تختلف تجربة كل شخص مع السرطان، فكل المشاعر مهمة ولها مبرراتها بصرف النظر عن شدتها أو اختلاطها. الدكتور عايش غنيم أخصائي صحة نفسية وعضو مجلس نقابة أطباء سورية انطلق في تناوله موضوع الأثر النفسي على مرضى السرطان من بعض إحصائيات منظمة الصحة العالمية التي تشير إلى السرطان السبب الرئيسي الثاني للوفاة على مستوى العالم؛ حيث سجلت 1 كل 6 حالات وفاة سببها السرطان على الصعيد العالمي، ولم يقتصر تأثير السرطان على الصحة الجسدية فقط بل تعداها إلى الصحة النفسية للمرضى وعائلاتهم، إذ تكون الشدة النفسية شائعة جداً في هذه الحالات حتى بعد النجاة من السرطان والانتهاء من العلاج.

نتيجة لعدم التكيف والتأقلم مع الحدث تظهر الاضطرابات النفسية كعلة واضحة في الأوقات الحرجة عند مرضى السرطان مثل أوقات إجراء التحاليل والفحوصات الخاصة بالمرض أو عند الإعلام به. وهناك مرضى يعانون من الذعر نتيجة القلق الحاد وتظهر عليهم أعراض عديدة مثل قصر النفس واللهاث سرعة النبض التعرق الغزير والشعور القوي بالخوف. إضافة إلى مشكلة الرهاب لدى مرضى السرطان من الحقن أو بعض المعالجات أو عمليات استكشافه والبعض منهم يتجنب إجراء الاختبارات في الأماكن الطبية مثل التصوير بالمرنان المغناطيسي نتيجة للخوف.

المستوى الجسدي

تكون للإصابة بالسرطان وعلاجه انعكاسات واضحة على صورة الجسد مع وجود اختلافات بين السرطانات المرئية مثل سرطان الثدي وسرطان الرأس والعنق والسرطانات الأقل وضوحاً كسرطان الدم وسرطان الرئة، كذلك يؤثر نوع العلاج لكل نوع تأثيرات مختلفة، فالجراحة لها تأثيرات جسدية خاصة بها، وهناك العلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي والعلاج المناعي والعلاج الهرموني تأثيرات مهمة بسبب المتغيرات الجسدية المتصلة والتي لها انعكاسها على الحالة النفسية للمريض.

ارتباط وثيق

يتحدث العلماء عن ارتباط وثيق بين التوتر النفسي وأمراض السرطان. وهذا اللغز الذي فكت خيوطه الكثير من الدراسات وتبين أن الهرمونات التي تنتج عن عن الإجهاد النفسي تزيد من الخلايا السرطانية في النظام اللمفاوي. ولكن في الوقت نفسه هناك حالات من المرضى تصل إلى حد الوسواس القهري وقد يعاني المصابون بهذه العلة أشد المعاناة من فقدهم المقدرة على المتابعة بسبب الهواجس والسلوكيات المستحوذة عليهم والتي تعرقل قدرتهم على الأداء الطبيعي. ويشير هنا الدكتور غنيم إلى عمق القلق الذي يستحوذ على البعض لأسباب غير واقعية مثل أن يخشى المريض مصاريف علاجه أو أن يتحاشى لمس أبنائه خوفاً من انتقال السرطان لهم.

وبحسب الجمعية الوطنية للرعاية الصحية السلوكية يعاني واحد من كل ثلاث مصابين بالسرطان من أزمات نفسية وعقلية وعاطفية وهذه الأزمات أكثر شيوعاً في حالة سرطان الثدي 42% من المصابين. وسرطان الرأس والعنق 41% من المصابين ويعاني ما يصل إلى 25% من الناجين من مرض السرطان من أعراض الاكتئاب، كما أن 45% منهم يعانون من القلق، في حين يعاني العديد من الناجين من مرض السرطان أيضاً من أعراض تستوفي معايير اضطراب ما بعد الصدمة.

التحكم بالإجهاد النفسي

الاشتباه بأعراض الإصابة بالسرطان وتشخيص السرطان ومرحلة انتظار العلاج والخروج من المستشفى وفشل العلاج عودة ظهور المرض أو تطوره، وصول المرض إلى مرحلة متقدمة، القرب من نهاية الحياة؛ كلها أمور تدفع نحو الإجهاد النفسي، وبالتالي التحكم بهذا الجانب وفقاً لما يراه الأطباء في الكثير من الدراسات له دور محوري في تراجع المرض أو زيادة انتشاره.

يحاول الدكتور عايش توضيح ما يقوم به بعض الأشخاص التحكم بالإجهاد النفسي المرافق للمرض عن طريق اتباع سلوكيات محفوفة بالمخاطر كالتدخين أو شرب الكحول علماً أن هؤلاء يعانون من تدني نوعية الحياة بعد علاج السرطان. في حين يستخدم آخرون استراتيجيات فعالة للتعامل مع الإجهاد النفسي كتقنيات الاسترخاء وإدارة الإجهاد. وعليه نجد أن الشدة النفسية لا تتطور لدى هذه الفئة إلى مرحلة الاكتتاب أو القلق شديد وتقل لديهم شدة الأعراض المرتبطة بالسرطان وعلاجه.

طرق المواجهة

يتحدث الأطباء النفسيون عن سبع طرق لمواجهة التأثير النفسي لمرضى السرطان، فبعد تشخيص الحالة وخلال مراحل العلاج من المهم بالنسبة إلى المريض الانفتاح على الآخرين والتحدث إليهم حسبما يراه مناسباً، مع العائلة مع الأصدقاء أو زملاء العمل أو الجيران، فكل منهم يمكن أن يلعب دوراً في دعم المريض واحتياجاته العاطفية. وفي هذا الجانب يؤكد الدكتور عايش غنيم بأنه من المهم الحصول على نصائح الخبراء والمختصين من ذوي الخبرة في التعامل مع المشاعر والأحاسيس والمخاوف المتعلقة بنفسية المريض. كما أن التحدث مع المرضى الآخرين الناجين من السرطان يفيد في منح المريض الشعور بالطمأنينة والارتياح، وأن توسيع المعرفة بالمرض فعند تشخيص المرض قد ينتاب المريض مزيج من مشاعر الغضب والخوف والحزن والشعور بالذنب في آن واحد، وبالتالي إيجاد معلومات عن مرضه يساعده في التركيز على الجوانب التي تهمه. ويبين ضرورة الحد من مستوى الأجهاد النفسي الذي قد يشكل عائقاً أمام عملية التعافي من المرض، لذلك من المهم البحث عن أي سبل ممكنة للحد من ضغوطات الحياة اليومية، ومن الممكن قضاء الوقت في ممارسة النشاطات المحببة والتي لها دور في تحسين المزاج، كما أن التمارين الرياضية الخفيفة مثل المشي واليوغا يساهم في التخلص من الطاقة السلبية.