احتفلت الجامعة السورية في الخامس عشر من حزيران 2023 بمرور مئة عام على إنشائها. مع أنها في الواقع أقدم من ذلك بعشرين عاماً، إذ تأسست أول مرة كلية للطب في عهد السلطان عبد الحميد الثاني عام 1903. إنها جامعة دمشق، جوهرة الجامعات العربية التي تتمتع بسجل حافل وضخم من أسماء علماء الشرق الأوسط وساسته وأدبائه وهي من أقدم وأكبر الجامعات السورية تقع وسط العاصمة دمشق ولديها فروع في بعض المحافظات الأخرى.

تعد جامعة دمشق أول جامعة حكومية في الوطن العربي. ولهذا تدعى الجامعة الأم؛ إذ ترجع نواتها الأولى إلى عام 1903 من خلال المدرسة الطبية بفرعيها الطب البشري والصيدلة. وبتاريخ 15 حزيران عام 1923 أصدر رئيس الاتحاد السوري صبحي بركات مرسوماً بتأسيس الجامعة السورية في دمشق والمؤلفة من معهد الحقوق (مدرسة الحقوق سابقاً)، ومدرسة الطب، والمجمع العلمي العربي، ودار الآثار العربية.

بداية الحكاية

في عام 1901 أقر إنشاء مكتب مدرسة للطب في دمشق، وقد افتتحت هذه المدرسة التي تعد النواة الأولى للجامعة في عام 1903 وضمت فرعي الطب البشري والصيدلة، وكانت نواة التدريس فيها اللغة التركية، وقد كان قرار السلطان العثماني بإنشاء مدرسة طبية من الدرجة الأولى في دمشق نتيجة مباشرة لإعجابه بالمدينة، التي أطلق عليها العثمانيون اسم "شام شريف". لكن الأهم من ذلك أنه كان يدرك الحاجة الملحة لدعم كلية الطب التي تديرها الدولة في اسطنبول، لتحدي الجامعة الخاصة في بيروت والتي تعرف اليوم بالجامعة الأمريكية في بيروت.

جامعة دمشق

في عام 1913 افتتحت في بيروت مدرسة للحقوق كان معظم أساتذتها من العرب ولغة التدريس فيها العربية، وبعد عام نُقلت هذه المدرسة إلى دمشق، كما انتقلت عام 1915 مدرسة الطب إلى بيروت وأعيدت مدرسة الحقوق إلى بيروت في أواخر سنوات الحرب العالمية الأولى، وتم افتتاح معهد للطب ومدرسة للحقوق في دمشق عام 1919. وفي عام 1923 سميت مدرسة الحقوق (معهد الحقوق) وربط معهدا الحقوق والطب والمجمع العربي ودار الآثار العربية بمؤسسة واحدة تحت اسم الجامعة السورية، ليتم في عام 1926 فصل المجمع العربي ودار الآثار عن الجامعة. وفي عام 1928 أنشأت مدرسة للدروس الأدبية العليا وربطت إدارتها بالجامعة، ثم أصبح اسمها مدرسة الآداب العليا التي أغلقت فيما بعد.

توسع تراكمي

في عهد الاستقلال، وما إن انزاح كابوس الاحتلال عن سورية، حتى تنفس التعليم الصعداء، وأخذ هذا المرفق يحظى بالاهتمام المتزايد والعناية البالغة، وسرعان ما دبت فيه حياة جديدة نشطة أدت إلى نموه وتطوره، فاتسع نطاقه ودعمت المؤسسات التعليمية القائمة وأحدثت كليات ومعاهد جديد وعدلت الأنظمة الجامعية تعديلاً جذرياً لتمكن الجامعة من استقبال الأعداد المتزايدة من الطلاب. وأحدثت اختصاصات جديدة ليكون بالإمكان اللحاق بركب التقدم العلمي والحضاري.

ومنذ عام 1946 لم تبقَ الجامعة مقتصرة على معهدي الطب والحقوق، بل أحدثت فيها كليات ومعاهد عليا في اختصاصات جديدة ليكون بالإمكان اللحاق بالتقدم العلمي والحضاري، وأصبحت مؤسسات التعليم العالي حتى عام 1958 عام الوحدة بين سورية ومصر وقيام الجمهورية العربية المتحدة، تتمثل بمعهد الحقوق ومعهد الطب وكلية العلوم وكلية الآداب والمعهد العالي للمعلمين وكلية الهندسة بحلب وكلية الشريعة ومعهد العلوم التجارية. وفي العام نفسه صدر قانون لتنظيم الجامعات في إقليمي الجمهورية العربية المتحدة الشمالي والجنوبي، عدل بموجبها اسم الجامعة السورية ليصبح جامعة دمشق، وأحدثت في الإقليم الشمالي جامعتان باسم جامعة حلب، وبصدور اللوائح التنفيذية لهذا القانون أصبحت جامعة دمشق تتألف من كليات (الآداب والحقوق التجارة العلوم الطب طب الأسنان التربية والهندسة وكلية الشريعة) وبات من حقها منح الشهادات في الدراسات العليا.

وفي عهد الوحدة ارتفع عدد طلاب الجامعة وعدد أعضاء هيئتها التدريسية وازداد تعاون الجامعات في الإقليمين ونشط بينهما تبادل الأساتذة والطلاب. وبعد انفصال عُرى الوحدة عام 1961 لم يطرأ أي تطور ملحوظ في العهد الجامعي بل عدلت لتتلاءم مع الوضع القائم في البلاد. واستمر الوضع على حاله إلى أن قامت ثورة الثامن من آذار عام 1963 فشهد التعليم العالي في سورية ولا سيما بعد الحركة التصحيحية عام 1970 عناية وازدهاراً لم يعرفه من قبل، فقد أولى الرئيس الخالد حافظ الأسد قائد الحركة التصحيحية جميع قطاعات التعليم العالي عناية خاصة تتناسب مع الآمال العريضة والدور الكبير لها في بناء المستقبل.

منارة للعين

كان حظ جامعة دمشق من هذا الاهتمام كبيراً، إذ قدم الدعم للكليات القائمة وافتتاح أقسام جديدة واستكمال التخصصات الأخرى وإحداث المعاهد المتوسطة الملحقة بالكليات والسعي الحثيث لتجهيز كل ذلك بأحدث المخابر والأدوات، فأصبحت جامعة دمشق تتكون من كليات (الآداب والعلوم الإنسانية والاقتصاد والتربية والحقوق والزراعة والشريعة والصيدلة والطب وطب الأسنان والعلوم الفنون الجميلة والهندسة المدنية والهندسة المعمارية والهندسة الميكانيكية والكهربائية والمعهد العالي للتنمية الإدارية) وحظيت كل هذه الكليات والمعاهد بمبان جديدة، وتم تشييد عدد من الوحدات السكنية للطالبات والطلاب في مدينة باسل الأسد الجامعية، كما تم تشييد بناء مستقل خصص سكناً للممرضات العاملات في المشافي الجامعية.

عام 2001 تم افتتاح برامج التعليم المفتوح في الجامعات السورية، وكان نصيب جامعة دمشق منها (قسم الإعلام، قسم الترجمة، قسم رياض الأطفال، قسم إدارة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، قسم المحاسبة، قسم الدراسات قانونية، قسم معلم صف، قسم الدراسات الدولية والدبلوماسية، قسم دبلوم التأهيل التربوي).

طريق العلم والمعرفة

نالت الدراسات العليا عناية خاصة واهتماماً بالغاً بافتتاح عدد من دبلومات الدراسات العليا في اختصاصات مختلفة ودبلوم التأهيل، كما افتتحت درجة الماجستير في مختلف الاختصاصات ودرجة الدكتوراه في بعضها. وما يميز جامعة دمشق والجامعات السورية الأخرى هي أنها من الجامعات الوحيدة في العالم التي تدرس علومها كافة باللغة العربية وبشكل كامل، وقد عربت العديد من الكتب والمراجع العلمية في اختصاصات مختلفة ملتزمة بمبدأ صلاح اللغة العربية للتدريس في مختلف الاختصاصات تعزيزاً للدور العربي الذي تنهض به، ورفدت عدداً من الجامعات في الوطن العربي إعارة أو ندباً أو زيارة، وألف أساتذتها مئات من الكتب الجامعية باللغة العربية وضعت بين أيدي طلابها.

منها نهل الطلبة من مختلف الأقطار العربية وكذلك الطلبة الأجانب العلم والمعرفة. بدأت السير في طريقها الطويل ثم تسارعت الخطوات لتحقق التقدم والتوسع. وها هي بعد أن دخلت في العقد التاسع من عمرها، لا تزال في طريق العلم والمعرفة تتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقاً وتألقاً.