بدأ بعض الباحثين يشبّهون التطور العلمي بالسحر نظراً للجاذبية الغريبة والتداخل الكبير الذي يتضح يوماً بعد يوم في اختصاصاته، ومنها التداخل المستمر ما بين طب الأسنان والهندسات عموماً.

من أمثلة التفاعل المثمر بين هذين الفرعين، هو وجود أداة بحثية هندسية مستعملة على نطاق واسع في مجال طب الأسنان، ألا وهي طريقة العناصر المنتهية التي تخص دراسة توزع القوى في الزرعات السنية مع أنها أداة فحصية هندسية موجودة في الهندسة الطبية، وهي تستخدم لتقييم الأبنية والآلات الثقيلة والزلازل. فكان الجديد في هذا البحث هو أنها أصبحت تستعمل على نطاق أوسع من السابق في طب الأسنان بعد أجريت عدة دراسات وملخصات لفهم هذه الأداة.

الدكتورة عبير جارح ماجستير بتعويضات الأسنان الثابتة من كلية طب الأسنان من جامعة دمشق تحدثت عما توصلت إليه بعد مراجعة كبيرة للدراسات المتعلقة بالحشوات وبكل ما له علاقة بالتعويضات السنية في بحثها الجديد "العناصر المنتهية وطريقتها في طب الأسنان لتقويم السلوك الميكانيكي الحيوي في التعويضات السنية الثابتة"، والتي تفيد في تقييم ما يسمى سلوكاً مكيانيكياً حيوياً للأسنان والترميميات، سواء كانت تيجاناً أو جسوراً أو زراعات، مما يساعد الطبيب على اختيار المادة الأفضل للمريض والتصميم الأنسب له، بعد أن كان يتم سابقاً تقييم الحشوات من خلال أخذ الطبعات ومن ثم وضع الحشوة.

تدرج طرائق التقييم

تمتاز الحفرة الفموية ببيئة معقدة لها خصائص فريدة من الصعب محاكاتها بالأبحاث المخبرية، بالإضافة إلى أنه من غير الممكن أن يتم قياس الإجهاد بطريقة مباشرة على الأسنان بالفم، والتي تشكل محصلة القوى التي تحدث داخل الجسم عندما يتعرض لقوى خارجية. وعليه توضح الدكتورة عبير جارح أنه حتى يتم تقييم اجهادات النسج السنية، كانت هناك مجموعة من الطرائق القديمة، حيث كان يتم تحليل كثافة النمط من خلال تغطية سطح الجسم الذي يدرسه الطبيب سواء السن أو العظم ويطبق عليه قوة تُحدث صدوعاً في المادة النمطية التي يتم دراستها لتحليل واط قيمة الاجهادات. وفي طريقة ثانية هي استعمال أجهزة قياس الانفعالات من خلال وصل حساسات على الأسنان ثم تطبيق قوة على السن تولد إشارات كهربائية تنتقل عن طريق الحساسات للحاسوب لقراءة الانفعالات ويتم تقييم الاجهادات. أما الطريقة الثالثة فهي انتشار الضوء عبر الأجسام المرنة من خلال تمرير الضوء عبر الجسم، ولأنه يتمتع بخصائص غير متماثلة يحدث انكسارات وتتم قراءتها عبر الحاسوب، وصولاً إلى هذه الطريقة الجديدة في تقييم الاجهادات عبر تحليل العناصر المنتهية، وهي طريقة عددية تفيد في تحليل الإجهادات في البنى والنسج المختلفة سواء كانت مكيانيكية أو ميكانيكة حيوية، لأنها تعتمد على تطبيق المعادلات الرياضية والمصفوفات ضمن الجسم لكي يتم حل المشكلة الموجودة فيه.

قراءة أدبية

ضمن قراءة أدبية كما تقول الباحثة، نجد أن طريقة تحليل العناصر المنتهية كانت مُستخدمة في مجال صناعة الطيران من خمسينات القرن الماضي، وبقيت محصورة في هذا المجال حتى السبعينيات، حيث تم إدخالها في طب الأسنان لتقييم الإجهادات في النسج السنية. ومنذ ذالك الوقت صارت الطريقة تستعمل على نطاق واسع وخصوصاً في تعويضات طب الأسنان الثابتة لتقييم الإجهادات بنسج الأسنان المرممة بالفينيرات التجميلية ذات سماكات التحضير المختلفة من أجل اختيار التصميم الأنسب لتقييم القلوب والنوع سواء كانت تجميلية أو معدنية من النوع الزجاجي، أو الزركونيات أيضاً لاختيار المادة الأنسب من حيث توزع الاجهادات في النسج السنية لتقييم التيجان المعدلة ذات التصاميم المختلفة، بحيث يمكن أن تحافظ على النسج السنية أكثر من القلوب والأوتاد التي تستعمل حالياً. كما أنها استعملت لتقييم الإجهادات ضمن النسج السنية المرممة بحشوات مختلفة ذات تصاميم مختلفة من مواد متنوعة، سواء كان الطبيب يطبق التحميل الساكن أو الدوري.

آلية العمل

تقول الدكتورة عبير جارح إن تسمية العناصر المنتهية جاءت من كون الجسم يتألف من عدد غير منتهٍ وغير محدود من النقاط. وبما أنها طريقة تعتمد على تطبيق المعادلات الرياضية، فإذا تعاملت هذه الطريقة مع الجسم بهذه الصيغة، يصبح لدينا تطبيق معادلات على عدد غير منتهٍ من النقاط وعدد غير منتهٍ من الحلول. وهذا يعني أننا لم نحصل على حل فعلي. ولهذا السبب فإن طريقة العناصر المنتهية تقسم الجسم إلى عدد منتهٍ ومحدود من النقاط تسمى "عناصر وعقد"، ومن ثم تطبق المعادلات على هذه النقاط لنحصل على عدد محدود من الحلول يمكن تعميمها على الجسم. مشيرة إلى أن طريقة العناصر المنتهية تتضمن ثلاث مراحل أساسية كل واحدة منها تشمل مجموعة من الخطوات. ففي مرحلة ما قبل المعالجة، هناك خمس خطوات تبدأ من تحديد المشكلة، هل هي مشكلة إجهاد أم انفعال الأمر؟ الذي يقودنا إلى تحديد نوع التحليل الذي يجب استعماله وهل سيتم حلها ضمن جهاز أم أداة أم ضمن بنية سنية؟ وصولاً إلى خطوة التصميم بطريقة العناصر المنتهية، التي يمكن أن تكون ثنائية الأبعاد أو ثلاثية وتمتاز ببساطتها، وهي تمثل البنى والأجهزة بشكل واقعي أكبر ونتائجها ذات دقة أكثر والعناصر التي تستعملها ذات دقة كبيرة. بينما الخطوة الثالثة فعبارة عن تقسيم الجسم إلى عدد من العناصر للحصول على شبكة من العناصر التي تشبه شبكة العنكبوت، وكل خيط في الشبكة هو عنصر، وكل مجموعة عناصر هي نقطة. ومن المهم تحديد العناصر من حيث العدد والحجم والنوع. ويمكن استعمال الحجم الافتراضي الذي يقدمه البرنامج. وكلما زاد عدد العناصر تزداد دقة النتائج لنصل إلى حد مهما زاد عدد العناصر لم تتغير النتائج، وعليه يتم ضبط هذا الحد من خلال اختبار حساسية الشبكة الذي يقدمه البرامج. ويتم بعدها إدخال الخصائص المسؤولة عن رد فعل المادة تجاه الظروف المختلفة المحيطة بها.

مرحلة المعالجة

في هذه المرحلة يقوم البرنامج بتطبيق المعادلات الرياضية وإجراء الحسابات من أجل الحصول على النتائج. وعليه ننتقل إلى مرحلة ما بعد المعالجة، والتي تتضمن ظهور النتائج والتحقق من صحتها وتفسيرها. وعليه تؤكد بأن مجموعة العناصر المنتهية تمتاز بأنها تقلل الحاجة إلى التجهيزات المخبرية والوقت اللازم لإنجاز البحث. ويمكن تعديل الطريقة في تحديد خارطة الإجهادات في البنى المختلفة المدروسة. ويمكن استعمال الأنموذج نفسه مع تغيير المعطيات. وبهذه الطريقة يمكن الحصول على حلول للمشكلة من جوانبها المختلفة، إضافة إلى أن العناصر المنتهية تخدم الأفكار الإبداعية في تصميم أجهزة جديدة أو زارعة من حيث اختيار المادة المناسبة قبل تطبيقها سريرياً.