لا تزال الملكة بين ورود العالم على مدى العصور؛ حيث ذكرت في الإلياذة والأوديسا للمؤرخ الإغريقي هوميروس، ودونت في ذاكرة الإغريق عندما ذكرتها الشاعرة الإغريقية سافو في القرن السادس قبل الميلاد وأطلقت عليها ملكة الأزهار.

ذكرها الكاتب والشاعر الإنكليزي شكسبير في إحدى مسرحياته بقوله جميلة كجمال "وردة دمشق"، وفي شعر الكثير من شعراء العرب والمسلمين الذين تغنوا بجمالها وصفاتها وألوانها. أما على المستوى الطبي والعلمي فإن الوردة الشامية من المنتجات المستخدمة منذ القدم في سورية، وقد ورد استخدامها في المخطوطات العربية القديمة لعلاج الكثير من الأمراض بما فيها الأمراض الصدرية والهضمية والجلدية، وكذلك الأمراض التي تصيب الفم والبلعوم.

يقول الدكتور إبراهيم تركماني اختصاص طب أسنان من جامعة البعث: نظراً لهذا التميز الذي تمتلكه الوردة الشامية قامت الأمانة السورية للتنمية بجهود رائعة في تسجيل استخدام الوردة الشامية في التراث اللامادي العالمي عام 2019 ومن هنا قام عدد من الباحثين بتسليط الضوء على الاستخدامات العلاجية المرتبطة بأمراض الفم، وذلك من خلال دراسة تأثيراتها العلاجية لبعض الأمراض التي تصيب جوف الفم. حيث استطعنا الحصول على براءة اختراع بمعجون أسنان وغسولات فموية من ماء الوردة الشامية وثمرة الفستق الحلبي وهو منتج وطني بامتياز يساهم في تطوير الاقتصاد السوري.

قسمت الأبحاث التي تم العمل عليها عدد من الدكاترة الباحثين إلى ثلاثة مستويات رئيسية. القسم الأول يتعلق بالمستوى الزراعي وذلك لتحديد النوع الأكثر احتواء على المركبات الفعالة والتركيز على الشروط الأكثر ملاءمة للحصول على محصول جيد. أما القسم الثاني فهو يتعلق بالمستوى الصيدلاني وهو مهم وفقاً للدكتور علا مصطفى رئيس قسم الأدوية والسموم في كلية الصيدلة بجامعة البعث لتحديد التركيب الكيميائي لماء الورد ومستخلصاتها بطرق التحليل الكروماتوغرافية، وكذلك الطريقة الأفضل للتحضير للأشكال الصيدلانية الملائمة للاستخدام الفموي، وكذلك طرق الحفظ المثالية، واختبارات الزجاج في المختبر للمحتوى من المواد الفينولية والزيت الطيار والتأثيرات المضادة للأكسدة؛ والتأثيرات المضادة للجراثيم على مجموعة من الجراثيم المعزولة من عزلات لمرضى، ومقارنة التأثيرات مع صادات حيوية معيارية مثل الستربتومايسين والمترونيدازول وغيرها. في حين تناول القسم الثالث المستوى الطبي حيث تم إجراء دراسة سريرية على مرضى متطوعين بإصابات انتانات جرثومية فموية والتهابات أغشية مخاطية وقلاع وتراجع لثة وحالياً يتم تقييم التأثيرات على الأنسجة بعد الزرع.

مركبات علاجية

لأن المنتج الجديد الذي حصل فيه الباحثون على براءة الاختراع يضم أولاً الوردة الشامية التي تتميز باحتوائها على مركبات فينولية وطيف واسع من المركبات المضادة للأكسدة والمضادة للجراثيم بما في ذلك الزيت الطيار وكذلك الفستق الحلبي، حيث تم اعتماد خلاصة قشوره الغنية بالمركبات الفينولوية في تحضير المنتج الجديد الذي تم تصنيعه وفقاً لهذه الدراسة بحسب ما أكده الدكتور محمد كردوش من جامعة حلب خبير الفستق الحلبي ومن المشاركين في الاختراع: بأن المركبات والخواص التي توجد في قشور الفستق الحلبي تلعب دوراً في توقيف النزوف الفموية. كما يحتوي على خلاصة صمغ شجرة الفستق الذي يعتبر مطهراً أيضاً. ويتميز المستحضر بفعاليته المعطرة للفم مما يساعد في التخلص من الروائح غير المستحبة للفم. ويعالج وذمات الأنسجة لتخفيف الالتهابات والنزيف الفموية. وهو أيضاً مطهر ومضاد للجراثيم، ومعطر للفم.

يؤكد الدكتور شادي خطيب رئيس جمعية الأعشاب الطبية وهو أحد المشاركين في البحث أنهم وصلوا إلى المراحل ما قبل النهائية لإطلاق المنتج، حيث يقومون حالياً بالإجراءات الإدارية والتراخيص اللازمة لتحويله إلى منتج صيدلاني سوري بامتياز عالمي وذلك لما يمتلكه من خواص طبيعية واستخدامهم لمواد طبيعية ومستخدمة غذائياً لأنه ليس له آثار جانبية تذكر.حيث إن الجميع معتاد على استخدام ماء الوردة الشامية منذ القدم. ولفت إلى أنه في الخطوات القادمة سيتم تقييم الفعالية السريرية على مرض الزرع لأن النسج تحتاج إلى عناية كافية بعد إجراء الزرع. خاصة وأن هناك تميز لهذا المستحضر عن المطهرات المتوفرة في الأسواق لكونه يمتلك فعالية في شفاء الأنسجة بالإضافة لتأثيره المطهر، كما أنه قابل للبلع، لذلك لن يكون هناك أي مشكلة من استخدامه عند الأشخاص المصابين بمتلازمة داون وكذلك الأطفال، إضافة إلى استخدامه بأمان عند مرضى السرطان.

المنتج النهائي

شارك في هذا الاختراع عدد من الباحثين وإضافة لمن تم اللقاء معهم وذكرهم خلال المقال هناك الدكتور جلال فندي من جامعة دمشق والمهندس عمر الجباعي ماجستير هندسة زراعية، والدكتور نبيل قصير مدير شركة ميديكو للصناعات الدوائية. وقد جمعوا أفكاراً علمية استطاعوا من خلالها الحصول على براءة اختراع بمعجون أسنان وغسولات فموية من ماء الوردة الشامية وثمرة الفستق الحلبي وهي منتجات وطنية بامتياز والحصول عليها ليس صعباً، إضافة إلى كونها قيمة اقتصادية هامة باعتبارها متواجدة في سورية. وقد أصبح هناك خط إنتاج لموضوع التصنيع والحصول على المنتج بما يحمله من ميزات طبيعية وعدم وجود أضرار جانبية وقد حقق عدة معادلات مهمة بالصحة الفموية من حيث سرعة علاج الجروح ومكافحة آفات الفم والرائحة غير المستحبة.

يذكر أن جامعة دمشق كرمت القائمين على هذا البحث وخاصة أن المشاركة في الوصول إلى الاختراع تخدم المجتمع والإنسانية، إذ يمكن استخدام المنتج من قبل ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال وهو آمن تماماً.