مع تضارب الفوائد التي يجنيها مؤيدو ارتداء الكمامات عن سواهم من الرافضين لها لدواعٍ صحية، أو لكونها لا تقدم أو تؤخر من وصول المرض إلى الجسم، هناك خلاف واسع دفع إلى التسارع في إجراء الدراسات بهذا الشأن من دون حسمه من قِبل المختصين ليبقى مثار جدلٍ علمي عالمي. وعليه فقد حجزت الكمامة الطبية مكانتها في الحياة الصحية والاجتماعية وخاصة بعد تفشي الوباء العالمي كورونا في عام 2019، وأدرجت المنظمات الصحية العالمية ارتداءها كأولى الخطوات الاحترازية من الإصابة والوقاية من كوفيد -19، أو غيره من الأمراض المعدية المنتقلة عبر الهواء.

موضوع الكمامة لم يتوقف مع توقف حملات التحذير من كورونا ومن فكرة خطورة الجائحة، وسواء كنا مع أو ضد وضعها فقد جهد بعض الباحثين على اختراع كمامات نانوية لأغراض إضافية، ومن أهمها على الساحة السورية تلك التي بذلها الدكتور إبراهيم غريبي الباحث والمخترع في مجال النانو تكنولوجي قسم الفيزياء بجامعة دمشق، والذي شكل صوتاً علمياً بتقنية نانوية مبتكرة، وانتهى إلى الحصول على براءة اختراع في تصنيع كمامة نانوية لتنقية الهواء من الجراثيم والميكروبات.

قبل الحديث عن هذا الاختراع يبين الباحث غريبي ما هو النانو هذه الوحدة القياسية الصغيرة جداً، حيث يساوي النانو واحد من مليون من الميليميتري أي أنه تستحيل رؤيته بالعين المجردة أو بعض المكبرات البسيطة، إلإ أن هذه التقنية النانوية دخلت في جميع مجالات العلوم مثل الكيمياء والبيولوجيا والفيزياء وعلوم المواد والهندسة وغيرها، وهي علم أصبح يستخدم لإنتاج مواد جديدة أو أجهزة متكورة لخدمة مصالح الإنسان في مجالات مختلفة، تقاس أبعادها بالنانومتر.

كمامة عنكبوتية

حاجز للبكتريا

ينفرد تصنيع شعيرات النانو مترية عبر الأقمشة بميزات استخداماتها وخصائصها. ويوضح الباحث غريبي ما يحدثه قماش النانو عن بقية الأقمشة، من حيث أنه يُؤمن عدداً ضخماً من المسام، ويحد من حجم الميكروبات والجراثيم الموجودة في الهواء أو الرذاذ في القماش، بالتالي يؤمن دخول الأوكسجين للكمامة غير ملوث من الأساس وذلك بعد أن درس قطر وحجم الفيروسات التي يمكن أن تدخل عن طريق الفم. هذا الحجم أوحى له إلى تطوير أكثر الأساليب الوقائية المستخدمة، ممثلة في كمامة نانوية عنكبوتية تمنع مرور الفيروسات والميكروبات.

ويضيف بأن الكمامة النانوية التي عمل عليها شكلت البراءة الأهم من بين عدة براءات اختراع عمل عليها الباحث مؤخراً، وهي وفقاً للوصف الذي قدمه: مؤلفة من خيوط قصب للإنسان مبنية على شكل حصيرة معززة بمواد نانوية الغاية الأساسية منها أن تلعب دور شبكة العنكبوت بحيث يتم حجز البكتريا بالكمامة وبعدها تنقض عليها المواد النانوية بحيث تقتلها بشكل كامل. وهي بذلك تمثل مهام العنكبوت بالكامل لكونها تعمل بشكل مزدوج كأنها شبكة عنكبوتية حقيقية يترأسها العنكبوت.

ويبين الدكتور الغريبي الفرق بين الكمامة التقليدية المتوفرة التي تكون مساماتها كبيرة ويصل حجم مسامها إلى أكثر من 300 نانو إذا كانت مصنعة بشكل دقيق بغرض تنقية الهواء وهي في هذه الحالة لا تجدي نفعاً، وغير قادرة على منع دخول البكتريا والفيروسات. وبين الكمامة النانوية العنكبوتية التي تشكل حاجزاً بكتيريا للفيروسات بحيث تمنعها من الدخول إلى مجرى التنفس باعتبار أن صناعة الحصيرة النانوية تحتاج لأن تكون مساماتها صغيرة أقل من 100 نانو، وبالتالي هي حاجز للبكتريا من جهة وقاتل لها من جهة ثانية.

الطموح والجدوى

يعتبر الاختراع ذا جدوى علمية واقتصادية لاستخدام النانو، لكونه عبر قليل من حبيبات البولمير، وهي جزئيات تحضر بطريقة كيماوية يبلغ مقدارها 2 كلغ يمكننا أن نحصل على 10 أمتار مربعة من القماش، يُصنَع عن طريق مذيبات صحية وقليلة السمية، وبعدها نعرّض القماش النانوي إلى الركود والتبخر ليصبح جاهزاً، وبهذه التجربة العلمية يمكن الحصول على أكبر كمية من السطح وبأقل تكلفة ممكنة وبعشرة أضعاف، إضافة إلى الحصول على مواصفات تفوق القماش العادي من الأقمشة الصحية ونستفيد منها بشأن تنقية الهواء من الجراثيم والميكروبات، وبالتالي الحماية من الكثير من الأمراض التي تنتقل عن طريق الفم.

وعليه فإن طموح الباحث هو وجود مستثمرين ومسوقين لهذا الاختراع، وخاصة أن هناك عدة محاولات للتشبيك مع جهات مختلفة من أجل تصنيع هذا المنتج وخاصة الشركات الدوائية. لافتاً بأن التكلفة قليلة جداً مقارنة مع الفائدة التي تقدمها ومع موضوع استيرادها علما أن المواد المحلية التي استخدمت في تصنيعها هي أفضل بكثير من المواد المستوردة وأكثر تطوراً.