تعتبر مكافحة فيروس نقص المناعة البشري اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى في عالم يتأثر بشكل متزايد بالكوارث والأزمات المناخية والاقتصادية، ونظراً لأن الأمراض لا تعرف حدوداً وتنتقل وفقاً لسلوكيات الناس وتنقلاتهم، يشكل البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز في سورية والذي أسسته وزارة الصحة عام 1986 مع تسجيل أول إصابة له في سورية مصدراً مستمراً لدعم المصابين بفيروس الإيدز ومكافحة المشكلة.

كانت بداية المواجهة مع تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة الإيدز المًشكلة من جميع وزارات الدولة والهيئات العامة والمنظمات غير الحكومية والتي ترأستها وزارة الصحة. وتجتمع هذه اللجنة بمعدل مرتين في العام لمناقشة الخطط والاستراتيجيات والسياسات الخاصة بالإيدز وفقاً لما أكده الدكتور عمر أبو النعاج مدير البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز في وزارة الصحة، مبيناً بعض مهام البرنامج من حيث إعداد الخطط السنوية مع المنظمات الدولية الداعمة وإعداد الخطط المحلية الخاصة بكل محافظة بالتنسيق مع كافة الجهات المعنية، والمتابعة مع إدارة بنك الدم لتأمين سلامة أكياس الدم والتأكد من خلوها من الإيدز ومع عيادات ما قبل الزواج وتأمين الأدوية الخاصة بعلاج مرض الإيدز ومتابعة حالات المتعايشين والكثير من الجوانب التي تم وضعها ضمن الاستراتيجية المعدة لمدة خمس سنوات.

بلوغ الهدف

يتطور المرض لدى المصابين بفيروس نقص المناعة البشري hiv إلى الإيدز عندما يقل عدد خلايا cd4 في الدم عن 200 خلية، وهو يمثل أحد أعراض الفقر وانعدام المساواة على الصعيد العالمي وسبباً من أسبابها. وعليه يوضح النعاج أهمية الاستراتيجيات التي توضع للانتصار على نقص المناعة والتي يتم تجديدها كل خمس سنوات. في إشارة إلى الاستراتيجية الحالية التي بدأت 2019 ومستمرة حتى 2024 هي بمثابة دستور عمل لمكافحة فيروس العوز المناعي عبر تقديم المشورة والفحص الطوعي المجان في المراكز المنتشرة بمختلف المحافظات للكشف عن الحالات المشتبه بها، ومن خلال تقديم العلاج والرعاية والوقاية بسرية تامة، وكذلك الحد من ولادات جديدة مريضة بهذا المرض، ودمج خدمات الصحة النفسية مع أنشطة البرنامج، حيث يتم تطوير الاستراتيجية وفقاً للمتغيرات التي تحدث على مستوى سورية.

التقييم النفسي

أُدخل إلى برنامج الإيدز خلال العامين الماضيين الكثير من الأمور الجديدة التي تخدم المرضى. يشير مدير البرنامج إلى خدمات الصحة النفسية، وهي عبارة عن تسجيل كورس يتضمن أربعة مراحل تدريبية للأطباء بهدف التدريب ومتابعة المرضى من ناحية رأب الفجوة وإجراء تقييم نفسي لجميع المصابين بمرض الإيدز بناء على التدريب الذي حصلوا عليه، إضافة إلى إجراء تقييم دوري للحالة النفسية لمريض الإيدز وتقديم العلاج بحسب المرحلة التي يمر بها، بحيث يصبح الطبيب قادراً على تقديم الأدوية النفسية عند الحاجة إليها. وهناك الخدمات الإلكترونية عن طريق أتمتة ودعم المعلومات وصولاً إلى سجل وطني لمرض الإيدز على مستوى سورية يتم من خلاله إرسال المعلومات إلى وزارة الصحة بشكل إلكتروني. إضافة إلى تطبيق الاختبار الشخصي، وهو الاختبار السريع للإيدز يشابه اختبارات الحمل أو السكر، وهو عبارة عن نقطة دم وبعد عشر دقائق تظهر النتيجة وقد بدأ العمل به في سورية.

الوقاية خير علاج

تحدث الدكتور أبو النعاج عن موضوع منع انتقال العدوى من الأم الحامل للجنين عبر بروتوكولات جديدة لتقديم علاج الأدوية الوقائية للزوجة حتى لا تصاب الإيدز، والذي بدأ تطبيقه منذ العام الماضي بإعطاء الزوجة الدواء الوقائي لضمان عدم انتقال العدوى إليها من الزوج المصاب. ويمكن العكس بحيث تعطى الأدوية الوقائية للزوج في حال كانت الزوجة هي المصابة. لافتاً إلى تطوير البروتوكولات كل عامين مع تدريب الأطباء عليها بحيث تتلاءم مع بروتوكولات العلاج العالمية المعتمدة من منظمة الصحة العالمية. إضافة إلى الخطط والبرامج المتعلقة بالتثقيف والتوعية والتي يتم توجيهها لفئة الشباب بشكل دوري على مستوى المحافظات بالتعاون مع أصحاب القرار بشكل محيطي مثل مدير الشؤون الاجتماعية والعمل ونقابة الأطباء والصيادلة وممثلي الهلال الأحمر ورئيس جمعية تنظيم الأسرة السورية للحد من الوصمة تجاه المرضى ومعرفة واقع الإيدز في المحافظات وعدد الإصابات إلى موضوع الوصمة والتمييز وحشد التأييد لذلك تجاه المرضى المتعايشين مع الإيدز مع التأكيد على المشورة.

السجل الوطني

يؤكد المعنيين بالصحة بأن سورية من أقل الدول إصابة بمرضى نقص المناعة عالمياً وعربياً، وهذا يشجع على الاستمرار في برنامج المكافحة وفي تطوير السجل الوطني الخاص بالمرض، بحيث يضم معلومات كاملة عن أي مريض عبر الداتا الخاصة به بشكل مؤتمت. كما يتضمن البرنامج أي داتا خاصة بهذا المرض على مستوى سورية مثل عدد الذكور والإناث وعدد المصابين فوق عمر الـ 18 سنة. وهناك بروتوكولات لاختبارات المتابعة وتقييم المرضى من حيث الاستجابة للعلاج وقياس استفادتهم من الدواء. ولفت إلى أنه تم الانتهاء من التدريب على السجل والانتقال إلى الأمور اللوجستية من تجهيزات بحيث ينتهي العمل به مع نهاية الاستراتيجية الحالية.

الواقع بالأرقام

بيّن مدير برنامج مكافحة الإيدز بأن عدد الإصابات المسجلة حتى النصف الأول من عام 2023 هو 1187 إصابة، وهو رقم تراكمي، من بينهم 829 إصابة من السوريين، بينما 358 إصابة هم غير السوريين ويتم ترحيلهم خارج القطر. وأشار إلى أن عدد الوفيات هو 307 أما الأحياء والذي تتم متابعتهم هم 522 إصابة موزعين على كافة المحافظات، حيث تسجل دمشق أعلى نسبة ويصل العدد إلى 237 إصابة، وتأتي حلب في المرتبة الثانية بعدد إصابات يصل إلى 103 إصابات.

وأكد الدكتور أبو النعاج أنه حتى عام 2022 لا تزال سورية ضمن المعدل الطبيعي للإصابات، إذ يتراوح معدل تسجيل الإصابات على مستوى كل القطر 60 إصابة، وفي عام 2021 كان العدد 39 إصابة فقط، وفي عام 2010 كانت هناك 30 إصابة وذلك وفقاً للحالات المسجلة في وزارة الصحة. ولفت الدكتور إلى أن نسبة الإصابات عند الذكور هي دائماً أعلى من الإناث وهي تشكل 79% بينما لدى الإناث 21% ومعظمهم أصيبوا بعدوى من الأزواج. وعدد المرضى الموضوعين على العلاج 368 مريضاً، وكل الأدوية تقدم مجاناً والاختبارات سرية ومجانية.

وأشار مدير البرنامج أن الإيدز مرض غير قابل للعلاج ولكنه غير مميت، ولهذا لم يتم تسجيل وفيات منذ أن بدأ العلاج بتقديم الأدوية. ويعود الانخفاض بعدد الإصابات إلى إجراءات اكتشاف المرض والمتمثلة بفحص كل عينة دم يتم أخذها في مراكز بنك الدم على مستوى سورية وكذلك عيادات فحص ما قبل الزواج، إضافة إلى مراكز المشورة. مع التأكيد على أن تقديم الدواء من قبل الصحة يكون مجانياً على الرغم من ارتفاع ثمنه وخاصة أن الغالبية العظمة من المصابين لا تستطيع شراءه.