تشكل مقاومة مضادات الميكروبات تهديداً للصحة والتنمية معاً، ليس على المستوى المحلي فقط؛ إذ إن إساءة استعمال مضادات الميكروبات والإفراط في استعمالها هما المحركان الرئيسيان لظهور المُمرضات المقاوِمة للأدوية. وهذ بحد ذاته سبب لخلق اعتلال مطولة أو إعاقات أو وفيات، فهي في أدنى حالاتها تسفر عن إطالة مكوث المرضى في المستشفى وحاجتهم إلى أدوية أغلى سعراً.

هذه الحقائق ناقشها الدكتور عامر طيبي منسق برنامج مقاومة الصادات واختصاص أمراض وجراحة اللثة من خلال بحثه في موضوع مقاومة الصادات، والتي هي عبارة عن المواد التي يأخذها الإنسان لمواجهة الجراثيم وتكون غير فعالة فيصبح المرض أكثر انتشاراً وتعنيداً. مبيناً وجود عدة أسباب تجعل من الصادرات غير فعالة وأكثرها الاستخدام العشوائي المفرط للصادات وخاصة أن كثيراً من الناس في سورية لا يقصدون الأطباء لالتماس المشورة إذا مرضوا، ويعتبرون الصيادلة وُجهتهم الأولى لطلب المضادات الحيوية، وهذا ينطبق على كل الأمراض الالتهابية الجرثومية حتى على مستوى التهاب اللوزتين والخراجات التي تظهر بعد العمليات الجراحية.

المقاومة الحيوية

هناك أنواع مختلفة للمضادات، منها المضادات الحيوية ومضادات الفيروسات ومضادات الفطريات ومضادات الطفيليات، وهي أدوية تُستخدَم للوقاية من حالات العدوى التي تصيب الإنسان والحيوان والنبات بهدف علاجها، وعليه يوضح الدكتور الطيبي بأن قد تنشأ مقاومة مضادات الميكروبات عندما تطرأ تغييرات على البكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات بمرور الوقت وتصبح غير مستجيبة للأدوية، مما يجعل العلاج أكثر صعوبة، ويزيد من خطر انتشار الأمراض والاعتلالات الوخيمة، حيث تصبح المضادات الحيوية والأدوية الأخرى المضادة للميكروبات غير ناجعة بفعل مقاومة الأدوية، وتتزايد باطراد صعوبة علاج حالات العدوى أو يستحيل علاجها.

خطة وطنية

من أجل الحلول هناك عدة محاول يتم العمل عليها في وزارة الصحة وفقاً للدكتور الطيبي، والتي تبنت خططاً وطنية لمقاومة الصادات تتألف من أربعة محاور وهي محور التوعية والاستخدام الرشيد للصادات وإجراءات ضبط العدوى في المراكز والمشافي الصحية والترصد المسبق للأمراض. ولفت إلى ضرورة التوعية لدى كافة الفئات على أن تبدأ من المرحلة الأولى للتعليم في المدارس والاستمرار في جميع المراحل وصولاً إلى مستوى التعليم العالي وحتى بعد التخرج، لأننا عندما نتحدث عن الصادات هناك جانب إنساني وجانب حيواني وجانب زراعي وهي مشكلة تنطبق على الجميع. إضافة إلى التشريعات والقوانين التي تشمل الطبيب والصيدلاني بصرف الصادات بموجب وصفة طبية.

أما فيما يخص الصادات المتعلقة بالشق الحيواني التي تقدم للحيوانات المنتجة مثل الماعز والأبقار والدجاج فهذه لها صادات خاصة بها ويجب تقديمها للحيوانات بإشراف طبيب بيطري، وألا يقدمها الفلاح بشكل عشوائي مع توعيته بأن الصادات التي تعطى للإنسان لا تعطى للحيوانات ولا تفيدها. كما أن هذه الأخطاء تعود بالضرر على الإنسان وليس على الحيوان فقط، فعندما يتم تناول هذه اللحوم التي تحتوي صادات، فإن الإنسان يصبح لديه جرعتين من الصادات التي تنتقل إليه عن طريق الطعام. والأمر ذاته بالنسبة إلى النباتات التي يتم رشها بالمواد الكيميائية أو إعطائها مواد هرمونية للتنشيط والتغذية هي أيضاً تنتقل إلى الإنسان.

الأقل تكلفة

انطلاقاً من معادلة واضحة تبين أن كثرة الأمراض تعني كثرة الصادات وبالتالي كثرة التعنيد للمرض. وعليه فإن الأقل تكلفة وفقاً للخطة الوطنية ضمن محاورها الأربعة هي التوعية نحو ترشيد الصادات والتقيد بالإجراءات المتخذة في المشافي والمراكز الصحية ودعم فكرة نهج الصحة الموحد، بحيث يعمل الجميع بهدف واحد وهو مقاومة تعند الصادات، وصرف الصادات عن طريق الأخصائي ضمن بروتوكول علاجي يعمل به كل الأطباء. إضافة لموضوع الترصد الذي يجب أن يكون لبعض الجراثيم وليس كلها مع بعضها البعض ضمن مراحل متعددة. فعلى سبيل المثال عندما يقوم الطبيب بوضع وصفة طبيبة، فإنه بالتأكيد لا يضع جميع أصناف الصادات معاً، بل يبدأ الوصف بعدة صادات وبعدها يتم التعميم أو رفع عدد الصادات التي يمكن نشرها بالأسواق.

ما يُعجّل ظهورها

تظهر مقاومة مضادات الميكروبات بصورة طبيعية بمرور الزمن عبر ما يطرأ من تغييرات جينية عادةً. وتوجد الكائنات المقاومة لمضادات الميكروبات في الإنسان والحيوان والغذاء والنبات والبيئة (في المياه والتربة والهواء)، وبإمكانها أن تنتقل من شخص إلى آخر أو من الإنسان إلى الحيوان، بما في ذلك عن طريق تناول الأغذية الحيوانية. وتشمل الدوافع الرئيسية لظهور هذه المقاومة إساءة استعمال مضادات الميكروبات والإفراط في استعمالها؛ وعدم إتاحة المياه النظيفة وخدمات الإصحاح والنظافة الصحية لكل من الإنسان والحيوان؛ وضعف الوقاية من العدوى والأمراض ومكافحتها في مرافق الرعاية الصحية والمزارع؛ وضعف فرص الحصول على الأدوية واللقاحات ووسائل التشخيص العالية الجودة والمعقولة التكلفة؛ وانعدام الوعي والمعرفة؛ وعدم التقيد بالتشريعات.

قلق عالمي

يبين الدكتور الطيبي بأن المشكلة وإن كانت أكثر انتشاراً لدينا، إلا أنها تشكل قلقاً عالمياً، فما زالت القدرة على علاج حالات العدوى الشائعة مهدّدة بظهور وانتشار المُمرضات المقاوِمة للأدوية التي اكتسبت آليات مقاومة جديدة تسفر عن ظهور مقاومة مضادات الميكروبات. ومما يثير المخاوف هو الانتشار العالمي السريع للبكتيريا المقاومة لعدة أدوية أو لجميعها والمعروفة باسم - الجراثيم المستعصية- والمسببة لحالات عدوى يتعذر علاجها بالأدوية المضادة للميكروبات المتاحة حالياً، مثل المضادات الحيوية. كما أن صعوبة الحصول على مضادات الميكروبات العالية الجودة مشكلة رئيسية، إذ يؤثر نقص إمدادات المضادات الحيوية على البلدان إلى نقص في مستويات التنمية، ولا سيما في نظم الرعاية الصحية.