في الماضي غير البعيد كانت تُصنف الدول إلى دول غنية وأخرى فقيرة وفقاً لما تمتلكه من ثروات باطنية أو بما تمتلكه من صناعات تقنية أو حتى بما تحتويه أراضيها من موارد مائية.

في الوقت الحاضر وفي ضوء التقدم التقني غدا العالم قرية صغيرة بفضل شبكات الإنترنت وشبكات الجيل التالي التي مهدت لظهور شبكات (m2m) بفضل بروتوكولات الجيل التالي للإنترنت والتي أفضت إلى إمكانية تواصل الآلة مع الآلة بعيداً عن تدخل الإنسان وإدخال مفهوم إنترنت الأشياء بتفرعاته المختلفة، حيث يعتبر إنترنت الأشياء الصناعية iiot وإنترنت الأشياء الطبية iomt من أكثرها شهرة وانتشاراً.

هذا ما تحدث عنه الدكتور حسن مسلماني عضو الهيئة التدريسية بجامعة الوادي السورية في بحثه الجديد حول تصميم نظام شبكة ألياف ضوئية عربي متكامل ذكي لدعم متطلبات الاستدامة ومواجهة الكوارث. وأشار إلى أن تقدم الدول اليوم أصبح يقاس بما تمتلكه من مقومات تطوير هذه الشبكات الجديدة، والتي يمكن اعتبار شبكات الكوابل الضوئية بأنواعها المختلفة أحد أهم مرتكزاتها بوصفها حوامل المعلومات التي يتم عبرها نقل وتبادل المعلومات.

فكرة البحث

تقوم فكرة البحث على اقتراح إنشاء وترقية العمود الفقري للإنترنت في سورية، من خلال خلق مسارات بديلة ذات سرعات منافسة تساهم في تكامل الشبكات المحلية والقطرية والدولية القائمة من خلال تأسيس نقاط ولوج برية في دمشق وحلب تكون رديفة لنقطة الولوج البحرية في طرطوس لتوظيف أدوات الثورة الصناعية الرابعة بهدف استخدام كل الموارد المتاحة لتهجير المعلومات من الحوسبة السحابية إلى حوسبة الحافة باستخدام أفضل سرعة استجابة ممكنة لتحقيق الاستثمار الأمثل في إدارة المشاريع في القطر في مرحلة إعادة الإعمار من خلال erp وsap في معالجة المعطيات، وصولاً إلى مدن ذكية ذات تنمية مستدامة.

يبين الدكتور مسلماني أن فكرة البحث بدأت لديه خلال تواجده في ألمانيا، حيث لاحظ عدم وجود سرعة وصول على الشبكة السورية أو استجابة عالية للوصول للأشياء حتى تعمل الماكينات في بيئة إنترنت الأشياء وبيئة البيئات الجديدة للمصانع والمعامل الذكية. ولكونه يمتلك معرفة حول الأرضية وديمغرافية هذا الموضوع في سورية من خلال وجود كابل بسعة 8 تيرا بايت غير مستخدم وقد توقف منذ عام 2011 جاءت الفكرة بهدف إعادة الحياة بالتشاركية لهذا الكابل الذي يحمل اسم (جادا) وهي الأحرف الأولى من كلمات: جدة عمان دمشق اسطنبول.

الهدف الأسمى

وضع سورية على الخريطة الرقمية التي هي أساس في إنترنت الأشياء والاتصالات الحديثة، هو الهدف الأسمى الذي يسعى إليه الباحث من خلال طرحه هذا. وعليه فإن هذا الإنجاز يحتاج إلى سرعات عالية لكي تحدث الاستجابة، ولذلك تم تصميم الشبكة ضمن سورية بالتشاركية في استخدام الكابل بحيث يدفع الشريك جزء من التكلفة، في حين التكلفة التي سندفعها في سورية هي تقديم ممر باتجاه أوروبا فقط، بحيث يكون خط الإنترنت ممتداً من جدة وعمان ودمشق إلى اسطنبول إلى أوروبا الغربية حيث يوجد المركز.

وأشار الدكتور مسلماني إلى أن بداية التطبيق كانت في مدينة حلب، حيث أقيمت ورشة عمل حول إعادة إعمار المدينة بطرق ذكية. وكان هناك تجاوب كبير من قبل المعنيين وخاصة المحافظة. وتم تنفيذ الفكرة. وبعدها أقيمت ورشة عمل خاصة لمدراء الدوائر في حلب مثل مدير الهاتف والبنوك من خلال داتا سنتر لربط العمل بين هذه الجهات، بحيث يستطيع صاحب القرار أخذ فكرة حول كل الأمور في المدينة، الأمر الذي يساعده في اتخاذ القرار المناسب من خلال المعطيات (لينك تجمع).

طريق الحرير الرقمي

مع أن البداية كانت في حلب، إلا أن الطموح أكبر بكثير، وخاصة بعد أن وقّعت سورية اتفاقية خاصة مع الصين في أوائل عام 2021 لتكون جزءاً من طريق الحرير الرقمي الصيني. هذا الشيء المبشر للعودة إلى طريق الحرير الذي كانت مدينة حلب المسوق الأساسي له منذ القدم، ينقصه اليوم بعض الخطوات العملية لتنفيذ بنود الاتفاقية وفقاً لما أشار إليه الباحث مسلماني. ويرى الباحث أن العودة اليوم ستكون من خلال التجارة الإلكترونية وتحضير البنى التحتية. وهكذا يقوم المشروع الثاني بوضع سورية على الخريطة الرقمية، لأن أي دولة لم تكن على الخريطة الرقمية، تعتبر دولة بدون ممرات. وعليه فإن التجارة الإلكترونية تكون على الشبكة التي هي عمودها الفقري.

أما بخصوص التوصيات، فيرى الدكتور حسن مسلماني أن الاقتصاد الرقمي والشركات التي تعمل داخله قوة دافعة قوية وراء الحد من الفقر، ويمكن أن تكون له إمكانات كبيرة في تحقيق نتائج التنمية. وعليه فالطموح أن تكون سورية على الخارطة الرقمية ووجود داتا سنتر سوري موجود ضمن الأراضي السورية، بحيث تصل المعلومة المطلوبة بأقصر الطرق من سنتر معلومات محلي. وأن نكون من الدول الفاعلة على طول طريق الحرير. وهذا يحتاج إلى سلام وإلى كبح جناح الإرهاب والسيطرة على الموارد.