى طلاب المرحلة الجامعية، وأوضحت أثر الجامعة في خفض سلوك التنمر لدى الطلاب.