بعد أن أصبحت التغيرات المناخية واحدة من أكثر الحالات الطارئة عالمياً من حيث تهديدها للأمن الغذائي وانخفاض نسب توافر المياه وهطول الأمطار التي تقلل من الإنتاج النباتي والحيواني وزيادة الآفات والأمراض، تسارعت الدراسات والأبحاث لرصد الواقع والمتغيرات المتزايدة التي ترافقه والتي تشمل أكثر من قطاع في هذه الحالات المتزايدة للمتغيرات المناخية من حيث التحليل والدراسة للمشكلة وتحديد أثارها ومن ثم تناول السياسات والإجراءات التي يجب اتخاذها.

هذا ما تحدث عنه الدكتور عبد المنعم ياسين في المركز العربي لدراسة المناطق الجافة والقاحلة، رئيس برنامج الأمراض العابرة للحدود في دراسته (تأثير التغيرات المناخية على الموارد الوراثية الحيوانية والتكيف معها).

يأتي هذا الموضوع معبراً عن أهم العوامل التي تعرضت فيها سبل كسب العيش للتراجع والنقص، انطلاقًا من التغيرات المناخية وأثرها الأساسي على انتشار الأمراض الناشئة والأمراض الجديدة في المستقبل. يشير الدكتور ياسين إلى وجود أمراض عديدة بدأت بالتزايد من حيث شدتها وتواترها خلال فترات زمنية قريبة بين الأوبئة، فهناك 60% من الأمراض التي تصيب الإنسان والحيوان وتسمى الأمراض المشتركة هذه الأمراض مصدرها من الحيوان وهناك 70% من الأمراض الجديدة التي يشهدها العالم اليوم والتي كان أبرزها الكورونا وتحولاتها، ما يجعل المهمة في المستقبل هي ربط العوامل البيئية وانعكاسها على الواقع المعيشي. لافتاً إلى أن الشقّ الثاني من بحثه هو التأثير على الحيوان من الناحية الاقتصادية بسبب تكاليف العلاجات والضغط على المربين الهشين، حيث يدفعون الكثير من التكاليف للمحافظة على حياة هذه الحيوانات وتفشي الأمراض وكذلك النفوقات الهائلة التي ستؤثر اقتصادياً على العائد المالي نتيجة نفوق الحيوا،ن وهذا له انعكاس اقتصادي على المربي وعلى الثروة الحيوانية وعلى الاقتصاد الوطني.

العوامل البيئية

الصحة الواحدة

لا يمكن النظر إلأى هذه الأمور من زاوية واحدة، فهناك عوامل متداخلة أدت إلى إيجاد مفهوم الصحة الواحدة والتي تشمل صحة البيئة والنبات والحيوان، وهي عوامل متداخلة لا يستطيع أن يقوم بها شخص منفرد أو جهة معينة بمفردها، بل تحتاج إلى جهود كل المؤسسات.

وانطلاقاً من عنوان البحث يوضح الدكتور ياسين بأن منظمة الإسكوا تقوم على حشد هذه الطاقات الآن لتحمل الجميع مسؤولياتهم بالاعتماد على أسلوب النمذجة التي تهتم بربط العديد من البيانات والمتغيرات (الطقس والحرارة والأمطار والغطاء النباتي والتضاريس وتوزع الحيوانات) أي ربط البيئة الفيزيائية والحيوانية مع بعضها البعض وملاحظة نوع التغيرات التي حصلت وكيف نشأت، والعمل على تحديد الموقف الحالي لأي مرض وبناء الموقف المستقبلي وأين المناطق التي تستهدفها هذه الأمراض. وقد بدؤوا العمل على هذه الدراسة منذ عامين حيث بدأت بعض النتائج تظهر وفقاً لحالة التوسع والربط مع الجهات الأخرى. وذلك انطلاقاً من المبدأ الذي تعمل عليه منظمة أكساد بالتعاون مع جميع المؤسسات للوصول إلى أهداف التنمية المستدامة الـ 17 والتي منها إيجاد شراكات.

يبين الباحث شراكتهم مع الجامعات ومع المنظمات الدولية والمدنية ومع كل المؤسسات الحكومية والخاصة التي لها علاقة بالثروة الحيوانية، ولديها بيانات أساسية، وذلك لرسم خطط موضوعية وفقاً للتعاون في وضع البيانات، لافتاً إلى أن كل نقطة هي عبارة عن بيان. وهذه البيانات تم ربطها يبعضها البعض، وقد وفرت الكثير من الجهد برسم هذه الخرائط المرضية.

أكثرها تأثيراً

ومن أهم التغيرات المناخية المؤثرة بالثروة الحيوانية والتي تحدث عنها الباحث هي ارتفاع درجة الحرارة غير المتوقع، كما حدث خلال هذا الصيف من ارتفاعات وصلت إلى 49 درجة، هذا الأمر يؤثر النظام الهرموني للحيوان ويؤدي إلى انخفاض نسبة الخصوبة وفقدان الشهية وخفض معدل التمثيل الغذائي في الجسم وقلة الإنتاج، كما يؤدي إلى تغير من مواصفات الحليب واللحوم، وتنشط الحشرات وناقلات الأمراض بشكل أوسع، وبالتالي تصبح هذه الحيوانات حاملاً أو مستودعاً لهذه الأمراض التي تشكل أوبئة حيوانية تنتقل إلى مناطق جديدة.

وهناك الحرائق التي تحدث وخاصة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، وهذا ما تمت ملاحظته، وهو بدوره يؤدي إلى التأثير على الموائل الرئيسية للكائنات الحية بما تسببه هذه الحرائق في تغيير بيئة الحيوان وانتقاله إلى مناطق جديدة. وبشكل مُبسط إن هذه الحيوانات البرية انتقلت وأصبحت قريبة من الإنسان وتحتك مع الحيوانات المنزلية أو الزراعية. هذا التماس له تداعيات كبيرة، فقد تكون هذه الحيوانات البرية مخازن للأمراض الموجودة فيها، ما يؤدي إلى ظهور حيوانات الجديدة غير القادرة على التحمل ولديها استعداد أكبر للإصابة، وبالتالي تحدث تحولات وانتشار لهذه الأمراض ونشاط جديد لها.

ومما أشار إليه الباحث أيضاً هو التعدي، فأثناء التغيرات المناخية يحدث نقص بالأعلاف، وإذا انخفضت الهطولات المطرية فهذا يؤثر على توفر الكلأ والمراعي، وبالتالي تضطر هذه الحيوانات إلى السير مسافات طويلة للبحث عن مصادر الطعام والمياه النظيفة التي فقدتها في مواطنها الرئيسية محملة بما فيها من أمراض، وبالتالي تنقل هذه الأمراض إلى الحيوانات المتواجدة في المناطق المختلفة. ويبين بأن خطط المواجهة المرتبطة بالتغيرات المناخية تحتاج لدراسات وخطط تنموية مستمرة وشاملة من مختلف القطاعات.