أثار الذكاء الاصطناعي العديد من المعضلات السلوكية والقانونية في مختلف المجالات على مواقع التواصل الاجتماعي، القائمة على انتهاك خصوصية المستخدم من قبل شركات التقنية التي تربطها مصالح مالية كبرى مع الحكومة الأمريكية، لتتجاوز مهامها خدمة الإنسان، وتقتحم المجال الفكري والإبداعي والأمني للبشر، وتتحول من نعمة تكنولوجية إلى نقمة إنسانية مفتعلة.

لسوء الحظ مع تزايد شعبية هذا الذكاء التكنولوجي، يتم استخدامه بشكل كبير خارج نطاق اختصاص فريق تكنولوجيا المعلومات الرسمي، حيث يستخدم موظفو المؤسسات تطبيقات سهلة تتضمن أحد برامج الذكاء الاصطناعي لزيادة الإنتاج، دون معرفة إدارة المخاطر وتكنولوجيا المعلومات. ولا بد من الإشارة إلى خطورة إدراج التحيز في خوارزميات صنع القرار، بقيام الذكاء الاصطناعي بتجميع البيانات المخزنة والتعلم منها. واعتماداً على وتيرة هذا التجميع، قد يتم عكس الافتراضات أو التحيزات من قبل البيانات، ويمكن أن تؤثر هذه التحيزات بعد ذلك على عملية صنع القرار في النظام. الغرض الأساسي من العديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي هو إجراء التنبؤات، لذلك تبدو الخوارزميات معقدة للغاية، فهناك صعوبة في شرح كيفية وصول جميع البيانات إلى التنبؤ الناجم، وهذا الإبهام هو سبب تسمية بعض الخوارزميات "بالصندوق الأسود".

وبناء عليه سيجد المستخدم صعوبة في حماية بياناته الشخصية في ظل انتشار الذكاء الاصطناعي في حال تسرب بياناته أو حدوث انتهاك، مما ينتج ضرراً بسمعة الشركة وحدوث انتهاكات قانونية.

وتتوقع مؤسسة البيانات الدولية أن ينمو مجال البيانات العالمي من 33 تريليون غيغابايت في عام 2018 إلى 175 غيغابايت بحلول عام 2025.

في السياسة والفن

كثيرا ما نقرأ أخباراً وتقارير مزيفة على الإنترنت، ونشك بعدم مصداقيتها. ولكن هل ستكذب عينيك عندما تشاهد فيديو لأحد السياسيين يصدر بياناً ما؟ إنه الذكاء الاصطناعي، حيث تلعب التقنية بالوجه والصوت إلى درجة يصعب على المشاهد تكذيبها. إنها تقنيات التزييف العميق، التي تزيّف المقاطع المصورة، وتتلاعب بسوق الأسهم، وصولاً إلى أنظمة المراقبة المخيفة وغيرها من سيناريوهات الأفلام المرعبة، ليضيع المشاهد بين الحقيقي والمزيّف، كما حدث مع صور البابا فرنسيس التي صدقها الجميع، حتى إن الصحفيين لم يتمكنوا من اكتشاف زيفها قبل نشرها في جرائدهم.

ولم يسلم فنانو الزمن الجميل الذين غادروا عالمنا من تقنية استنساخ الأصوات، عبر ميزة الذكاء الاصطناعي، فقد نشر الملحن المصري عمرو مصطفى مقطعاً لأغنية جديدة لأم كلثوم بعد وفاتها بسنوات، من ألحانه تحمل عنوان "افتكر لك إيه"، باستخدام صوت كوكب الشرق، مما أثار جملة من الآراء المتضاربة في الشارع العربي، أو خلق مطربين افتراضيين يؤدون أغاني كتبها ولحنها الذكاء الاصطناعي، قد تجول حفلاتهم العالم باستخدام تقنية "الهولوغرام" كحفل "أم كلثوم" في أوبرا دبي.

ويبقى انتهاك الأمن والحض على الحروب جريمة كبرى، بالإضافة إلى تشويه الفن، والمساس بسمعة العامة والمشاهير لأهداف لاإنسانية تقوم بها هذه التقنية التي أصبحت لها تبعات قانونية واسعة.

تحيّز الذكاء الاصطناعي

قررت شركة أمازون، اختصاراً للوقت، أن تستخدم برنامج الذكاء الاصطناعي في تحليل طلبات التوظيف والعمل، بترشيح الشخص المناسب للوظيفة المعنية، لتتفاجأ أن البرنامج يفضل الرجال على النساء، من خلال خفض ترتيب المتقدمين للعمل التي تحتوي بياناتهم على كلمة "سيدة"، وحتى تم تجاهل بعض الرجال الذين درسوا في جامعات لها اسم مؤنث. وهذا ما يفسر أن معظم موظفي شركة أمازون من الرجال. مما يدق ناقوس الخطر مستقبلاً حول استخدامه في قوانين العمل. وهنا لا نعلم ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيستمر في منظومته، أو يعدّل من منظومة التقييم الأخلاقية لتجنب العنصرية.

هلوسة

دخلت كلمة "الهلوسة" مؤخراً إلى عالم الذكاء الاصطناعي الذي يأتي بمعلومات غير صحيحة، فمثلاً، إذا تطرق إلى مواضيع أو أفكار لها علاقة بالانتحار، يحث المتلقي على أذية نفسه، إلا أننا لا يجب أن نأخذ الذكاء الاصطناعي على محمل الجد إطلاقاً، ناهيك عن خطورته في تدمير سوق الأسهم بالاعتماد عليه في اتخاذ القرار، حيث يلجأ المستثمرون إلى بعض الروبوتات التي تدرس تحريك أسعار السوق من خلال خوارزميات معينة، تستطيع التنبؤ بشكل دقيق بعض الشيء، إلا أن الخوف من أن يكون هذا التنبؤ هلوسة من قبل الذكاء الاصطناعي تنتج عنه فوضى عارمة. والجميع يأمل بألا نصل إلى هذا السيناريو.

محركات البحث

مع ظهور صفحة الذكاء الاصطناعي التي من خلالها يتم الاستغناء عن جميع محركات البحث في غوغل، وإلى آلاف المواقع التي تعتمد أرباحها على عدد الزيارات، كيف سيكون حالها عندما يوفر الذكاء الاصطناعي جميع الإجابات على كل شيء خلال ثوان، مما يصنع تغيراً جذرياً في خريطة التسويق الرقمي.

ومع دخول الذكاء الاصطناعي إلى المعادلة، قد يمتلئ الإنترنت بمحتوى غير مفيد ولا يقدم للمستخدم القيمة المطلوبة، فالمتصفح سيمتلئ بالإعلانات والأخبار الترويجية التي لا صلة لها باهتمامات المستخدم. ليصبح الإنترنت في يوم ما غير قابل للاستخدام والفائدة.

انتهاك لا يلغي الإيجابيات

تجمع بعض المنصات مثل "فيسبوك وغوغل" بياناتك وأنت تقضي الساعات أمام منصاتها، فهناك من يتتبع سلوكياتك لتستخدم لاحقاً بالتأثير على مشاعرك ودفعك تجاه إعلانات ما، أو لزيادة ساعات جلوسك أمام الشاشة، فبعض الحكومات تريد اقتحام البيوت عبر الشاشات من خلال تقنيات حديثة تستخدم الذكاء الاصطناعي، تحلل عاداتك وتتعرف على طريقة عيشك واهتماماتك، حتى إنها قد تتنبأ بما تريد فعله، لنصبح في المستقبل كتاباً مفتوحاً أمام الشركات الكبرى والحكومات.

إيجابيات محدودة

لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إيجابيات لا يستطيع الشخص إلا أن يعترف بها في بعض المجالات والأعمال، حيث تقوم على تحسين أداء المؤسسات وإنتاجيتها عن طريق أتمتة العمليات أو المهام التي كانت تتطلب القوة البشرية فيما مضى. كما يمكن للذكاء الاصطناعي فهم البيانات على نطاق واسع، لا يمكن لأي إنسان تحقيقه. وهذه القدرة يمكن أن تعود بمزايا كثيرة على الأعمال وتقلل من التكاليف. بالإضافة إلى المساعدة في التنبؤ بالتهديدات المستقبلية، إلا أنه من الأفضل اتخاذ قرار أكثر إنصافًا عندما يتم تدريب الخوارزميات على تجنب التحيز، ويجب أن تتضمن أنظمة الذكاء الاصطناعي وثائق تصميم واضحة، وأن يخضع التعلم الآلي للاختبار والتحسين، كما يجب أن يحظى التحكم في الذكاء الاصطناعي وحكومته بالأولوية على الخوارزميات والكفاءة، للتحكم في مخاطر الذكاء الاصطناعي التي قد تكون لها عواقب وخيمة في المستقبل.